أكدت مبعوثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني ويليامز،الأسبوع الماضي، أن هناك العديد من الفجوات شابت اتفاق الصخيرات منها إبعاد أنصار النظام الجماهيري عن الإطار السياسي الليبي، مؤكدة "أنهم مجموعة لديها قاعدة شعبية عريضة على أرض الواقع". وكان أول اجتماع مع مبعوث أممي، غسان سلامة، بأنصار النظام الجماهيري قد تم في أغسطس 2018، حيث كانوا قبل ذلك "مستبعدين تماما" عن الحياة السياسية في ليبيا.

بعد أحداث 2011، وإثر الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي أرسى النظام الجماهري بليبيا، أكد تقرير روسي حينها انه بعد غزو الولايات المتحدة وبريطانيا لطرابلس ألقي القبض على عشرات الآلاف من أنصار النظام وأعدم المئات منهم دون محاكمة.

 لتدخل البلاد في فوضى المنعرجات والمطبات السياسية والاجتماعية والأمنية والمعيشية، أوضاع متردية على جميع الأصعدة مع تشتت وتشرذم التيارات المختلفة بالبلاد وخاصة أنصار النظام الجماهيري. فمع تداعي الدولة الليبية برز الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة الدموية التي طغت على المشهد العام للبلاد محاولة بذلك السيطرة والظهور من خلال التسلل إلى تضاريس المشهد السياسي المتزعزع في ليبيا.

 ففي مارس 2012 شكل عضو جماعة الإخوان المسلمين محمد صوان حزب العدالة والبناء وهو حزب سياسي سعى إلى إقامة الخلافة الإسلامية الليبية والتي قيل إنه على غرار حزب الحرية والعدالة الذي انبثق عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

 وبعد ثلاثة أشهر احتل حزب العدالة والبناء المركز الثاني في أول انتخابات برلمانية ليبية، إذ حصل على 34 من أصل 200 مقعد في يوليو 2012 في حين لم يكن أنصار النظام الجماهيري في المشهد خوفا من بطش المتطرفين.

ومنذ دخول حزب العدالة والبناء التابع للإخوان إلى البرلمان شكل تحالفات استراتيجية مع أصحاب مقاعد مستقلين لزيادة نفوذهم السياسي على التحالف الوطني العلماني في البلاد المعروف بتحالف القوى الوطنية، حيث سرعان ما نما الحزب الإخواني ليصبح الكتلة الأكثر نفوذا في البرلمان.

 وبحلول مايو 2013 تمكن حزب العدالة والبناء من المضي قدما في تطبيق قانون العزل السياسي الذي منع المسؤولين في عهد القذافي من المشاركة في النظام السياسي الليبي على مدى السنوات العشر القادمة، و بذلك أقام أسس العقبة الأقوى أمام عودة أنصار النظام الجماهيري.

حدد قانون العزل السياسي الوظائف والمسؤوليات التي يشمل العزل من تولاها في النظام السابق، كما حدد المسؤوليات القيادية التي يمنع عليهم توليها في الدولة الجديدة. وبمقتضى القانون نفسه، لا يحق للمشمولين تولي المسؤوليات القيادية في الوظائف التنفيذية، بدءا من وظيفة رئيس الدولة أو رئيس الحكومة، وحتى وظيفة مدير إدارة على المستوى الوطني، أو المحلي و الوظائف السيادية في الدولة، ورئاسة وعضوية الهيئات التشريعية، أو الرقابية، أو التأسيسية، على مستوى الدولة، أو المستوى المحلي.


 ورئاسة وعضوية مجالس الإدارة، والوظائف الإدارية أو التنفيذية أو الرقابية، من وظيفة مدير إدارة فما فوق في الهيئات والمؤسسات والمصارف والشركات العامة والاستثمارية، المملوكة كليا أو جزئيا للدولة الليبية، أو إحدى مؤسساتها بالداخل والخارج.

إضافة إلى منعهم من عضوية أي من الهيئات القضائية، والوظائف القيادية في المؤسسات الأمنية والعسكرية، والعمل في الهيئات الدبلوماسية، ورئاسة وعضوية الهيئات القيادية في الأحزاب، أو المؤسسات، أو الهيئات ذات الصبغة السياسية، وكذلك رئاسة المؤسسات التعليمية, والوظائف القيادية في مختلف وسائل الإعلام.

ومباشرة بعد إقراره, قال ناشطون إنهم سيطعنون في قانون العزل السياسي، بما أنه لم يحصّن بحكم قضائي على الفور.كما انتقدت الأمم المتحدة هذا القانون حيث قال مبعوثها الخاص حينها إلى ليبيا طارق متري " نعتقد أن الكثير من معايير الاستبعاد تعسفية وواسعة النطاق وغامضة في بعض الأحيان وتنتهك على الأرجح الحقوق المدنية والسياسية لعدد كبير من الأفراد".

وفي انتخابات عام 2014 تشكل تحالف سياسي من الخاسرين، منهم جماعة الإخوان، تحت اسم المؤتمر الوطني العام الجديد حيث يدعم هذا التحالف جماعات مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة وتسمي نفسها "فجر ليبيا" وهذا التشكيل أحد أهم أطراف الحرب الأهلية في ليبيا، حيث سيطر هذا التحالف على العاصمة الليبية طرابلس، في أيلول 2014، وأنشأ المؤتمر الوطني العام هيئة حكومية خاصة به وهي حكومة الإنقاذ الوطني.

 وفي الوقت نفسه انتقل البرلمان السابق في طرابلس إلى طبرق وأنشأ الحكومة الليبية المعترف بها دوليا في مايو 2014، حيث كلف مجلس النواب ومقره طبرق اللواء خليفة حفتر بمكافحة تحالف ميليشيات فجر ليبيا في طرابلس. وأطلق حفتر عملية الكرامة في محاولة لسحق تحالف فجر ليبيا وغيره من الجماعات الإسلامية المسلحة.


اندلعت بذلك المواجهات وبدأ تنظيم الإخوان يفقد سيطرته أمام تقدم الجيش الليبي، إلى أن عقد اتفاق الصخيرات السياسي الليبي، وهو اتفاق شمل أطراف الصراع في ليبيا وتم توقيعه تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات في المغرب بتاريخ 17 كانون الأول 2015،  بإشراف المبعوث الأممي مارتن كوبلر لإنهاء الحرب الليبية المندلعة منذ 2014 وهو الاتفاق الذي قالت عنه ستيفاني ويليامز، أنه شابته فجوات باستبعاد أنصار النظام الجمهوري.

وفي 2016 بدأ أنصار النظام الجماهيري بالظهور والتحرك والمطالبة بالإفراج عن سيف الإسلام القذافي إذ أكدت مصادر ليبية ان الجنوب الليبي، ومحافظة فزان على وجه التحديد، تحوّلت الى "لوحة خضراء" ترتفع على بيوتها ومؤسساتها العلم الاخضر، وبدأ انصار النظام الجماهيري يتجولون في شوارع سبها والكفرة بأسلحتهم وسياراتهم التي ترفع اعلام النظام السابق، ويضعون العصبة الخضراء على جباههم.

 وأضافت ذات المصادر ان مناطق كثيرة من ليبيا باتت تحت سيطرتهم كما شنوا هجمات مكثفة ضد الارهابيين والدواعش. وقالت تقارير ليبية أخرى ان ما يساعد عودة أنصار النظام الجماهيري الى الواجهة هو تزايد اعداد الساخطين على الانظمة الجديدة وفشلها في تحقيق الامن والخدمات الضرورية، ونزع سلاح الميليشيات.

ومع إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي في يونيو 2017، بعد مضي ست سنوات من اعتقاله في سجن "الزنتان" (جبل نفوسة)، استمد أنصار النظام الجماهيري مزيدا من القوة والثقة إذا أبدى مبعوث الأمم المتحدة حينها غسان سلامة إهتمامه بأنصار النظام الليبى السابق واجتمع بهم، في أول لقاء على الإطلاق مع مبعوث أممي، حسب الأمين العام لمؤتمر أنصار النظام الجماهيري والقوى الوطنية الليبية،  الدكتور على الأحول في أغسطس 2018.

 كما أكد غسان سلامة أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية مفتوحة للجميع وأضاف في تصريح له عقب اللقاء،  أن "العملية السياسية ليست خاصة بهذا أو ذاك، بل يمكن أن تشمل أيضا تشريك سيف الإسلام القذافي، ومؤيدي النظام السابق الذين استقبلتهم علانية في مكتبي".

 وتعتبر القبائل الليبية الموالية للنظام الجماهيري الأكثر تأثيرا في البلاد وفي المشهد الليبي الحالي والتي أعلنت سيف الإسلام القذافي، قبل تحريره في 2015،  قائدا لمجلسها الأعلى ما يجعل سيف الإسلام على مقربة من الفاعلين الأساسيين في الحياة السياسية في بلد تتمتع فيه المؤسسات القبلية بثقل اجتماعي هام بغض النظر عما إذا كان هذا الثقل رسميا أو غير رسمي، فهو يكتسي أهمية، كما أنه عامل فاعل في استقرار البلاد.

ومع اندلاع مظاهرات  "حراك رشحناك من أجل ليبيا اخترناك" الداعم لسيف الإسلام ومع اندلاع مظاهرات طرابلس والغرب الليبي المنددة بالفساد والمطالبة برحيل حكومة السراج في انتفاضة شعبية شبابية أضناها سوء الوضع العام وغياب أبسط أساسيات العيش والأمن، إضافة إلى بداية مفاوضات وقف إطلاق النار ومع الإعتراف الأممي الضمني بأنصار النظام الجماهيري الذي يحظى بدعم وقاعدة شعبية هامة فإن المشهد السياسي الليبي الجديد يمكن أن يحمل أوجه كثيرة ويتجاوز بذلك كل التوقعات والحسابات والصراعات.