لاتزال أزمة المصرف المركزي الليبي تلقي بظلالها على المشهد الاقتصادي والسياسي الليبي منذ أكثر من شهر، إثر قرار رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، عزل محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، من منصبه. 

حيث ركز محللون وخبراء ووسائل الإعلام اهتمامهم على خلفيات هذا القرار، وأثره على الاقتصاد الليبي، باعتبار أن المصرف المركزي الليبي يشرف على إدارة إيرادات النفط التي تقدر بالمليارات، وموازنة الدولة وتوزيعها بين المناطق المختلفة، وهو ما تسبب بإرباك كبير بالوضع الاقتصادي، وخاصة بعد إعلان حكومة الشرق المكلًفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد وقف إنتاج النفط الخام وتصديره احتجاجاً على إقالة الكبير.

وبحسب خبراء اقتصادين فإن أزمة البنك المركزي وقرار إقالة المحافظ أتى بسبب الخلافات بين حكومة عبد الحميد الدبيبة والصديق الكبير الذي أوقف تمويل الدبيبة وحلفائه؛ مما جعل فريق طرابلس يبدأ التفكير الفعلي بأن الكبير يمثل تهديدا وجوديا، وأصبح من الضروري التخلص منه لضمان الوجود السياسي. بالإضافة لوجود كثير من ملفات الفساد وهدر المال العام، والمحسوبيات في عمل حكومة الدبيبة.


لماذا تتمسك واشنطن بـ"الكبير"؟

الكبير يتمتع بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وتركيا، كما أنه يدير القطاع المصرفي والاقتصادي والنفطي الليبي بما يحافظ على مصالح تلك الدول، لذا فإن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا تسعيان بشكل وثيق لإعادته إلى حكم المصرف المركزي أو تعيين بديل له ينفذ أوامرهم ويحقق مصالحهم في ليبيا.

كما أن كل المباحثات الأممية والغربية الحالية، والمساعي الأمريكية الحثيثة تصب في سبيل تحقيق هذا الهدف، أي حتى لا تفقد واشنطن والدول الغربية سيطرتها على القطاع المصرفي والاقتصادي الليبي وتستمر بنهب أموال الشعب الليبي.

فواشنطن تنسج مصيدة للسيطرة على النظام  السياسي الليبي من خلال  ما يسمى بهيئة المنفي التي ستكون أخطر أداة لفرض الهيمنة الأمريكية الجذرية، والى جانب المبعوث الأمريكي نورلاند الذي  مايزال يتدخل بالشأن الليبي بصورة تفصيلية ويبيع الأوهام".


التدخلات الخارجية بأزمة المصرف

إلى جانب ذلك أكد مراقبون بأنه في ظل التبعية وارتباط القوى والأحزاب السياسية الليبية بقوى إقليمية وغربية، فإن التدخلات الخارجية في القرار السياسي والاقتصادي الليبي، هي نتيجة طبيعية. وبالتالي فإن تدخل القوى الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بأزمة المركزي الليبي هو أمر حتمي وله كثير من الدلالات.

وفي هذا السياق، زار وفد رفيع المستوى من الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة مساعدة وزير الدفاع الأمريكي للشؤون الأمنية الدولية سيليست والاندر ليبيا الأسبوع الماضي. وضم الوفد نائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (الأفريكوم) الفريق جون برينان، والقائم بأعمال السفارة الأمريكية في ليبيا جيريمي برنت. التقى الوفد القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر وقال المكتب الإعلامي للمشير، بأن حفتر عبر عن تقديره للمساعي والجهود الأمريكية للمساهمة في حل الأزمة المصرفية. والتقى الوفد الأمريكي، أيضاً رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بطرابلس، كما بحث الوفد مع رئيس الأركان العامة للجيش الليبي الفريق أول ركن محمد الحداد، تنفيذ عدد من البرامج التدريبية المشتركة. وجاءت كل هذه اللقاءات عشية التشاور حول تعيين محافظاً جديداً للمصرف المركزي.

وتعليقاً على ذلك، أكد متخصصون في الشأن الليبي  بأن ما يثبت التدخل الخارجي الكبير بأزمة المصرف، ورغبة واشنطن وتركيا والقوى الغربية بإعادة الكبير لمنصبه أو تعيين بديل موالي لهم، هو فرار الصديق الكبير إلى تركيا، بعد عزله، بالإضافة إلى الاجتماعات واللقاءات الكثيرة التي كان يعقدها مع مسؤولين أمريكيين وغربيين، وكان أخرها لقائه مع المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند في أب أغسطس الماضي، وقبلها بالقائم بالأعمال الأمريكي في ليبيا جيريمي بيرندت ومدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في ليبيا جون كارديناس في فبراير/شباط الماضي.

وكان المبعوث الخاص لواشنطن إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، قد أكد دعم بلاده الكامل لمصرف ليبيا المركزي تجاه كل التهديدات، مشيراً إلى أن التهديدات لأمن موظفي المصرف المركزي وعملياته غير مقبولة"، مؤكدا أن "محاولة استبدال قيادة المصرف بالقوة قد تؤدي إلى فقدان ليبيا الوصول إلى الأسواق المالية الدولية".

وتستمر المباحثات التي ترعاها بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا برئاسة ستيفاني خوري بتوجيه غير معلن من واشنطن لضمان ارجاع الكبير الى منصبه، أو تعيين بديل مناسب له، وفق ما يتماشى مع اجندة واشنطن في البلاد حتى يتم اعادة فتح النفط من جديد وبالتالي الاستمرار في نهب عائداته عبر الكبير.