نجح رئيس الوزراء اللبناني الجديد الدكتور حسان دياب، في تجاوز العقبات المتعددة التي كانت تحول دون الانتهاء من تشكيل حكومته الأولى، والالتزام بالإطار الزمني الذي وضعه لنفسه للانتهاء من التأليف الحكومي خلال فترة تتراوح ما بين 4 إلى 6 أسابيع بحد أقصى منذ أن جرى تكليفه في 19 ديسمبر الماضي، في ظل تدهور غير مسبوق يشهده لبنان على المستويات المالية والاقتصادية والنقدية والمعيشية، على الأقل منذ انقضاء الحرب الأهلية عام 1990.
وتضم الحكومة الجديدة - وهي الثالثة في عهد الرئيس اللبناني ميشال عون - 19 وزيرا، وتعتبر صغيرة العدد نسبيا، وذلك قياسا بالحكومات السابقة التي كانت غالبا ما تتألف من نحو 30 وزيرا في المتوسط.
ولا تزال أمام الحكومة الجديدة 3 محطات مهمة تتمثل في: نيل ثقة أعضاء مجلس النواب وذلك في ضوء البيان الوزاري الذي ستعده الحكومة والذي سيتضمن خطة طريق عملها، لاسيما فيما يتعلق بالشق الاقتصادي الذي يتصدر أولويات المواطنين اللبنانيين، إلى جانب اكتساب ثقة السواد الأعظم من الداخل اللبناني وخصوصا المحتجين في الشوارع منذ 17 أكتوبر الماضي، بالإضافة إلى ثقة المجتمع الدولي الذي يعول عليه السياسيون اللبنانيون - بصورة أساسية - لمساندة لبنان في ظل الأزمة الخانقة الراهنة.
وتبدو خطوة اكتساب ثقة المجلس النيابي شبه محسومة؛ في ضوء أن الكتل النيابية والقوى السياسية التي تمثلها (تحالف قوى الثامن من آذار السياسي بزعامة حزب الله) تحوز الأغلبية النيابية داخل البرلمان، وهي التي سبق واختارت حسان دياب لترؤس وتشكيل الحكومة، كما أنها ساهمت في التركيبة الحكومية وصياغتها سواء عبر ترشيح أو اختيار الوزراء أو الموافقة عليهم.
وفي المقابل، لا يزال هناك "امتحان الشارع" المنتفض والغاضب من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والمجتمعية وسوء الخدمات وانخفاض الدخول وارتفاع الأسعار بصورة كبيرة وتدهور القيمة الشرائية لليرة اللبنانية وانهيار سعر الصرف بأكثر من 50%. حيث يؤكد المتظاهرون في تجمعاتهم الاحتجاجية تمسكهم بتشكيل حكومة من الاختصاصيين (تكنوقراط) المستقلين بمنأى تام عن القوى والتيارات والأحزاب السياسية.
وبدا من تشكيلة الحكومة الجديدة أن رئيس الوزراء حسان دياب استطاع أن يلتزم بتعهده في ألا تضم حكومته أيا من الوجوه التي كانت في الحكومة السابقة، والتي استقالت تحت وطأة ضغوط الشارع والاحتجاجات الشعبية العارمة المستمرة منذ قرابة 100 يوم، غير أن التركيبة الحكومية الجديدة ساهمت في صياغتها القوى السياسية من تحالف قوى الثامن من آذار السياسية عبر ترشيح واختيار الوزراء بها، وهو الأمر قد لا يلقى القبول لدى الشارع المنتفض.
ويُنتظر أن يتضح خلال أيام، وربما ساعات قليلة، موقف المجتمعين العربي والدولي من الحكومة الجديدة، التي سبق وأن وُصفت بأنها "حكومة اللون السياسي الواحد" في ضوء أن عملية اختيار رئيس الحكومة ومسار التأليف، كانت تجري من خلال فريق واحد هو قوى الثامن من آذار، علما بأن حسان دياب كان قد شدد في أكثر من تصريح له على أن الحكومة الجديدة لن تكون "حكومة مواجهة" مع المجتمع الدولي.
وكان عدد من الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، أكدت في تصريحات على لسان مسئولين ودبلوماسيين، أنها لا تتدخل في مسار تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، مشيرين إلى أنه ينبغي أن يُستجاب لمطالب الشعب عبر سرعة تأليف حكومة تعبر عن مطالب وتطلعات المواطنين المحتجين وتكون قادرة على تنفيذ حزمة من الإصلاحات الواسعة بما يحقق مصلحة لبنان.
وتخلو الحكومة الجديدة من أي تمثيل وزاري محسوب على فريق 14 آذار السياسي، والذي تمثل مكوناته قوى الاعتدال في لبنان، وفي مقدمها تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، وحزب القوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي.
وسبق واختار 69 عضوا بمجلس النواب اللبناني حسان دياب، لمنصب رئيس الحكومة الجديدة المرتقبة، وذلك خلال الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الوزراء الجديد في 19 ديسمبر الماضي، حيث حصد "دياب" أصوات الكتل النيابية لكل من حزب الله، وتيار المردة، والحزب السوري القومي الاجتماعي، وحركة أمل، والتيار الوطني الحر وحلفاؤه، إلى جانب نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي، ونائب واحد مستقل.
وشهد مسار تأليف الحكومة الجديدة سلسلة من العقبات والأزمات والخلافات المحتدمة بين أطراف فريق الثامن من آذار السياسي، وهو الأمر الذي بدا لافتا ومستغربا، باعتبار أن الخلافات هي سمة تشكيل الحكومات التي تتألف من فرق وقوى سياسية متباينة التوجهات، والتي كان يُطلق عليها (حكومات الوحدة أو الوفاق الوطني) حيث استغرقت مشاورات تشكيل حكومة سعد الحريري الأخيرة 252 يوما، ووصل الإطار الزمني لتأليف حكومة رئيس الوزراء الأسبق تمام سلام إلى 315 يوما.
وكان من أبرز الخلافات التي اعترت مسار تأليف حكومة حسان دياب، مسألة شكل الحكومة، ما بين مطالبات بتشكيل حكومة سياسية أو مختلطة تضم اختصاصيين وسياسيين (تكنو-سياسية) أو اختصاصيين (تكنوقراط) خالصة، فضلا عن عدد أعضاء الحكومة، ما بين إصرار دياب على حكومة من 18 وزيرا ومطالبات بتوسيعها إلى 24 وزيرا، ورغبة الفريق المشترك لرئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر بالحصول على حصة وزارية تمثل "الثُلث المعطل" داخل الحكومة.
كما تضمنت الخلافات التي أخرت تشكيل الحكومة، عقدة التمثيل الكاثوليكي بعدما اعتبرت الطائفة أن تمثيلها بحقيبة وزارية واحدة يعد أمرا مرفوضا، وكذلك عقدة التمثيل الدرزي بإصرار رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان بالحصول على حقيبتين وزاريتين بدلا من حقيبة واحدة، وكذلك عقدة التمثيل المسيحي بين التيار الوطني الحر وتيار المردة وذلك بعدما أصر الأخير على الحصول على حقيبتين أساسيتين وليس حقيبة واحدة، ورغبة الحزب السوري القومي الاجتماعي في أن يتمثل وزاريا بحقيبة وازنة.