مع تصاعد حدة المعارك في ضواحي العاصمة الليبية طرابلس،وسط تقدم ملحوظ للجيش الوطني الليبي في عدة محاور واصراره على حسم المعركة في أقرب وقت وانهاء نفوذ المليشيات المسلحة التي تسير على المدينة، تتزايد الضغوط على حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج،مع تصاعد الاتهامات من عدة أطراف.
آخر هذه الاتهامات،جاء على لسان مصدر في المصرف المركزي الليبي فرع البيضاء،والذي كشف أن المجلس الرئاسي وإدارة المصرف المركزي في طرابلس اتفقا على البدء في بيع كمية من الذهب، في سرية تامة.وقال مدير السيولة في المصرف رمزي أغا، إن الطرفين "اتفقاً على بيع 16 طنًا من الذهب الموجود في خزائن المركزي طرابلس في سرية تامة لرجل أعمال أجنبي.
وأشار في إدراج له على صفحته بموقع فيسبوك مساء الاثنين إلى أن هذا الإجراء تم بعد انتهاء أعمال اللجنة المشكلة بخصوص التقييم وجرد للاحتياطي من الذهب الموجود بالمصرف منذ أيام سابقة.وفق ما أورد موقع "ارم نيوز" الاخباري.
وفي تصريح للعربية.نت،أكدّ الآغا أن هذه الصفقة السريّة تمّت من أجل دفع إتاوة إلى أمراء الميليشيات المسلّحة التي تتولى حماية المجلس الرئاسي وتأمين بقائه، وتقود العمليات العسكرية ضد الجيش الليبي الذي يهاجم طرابلس، لافتا إلى أن هذه التجاوزات خطيرة جدا وغير قانونية تمر دون قيد ورقابة.
وأشار إلى أنه لا يوجد حل لوقف إهدار المال العام العمومي والعبث بمدّخرات الليبيين التي تحوّلت إلى مصدر تمويل للعصبات والإرهابيين، إلا بدعم الجيش الليبي من أجل تحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات المسلّحة والسيطرة على مؤسسات الدولة التي باتت تخضع لإرادة وإملاءات أمراء الحرب.
من جهته،اتهم عضو مجلس النواب سعيد امغيب تنظيم الإخوان بالسعي لسرقة ما تبقى من أموال الشعب الليبي.وقال امغيب في تدوينة له بموقع "فيسبوك" "تنظيم الإخوان المسلمين المسيطر على حكومة فايز السراج في العاصمة طرابلس بعد ان خسر المعركة وايقن بزواله من المشهد السياسي الليبي يسعى الآن لسرقة ما تبقى من أموال الشعب ومقدرات البلاد".
وأضاف امغيب "آخر هذه الجرائم ما ورد من أنباء عن نية المصرف المركزي برئاسة الصديق الكبير بالعاصمة طرابلس عن بيع احتياطي الذهب الذي هو ملك الشعب الليبي" مضيفا "على الشرفاء الوطنيين في طرابلس منع هؤلاء اللصوص من سرقة ما تبقى من ثروات الشعب".
وتتهم حكومة الوفاق بتمويل المليشيات وهو ما أكده تخصيص اعلان رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج مبلغ ملياري دينار ليبي (1.4 مليار دولار أمريكي) لدعم المليشيات لقتال الجيش الوطني الليبي في العاصمة طرابلس.ووجه مدير مكتب السراج، يوسف المبروك، خطابين إلى كل من مدير مكتب رئيس ديوان المحاسبة ومدير مكتب محافظ مصرف ليبيا المركزي ومدير مكتب شؤون الوزارة بوزارة المالية، بتخصيص 484 مليون دينار "لتغطية الاحتياجات الضرورية بسبب الاحتياجات الاستثنائية نتيجة الأحداث الجارية".
وأثار القرار حينها شكوكا حول الهدف منه،واعتبره مراقبون دليلا على تغلغل المليشيات المسلحة في حكومة الوفاق وسيطرتها على دواليب الدولة.واعتبرت النائبة البرلمانية الليبية، سلطنة المسماري،"إن السراج، الذي يعمل خارج الشرعية منذ توليه السلطة، يخضع لإرادة وإملاءات الميليشيات المُسلحة التي تُهيمن على أموال الدولة ومواردها ودواعش المال العام".
ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن المسماري قولها،أن "ارتهان السراج للميليشيات وصل إلى درجة أنه أقر ما سُمي بالترتيبات المالية التي يصرف من خلالها أموال ليبيا من دون قيد أو رقابة، حتى أنه قام مؤخرا بصرف ملياري دينار للميليشيات المُسلحة وللإرهابيين لمواجهة الجيش الليبي في معركة تحرير طرابلس".مشددة على أن تلك الممارسات "تؤكد انخراط السراج في ملفات فساد تجعله تحت طائلة القانون".
وفي أبريل الماضي،قال رئيس لجنة السيولة في مصرف ليبيا المركزي/ البيضاء، رمزي آغا،أن معلومات من مصادر مطلعة أفادت بوجود نقص حاد في رصيد السيولة النقدية لدى المصرف المركزي في طرابلس؛ ما يهدد بعدم استطاعته تلبية احتياجات المصارف التجارية.وأرجع آغا في منشور له على صفحته بموقع فيسبوك السبب في نقص السيولة إلى أعطيات المجلس الرئاسي لمسؤولي الميليشيات وتسخير جل السيولة لهم.
وفي أغسطس الماضي،أصدر رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج قراره رقم 67 لسنة 2019، الذي قرر بموجبه صرف مكافأة مالية قدرها 3 آلاف دينار (حوالي 1500 دولار)  لعناصر الميليشيات من الذين لبوا "نداء الواجب للدفاع عن العاصمة ضمن عملية بركان الغضب" وفق ما وصفهم نص المادة الأولى من القرار.
كما قرر المجلس الرئاسي،تخصيص 40 مليون دينار (28.5 مليون دولار)  لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق. وأشار القرار إلى خصم المبلغ من بند المتفرقات بالميزانية العامة، التي تحصل على ترتيباتها من مصرف ليبيا المركزي، وفق صفحة المكتب الإعلامي لرئيس المجلس على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.ولم يذكر القرار وجهة صرف المبلغ وسط توقعات بأن يكون مخصصا لصفقات تسليح الميليشيات.
ويتهم السراج بالسيطرة على المؤسسات المالية الليبية وتوظيف مقدراتها لخدمة الميليشيات.حيث قام،في فبراير الماضي، بصفته رئيس مجلس أمناء المؤسسة الليبية للإستثمار بتعيين القياديين في جماعة الإخوان المسلمين، مصطفى المانع، عضوًا بمجلس إدارة مؤسسة الاستثمار (الصندوق السيادي لثروة ليبيا)، ويوسف المبروك، نائبًا لرئيس مجلس إدارة المؤسسة، بصلاحيات مدير عام وهو ما أثار جدلا واسعا في ليبيا حيث نددت به أطراف ليبية كثيرة.
وجاء هذا التعيين ضمن ما أعتبر تمكين السراج لجماعة الإخوان في مفاصل الدولة الليبية ، عبر تعيينهم في المناصب العليا. فالجهاز المالي الليبي، يعاني من وقوعه تحت سيطرة أفراد من جماعة الإخوان. ويعتبر المصرف المركزي بطرابلس، على رأس هذه المؤسسات الخاضعة للإخوان، إذ ينتمي كل أعضاء ما يعرف بالهيئة المركزية للرقابة الشرعية بالمصرف للجماعة، فيما يترأس اللجنة المعنية بمراجعة العمليات المصرفية والتأكد من مطابقتها للشريعة، حمزة أبوفارس، الذي أٌدرج على قوائم الإرهاب الموضوعة بمعرفة دول الرباعي العربي ، على خلفية علاقته بقطر والتنظيمات الإرهابية.
وتواجه حكومة الوفاق مشاكل مالية جراء ميزانية الحرب التي خصصتها لشراء الأسلحة والصرف على المليشيات  التي تحاول عرقلة تقدم الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة، فيما يواجه سكان العاصمة ظروفًا اقتصادية ومعيشية صعبة.في بلد يعتبر أحد أغنى دول الاقليم نظرا للثروة النفطية التي يمتلكها.
الاتهامات باهدار المال العام،جاءت أيضا من حلفاء السراج،حيث قال المفتي المعزول الصادق الغرياني،مؤخرا إن هناك أعداد كبيرة من الموظفين في وزارة خارجية حكومة الوفاق وفي موظفيها بجامعة الدول العربية يتقاضون مرتبات كبيرة تصل إلى 10 آلاف دينار تصرف بالدولار، دون حاجة لهم في العمل.
الصادق الغرياني، ومن مقر إقامته بتركيا، أضاف خلال لقاء تلفزيوني "أعرف أعداداً كبيرة ليس لهم عمل، مجرده أنهم ينتموا إلى حزب أو مركز قوة يتقاضون 6 آلاف دينار، ولا يعمل الفرد منهم أكثر من نصف ساعة".وتابع المفتي المعزول: "ومعلم يعمل منذ ما يزيد عن 30 عاما، ويتقاضى 800 دينار".
من جهة أخرى،تتواصل الدلائل على تعويل حكومة الوفاق على التدخل التركي في ليبيا،حيث اعلن الجيش الليبي، فجر الثلاثاء، إن سفينة مدنية تركية وصلت إلى ميناء مدينة مصراتة الخاضع لسيطرة حكومة الوفاق، وعلى متنها آليات ومدرّعات عسكرية، لإستخدامها في أعمال عدوانية ضد أمن ليبيا، وذلك في خرق آخر من طرف أنقرة لقرار مجلس الأمن الدولي، الذي يحظر بيع ونقل الأسلحة إلى ليبيا، ويعد هذا دليلا جديدا على تورطها في تأجيج الصراع الدائر بهذا البلد الغارق في الفوضى منذ 2011
وأوضحت القيادة العامة للجيش الليبي - في بيان عاجل - أنه "بناء على المعلومات الاستخباراتية الدقيقة، تم رصد ومتابعة عملية نقل عدد (19مدرعة ) بواسطة السفينة المدنية التركية (كوسافاك رست) من تركيا إلى ميناء الحديد والصلب بمنطقة مصراتة، الاثنين، ليتمّ لاحقا نقلها من الميناء وتخزينها في منطقة صناعية في وسط المدينة، بهدف استخدامها في أرض العمليات، وفق خططهم المعروفة لأجهزتنا الاستخباراتية".
وأضاف البيان أنّه "بعد اكتمال المعلومات الاستخباراتية من خلال التتبع والمراقبة لهذه الشحنة العسكرية منذ بداية تنزيل المدرعات من السفينة حتى وصولها إلى المخازن، تدخل سلاح الجو التابع للجيش الليبي، وقام بتدمير هذه المدرعات بدقة عالية، في نفس يوم وصولها وقبل خروجها من مخازنها لمنع استخدامها في أعمال عدوانية تهدد أمن وسلامة البلاد والعباد"، مشيراً إلى أنّ "هذا الاستهداف نتج عنه انفجارات هائلة متتالية، نتيجة تخزين أسلحة وذخائر وصواريخ فيها، إلى جانب المدرعات".
ونجح الجيش الليبي خلال الأسابيع القليلة الماضية في توجيه ضربات قوية لتمركزات السلاح التركي على غرار تدميره،مطلع نوفمبر الجاري، لقاعدة تستخدم في تجهيز وتخزين الطائرات المسيرة.ويسعى الجيش الليبي لاستهداف الدعم التركي في محاولة لتحييد سلاح الطائرات المسيرة التركية الذي شكل عائقا أمام سير العمليات العسكرية كما شكل خطرا على المدنيين.
وجدّدت القيادة العامة للجيش الليبي تحذيرها السلطات التركية من استمرار تقديم الدعم العسكري إلى "الميليشيات الإرهابية"، كما طالبت بالابتعاد عن استخدام مدينة مصراتة في المجهود العسكري، حفاظاً على سلامة سكانها ومرافقها، واعتبرت أن استخدام السفن والطائرات المدنية في نقل معدات عسكرية وتخزين هذه المعدات العسكرية في مرافق مدنية، يعدّ انتهاكا للقانون الدولي والإنساني والأعراف الدولية.
وتتهم قوى سياسية وليبية مختلفة حكومة الوفاق بأنها لا تكتفي بالتستر على متطرفين موضوعين على القوائم السوداء عربيا ودوليا، بل تعمل على إعادة تأهيلهم والاستفادة من تجاربهم القتالية وإنفاق أموال طائلة لتسليحهم وشراء ولائهم.كما تعول حكومة الوفاق على التدخل التركي لقصف الليبيين في أرضهم وهو ما بات واضحا.
وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع تقدم قوات الجيش على الأرض حيث أعلن المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، مساء أمس الثلاثاء، تمكن الوحدات العسكرية التابعة لقوات الجيش الليبي، من فرض سيطرتها على كامل المنطقة الممتدة من الخلاطات وحتى منطقة الروابش المطله على ابوسليم بالعاصمة طرابلس.
وكانت قوات الجيش الليبي نجحت في الانتشار في مدينة العجيلات التي تبعد حوالي 79 كيلومترا إلى الغرب من العاصمة الليبية طرابلس مساءالإثنين. وقال آمر فرع التوجيه المعنوي بالمنطقة الغربية أن وحدات من القوات المسلحة انتشرت بمدينة العجيلات وقامت بتفعيل البوابات. وأضاف آمر فرع التوجيه المعنوي بالمنطقة الغربية أن قوة الجيش دخلت إلى المدينة وسط ابتهاج الأهالي.بحسب ما نقل المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الوطني.
ويرى مراقبون، إن حكومة الوفاق رهينة للميليشيات والتنظيمات الارهابية التي تتلقى الدعم التركي في محاولة لعرقلة تحرير العاصمة طرابلس.ويؤكد هؤلاء أن الخناق بدأ يضيق على هذه الجماعات المسلحة في محيط العاصمة الليبية خاصة بعد نجاح الجيش الليبي في التقدم على جميع المحاور والجبهات،وتزايد الخسائر في صفوف القوات الموالية لحكومة الوفاق.