في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول استعاد العالم ذكرى الهجمات التي استهدفت أمريكا بشكل استعراضي، منظر أبراج منهاتن وهي تشتعل مازال ماثلا في الأذهان، ومازال البعض يتساءل عن الجهة الإرهابية التي كانت وراء ذلك.

ويبقى هذا الشهر يحظى بنصيب كبير من الأيام الأممية. ولا أدري إلى أي حد تعتني الأمم بمضامين وشعارات تلك الأيام، أما الأقطار الناطقة باللسان العربي فلا أظن أنها تبالي، ولاسيما أنها لم تفلح حتى في الإجماع على أيامها المحلية، وقد تجد في القطر الواحد اختلاف عميق حول الاهتمام ببعض أيامه التي دسترها كمحطات قومية/وطنية، بل قد ينسحب عدم الاهتمام حتى على الجهات الرسمية نفسها.

لا علينا، لشهر سبتمبر أيام تعنى بشؤون أممية وتحديات عالمية لو التفّتْ حولها الأمم لكانت وفّرتْ على البشرية أطنانا من الأزمات الغامضة والمشاكل المغلوطة. لكن للغباء البشري ولجبابرة الجهل المقدس رأي آخر.

يحفل هذا الشهر بأيام تؤسس لثقافة كونية أساسها تفعيل القيم الإنسانية وتحويلها إلى ممارسات وسلوكات للأفراد والمجتمعات والدول، فمن يومٍ للعمل الخيري إلى يوم لنقاوة الهواء وآخر لحفظ طبقة الأوزون وآخر لسلامة المرضى، ومن يوم لمحو الأمية وآخر للديمقراطيا وآخر للمساواة في الأجر، ومن يوم للتعليم إلى آخر للغة الإشارة وآخر لحق الولوج إلى المعلومة وآخر للترجمة. ولعل أبرز الأيام الأممية في هذا الشهر هو اليوم العالمي للسلام المصادف للواحد والعشرين منه، واليوم العالمي لنزع السلاح النووي الذي يصادف السادس والعشرين منه، بالإضافة إلى اليوم الأممي للقانون.

وما هو مثير للاستغراب أن دولا عديدة لا تلقي بالا إلى الغايات النبيلة لهذه الأيام، ولا تكلف نفسها أي عناء لإدماجها في مشاريعها السياسية وبرامجها التنموية والثقافية والاجتماعية. بل نجد دولا تسير على النقيض من مضامين هذه الأيام وتبذل كل ما لديها من مال وإعلام لإبقاء شعوبها ترزح تحت ثقافة متحجرة لا تنتج سوى الفقر والبؤس والكراهية والعنصرية.

ومن الغريب أيضا أن نجد دولا مؤسسة للأمم المتحدة ترفض المشاركة في مؤتمر مناهض للعنصرية، وأعني بذلك مؤتمر ديربان لمناهضة العنصرية، والذي تعقده الأمم المتحدة في 22 سبتمبر/أيلول، وحجة هذه الدول هي "مخاوف تتعلق بمعاداة السامية" والخطابات "المعادية لإسرائيل".

وهي حجة واهية، لا يمكن استساغتها حتى من طرف إسرائيل ذاتها، من منطلق أن المؤتمر الذي يرفع شعارا مناهضا للعنصرية، فمن المنطق أن تكون الدعوة إلى حضور أشغاله. فأي خطر يهدد إسرائيل أو غيرها من مؤتمر يناهض العنصرية؟ وإذا كانت إسرائيل تؤمن بالقيم المناهضة للعنصرية فليس من حقها الدعوة إلى المقاطعة، بل واجبها أن تحضر وتدافع عن نفسها إذا كانت فعلا تؤمن بقيم الانفتاح واحترام الثقافات الأخرى.

ومهما كانت مؤاخذات إسرائيل والبلدان الغربية على توجهات المؤتمر الذي تأسس منذ عشرين عاما، فإن حملتها الداعية إلى المقاطعة تترجم نفوذ المتعصبين في هذه البلدان، مع العلم أن هذه الحكومات الغربية التي تقاطع لم تمانع تنظيم هذا المؤتمر في بلدانها.

يكاد هذا الشهر يحيط بكل التحديات التي تعيشها الشعوب، وبكل المقاصد التي يتوجب على كل الدول أن تعمل في سبيل تحقيقها، أقول قولي هذا وعقلي منشغل بما تمر به منطقتنا المغاربية: مساع وجهود تبشر بما هو أفضل وبالموازاة توترات وخلافات تنذر بالأسوأ. كل قطر يعاني من ذات التحديات ولكن بطريقة مختلفة. ومهما كانت الطرق مختلفة فإن الحل يبقى في حيازة "المهارة" في التدبير السياسي بالأسلوب العلمي بعيدا عن وحل الأيديولجيات. هل سينجح قيس سعيد في إعادة بناء طبقة سياسية تعرف كيف تعالج الأزمة التي تمر بها تونس؟ وكيف تبني مشاريع صلبة في التنمية والأمن؟ وهل ستعبر ليبيا بنجاح إلى استحقاقات ديسمبر؟ وهل سيلتئم شمل الليبيين بالطريقة التي ستسمح للدولة الليبية بالنهوض والازدهار؟ وهل ستنبثق في الجزائر طبقة سياسية تؤسس لعهد جديد وتصنع القطيعة مع السياسات الفاشلة التي أفضت إلى أزمة متعددة الأبعاد؟ وهل سينجح المغرب في بلورة وضع سياسي وتنموي ينطوي على حلول عقلانية لمجمل التحديات السياسية والتنموية؟ وهل ستعرف موريتانيا كيف تعالج قضايا التنمية والاقتصاد؟ وكيف يعي كل قطر ما يجب عليه فعله داخليا قبل الاهتمام بما هو خارجي؟ وكيف يهتم بالشؤون الخارجية في حدود ما يعزز شرعيته السياسية وقوته التنموية؟