التقى وزير الدولة لشؤون النازحين والمهجرين بحكومة الوفاق يوسف جلاله أمس الأربعاء في مقر السفارة بتونس العاصمة مع القائم بأعمال سفير ليبيا بتونس محمد معلول. الجانبين ناقشا بحسب إدارة التواصل والإعلام التابعة للمجلس الرئاسي أوضاع المهجرين بتونس والمشاكل التي يواجهونها. وعقد خلال اللقاء اجتماع بمكتب الملحقية المعنية بشؤون المهجرين مع الملحق الاجتماعي مسعود قريفة بالإضافة إلى عدد من المهجرين الليبيين بتونس حيث استمع إلى مطالبهم. جلاله أشار خلال الاجتماع لما تم الاتفاق عليه خلال اللقاء الذي نظمته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حول حقوق الملكية العقارية من أجل المصالحة الوطنية الشاملة.
عائق الإقامة
قال الملحق الاجتماعي بالقنصلية الليبية في صفاقس خالد ذياب إن أبرز المشاكل التي يواجهها النازحون والمهجرون الليبيون في تونس هي مشكلة الإقامة التي يجب أن يتم تجديدها كل 3 أشهر في معبر رأس الجدير. وأوضح أن أغلبية النازحين والمهجرين يواجهون مضايقات من قبل السلطات التونسية بسبب هذا الإجراء الذين يثقل كاهل المهجر ماديا ذلك أن العودة من العاصمة أو إحدى المدن التونسية يحتاج وقتا ومبلغا من المال يتعذر في أحيان كثيرة على المهجرين دفعه.
وأضاف أن هذا الإجراء الذي يشمل السيارات أيضا بات يتسبب في مشكل للمهجرين الليبيين مع شرطة المرور، الأمر الذي يعرضهم في أحيان كثيرة للابتزاز بسبب هذا الإجراء الذي يعجز الكثير من المهجرين وخاصة أنصار النظام السابق الذين لا يستطيعون الدخول إلى ليبيا نظرا لامتلاكهم لجوازات سفر قديمة ذلك أن دخولهم إلى ليبيا بجواز قديم يمنع عليهم العودة إلى تونس بنفس الجواز، الأمر الذي يضعهم محل تتبع أو تهديد بتهمة انتمائهم خاصة في ظل انتشار الفوضى والميليشيات.
وناشد ذياب السلطات التونسية منح النازحين والمهجرين بالسماح للنازحين والمهجرين بتجديد رخصة جولان السيارات في أي نقطة تتبع الديوانة في تونس كي لا يضطر المهجرون للعودة إلى المعبر لتجديد رخصة الجولان، أما المهجرين فدعا لتمديد إقامتهم من خلال تعامل السلطات التونسية مع الملحقيات الاجتماعية التابعة للسفارة في كل من صفاقس وتونس. وأكد ذياب أن الملحقيات الاجتماعية التابعة للسفارة الليبية في كل من تونس و صفاقس ستراسل قريبا السلطات التونسية بخصوص هذا الموضوع.
وأضاف رئيس الملحقية الاجتماعية أن عدد النازحين والمهجرين المسجلين في كل من القنصليتين لم يتجاوز 1200 عائلة خلال سنة 2015 أي بمعدل 7000 مهجر، مضيفا إلى أن الرقم الذي أعلنت عنه تونس وحددته بأكثر من 2 مليون مهجر هو رقم مبالغ فيه ولا يمت للواقع بصلة.
الوضع الاقتصادي
لم تعد أحوال آلاف الليبيين من المقيمين في تونس أو زائريها كما كانت، فالوضع الاقتصادي الصعب على التونسيين نال نصيبه أيضا من الليبيين الذين باتوا يشكون الغلاء أو ما يراه بعضهم استغلالا وسوء معاملة أحيانا. فمنذ الأزمة التي اندلعت في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، زادت أعداد الليبيين في تونس بشكل كبير، واستقر بعضهم هناك وزاد توافدهم للعلاج في المستشفيات الخاصة، وأصبحوا يلحظون بشكل واضح تبدلا في أوضاعهم وأوضاع البلاد التي يقيمون فيها.
يقول عمر إنه أنفق خلال إقامته أسبوعين في تونس العاصمة مبلغ أربعة آلاف دينار تونسي على مصاريف المستشفى والتحاليل الطبية والسكن والغذاء، مما جعله يعتقد جازما بأن هناك "استغلالا فاحشا" لأوضاع الليبيين في تونس. بدوره يشتكى المواطن الليبي عبد الفتاح الذي سافر إلى تونس العاصمة، من وجود استغلال في المستشفيات الخاصة، مبينا أنه أنفق نحو 12 ألف دينار تونسي على عملية جراحية قال إنها فشلت في استئصال ورم أصاب ولده.
وبسبب تدهور وضعه المادي في ظل استمرار غلاء الأسعار وهبوط الدينار الليبي، يضطر عبد الفتاح -الذي يعمل تقنيا في تلفزيون ليبي براتب لا يتجاوز سبعمئة دينار ليبي إلى الإقامة في شقق بأحياء فقيرة في العاصمة تونس. لكن رغم إقراره بمواجهة مصاعب كثيرة في تونس متعلقة بغلاء المعيشة وارتفاع الإيجار والعلاج والغذاء، فإن محمد ينفي تعرضه إلى سوء معاملة من قبل الجمارك أو التونسيين الذين قال إنه لا يجد صعوبة في الاندماج معهم. وتختلف ظروف إقامة الليبيين بين شرائح مرفهة تقيم في مناطق راقية بالعاصمة -مثل حي النصر والبحيرة والمرسى وغيرها- وأخرى متوسطة وفقيرة تقيم في منازل بمناطق شعبية فقيرة يصل فيها سعر الليلة خمسين دينارا .
تعليم الناشئة في الميزان
تشهد المدارس الليبية في تونس إقبالا متزايدا من التلاميذ الليبيين اللاجئين في تونس جراء الأوضاع في بلدهم، خصوصا إثر الأحداث الأخيرة في طرابلس، مما يؤدي إلى اكتظاظ شديد في الفصول المدرسية ويؤثر على التحصيل العلمي للتلاميذ. يصل عدد المدارس الليبية في تونس إلى أربعة. يدرس فيها 1884 تلميذ، ينقسمون إلى 1504 تلميذ في المرحلة الابتدائية والباقي في المرحلة الإعدادية.
ترى إحدى التلميذات بمرحلة الثانوية بالمدرسة العربية في تونس العاصمة أن المشكلة عميقة وتؤثر على استيعاب الدروس. وتضيف "في بداية السنة كان عددنا في الفصل الواحد لا يتجاوز 16. أما الآن فإنه يصل إلى 35، وحالة المقاعد سيئة. كما أن الأجواء داخل الفصل، وخاصة الاكتظاظ وتشويش التلاميذ، تحد من إمكانية إيصال المعلم للدروس". وتختم التلميذة بالقول إنها "تحاول التأقلم مع هذا الوضع غير المفهوم".
ويقول علي حكيم إنه يشاطر زميلته ملاحظتها، ويردف: "اليوم يجلس ثلاثة تلاميذ على نفس الطاولة. كما أن المدرس يعجز عن تسيير الفصل وتنظيم التلاميذ بسبب كثرتهم، إضافة إلى أن المدرسة لا تحتوي على ساحة لعب للتلاميذ".
من جهته اشتكى عبد الكريم الزمزام، أحد أولياء التلاميذ، من الفوضى والازدحام في المدرسة واللامبالاة السائدة لدى هيأة التدريس والإرادة. ويقول: "لقد تم للتو تعيين مدير جديد في المدرسة. إلا أن تلاميذ المرحلة المتوسطة رفضوا، بالأمس القريب، العودة إلى المدرسة بعد الراحة اليومية، مفضلين الترنح خارج المدرسة والتسبب بمشاكل بالأحياء القريبة من المدرسة".
ويلاحظ الزمزام أن "انعدام الانضباط يؤثر بالتأكيد على التحصيل الجيد داخل المدرسة". ويعدد من بين المشاكل التي تعاني منها المدرسة "غياب المدرسات والتعاقد مع عدد كبير من المدرسين والاهتمام بالكم على حساب الكيف". ويوضح عبد المنعم أحمد الرجيعة، مدير المدرسة في الفترة الصباحية، الذي استلم مهامه منذ شهر، أن المبنى لم يكن معدا لأن يحتضن مدرسة. ويضيف: "كان المبنى يضم مقر القنصلية الليبية. وهو ما يفسر الضيق في الفصول والاكتظاظ الذي يؤدي إلى استقبال الفصل الواحد لـ 25 تلميذا". ويقول إن "المدرسة توفر التعليم الابتدائي والثانوي، وتستقبل 860 تلميذا في فترتين: فترة صباحية وأخرى مسائية"، معتبرا أن "هذا التقسيم يشكل الحل الوحيد أمام هؤلاء التلاميذ القادم جلهم من ليبيا".
ويشير المدير إلى "كل شيء متوفر في المدرسة: الكتب، المختبر العلمي، وجل وسائل الإيضاح... المشكل الوحيد هو العدد الكبير للتلاميذ داخل الفصول". ولكنه يطمئن: "سنستمر في توفير العملية التربوية إلى أن تنفرج الأوضاع في ليبيا، ولدينا الأساتذة الأكثر كفاءة وجاهزية". ووفقا له، "فإن المدرسين لم يتغيبوا في يوم من الأيام ولم يتوانوا في أداء عملهم رغم تأخر مرتباتهم منذ شهر أكتوبر الماضي".
ويعترف محمد علي بلعيد، مدير المدرسة في الفترة المسائية، بأن الازدحام في الفصول يؤثر على العملية التربوية. ويفسر: "في مثل هذه الظروف، فإن المدرس، مهما كان جيدا وممتازا، سيواجه صعوبة في العطاء؛ وهو ليس تقصيرا منه". ويضيف أن "المدرسة استقبلت 300 تلميذ في السنة الماضية، فيما تضاعف العدد هذه السنة". مما يحتم، في نظره، "تشييدا عاجلا لمدرسة جديدة و/أو إجراء توسيعات على المبنى الحالي".
وذكر بلعيد أن أصعب مرحلة هي ما بين الفترتين؛ حيث "تنعدم السيطرة تماما على المدرسة، ولا تستطيع حتى أن تتحرك في محيط بشري من 860 تلميذا، مما يخلق إشكالات كبيرة داخل وخارج المدرسة".