تشهد الساحة السياسية الليبية جدلا كبيرا، بعد إعلان بعثة الأمم المتحدة عن تحقيق تقدم نوعي على طريق المصالحة بين رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج، وقائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر،وذلك على اثر اللقاء الذي جمعهما في العاصمة الإماراتية أبوظبي.حيث اتفق الطرفان على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال انتخابات عامة 

ويأتي هذا اللقاء بعد أيام من التوتر بين حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي على خلفية العمليات العسكرية التي أطلقها الأخير في جنوب البلاد والتي تهدف للقضاء على العناصر الارهابية والعصابات الأجنبية وتأمين هذه المنطقة الاستراتيجية وذلك في اطار الحرب التي يشنها الجيش ضد الارهاب في كامل البلاد

وبالرغم من أن الاتفاق بين الطرفين أشاع أجواء من التفاؤل بتجاوز العراقيل الكثيرة التي حالت دون تنفيذ خارطة الطريق الأممية لحل الأزمة الليبية،كونه يمثل بحسب الكثيرين خطوة مهمة في اتجاه الوصول الى تسوية سياسية شاملة في البلاد،إلا أن أطراف أخرى ترفض أي تقارب بين الفرقاء وتصر على استمرار الفوضى في البلاد

ويستشعر الاسلاميون خطر التقارب بين القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق واتفاقهما على إجراء انتخابات عامة بدل مقترح إجراء التشريعية فقط، والذي يسعى الإسلاميون وحلفاؤهم الإقليميون والدوليون إلى فرضه

هذه المخاوف دفعت حزب الوطن برئاسة عبد الحكيم بلحاج،لاعلان معارضته للقاء أبو ظبي بين رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج والقائد العام للجيش خليفة حفتر،ووصف ما تم الاتفاق عليه خلال اللقاء بأنه "مرحلة أخرى من المماطلة وإطالة الأزمة ومحاولة فرض حل عسكرة الدولة في قالب هزلي مكشوف"، بحسب تعبيره

وأكد الحزب في بيانه، أن دور البعثة الأممية تعدى كونه وسيطا ميسرا للاتفاق السياسي إلى كونه طرفا يرسم حلولا وفق قناعات غير متفق عليها، وتجاهل متعمد لقضية الإستفتاء على الدستور وعرض بادئل غير واقعية للوضع الراهن، قائلا "فكرة الملتقى الوطني الذي لا زال رئيس البعثة لم يجد له تصوراً مقنعاً، مجرد وسيلة إلهاء عن واقع مأساوي للبلاد يقوده مغامرون لا يأبهون إلا لمصالحهم الشخصية

ويخشى التيار الإسلامي في ليبيا عموما الانتخابات وخاصة الانتخابات الرئاسية، وهو ما تعكسه محاولاتهم المستمرة لتأجيلها من خلال المطالبة بإجرائها وفقا للدستور الذي يتطلب صدوره وقتا طويلا.حيث اتهم الحزب في بيانه، مجلس النواب بالمماطلة وعدم الالتزام بتضمين الاتفاق السياسي والقيام بالتعديل الدستوري المضمن للاتفاق

من جهة أخرى،وصل رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري،الأحد، إلى العاصمة القطرية الدوحة رفقة وفد من أعضاء المجلس في زيارة رسمية لمدة يومين.واجتمع المشري فور وصوله الدوحة مع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وبحثا آخر تطورات المشهد السياسي في ليبيا

وتأتي زيارة المشري الى قطر في أعقاب مخاوف عبر عنها إزاء ما وصفه بالتطورات السريعة في البلاد، على المستوى السياسي والعسكري، في إشارة إلى اتفاق القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج الأخيرة، وسيطرة الجيش الوطني على الجنوب الليبي

وأكد المجلس الأعلى للدولة،الذي يترأسه خالد المشري، في بيان له، أنه "حريص" على إنهاء المرحلة الانتقالية والولوج في مرحلة دائمة بأسرع ما يمكن، بإجراء انتخابات مؤسسة على قاعدة دستورية على أن يتم توفير الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات التي تضمن سلامتها وصحتها.وجدد المجلس، الدعوة إلى الشريك الوحيد في الاتفاق السياسي مجلس النواب، للعمل على استكمال الخطوات المتبقية المتوافق عليها لإنهاء الانقسام السياسي وتوحيد المؤسسات

ويرى مراقبون،أن رفض الإسلاميين للانتخابات وتشبثهم بالاتفاق السياسي،ينبع أساسا من إدراكهم لتراجع شعبيتهم طيلة السنوات الماضية، حيث اقترنت صورتهم بالدفاع عن الجماعات الإرهابية والميليشيات التي تعرقل قييام الدولة وتسعى لاستنزاف ثروات الشعب الليبي الذي يعيش أوضاع صعبة منذ اندلاع الأزمة في البلاد.

وتعيش هذه المليشيات المسيطرة على العاصمة الليبية حالة قلق في ظل تواصل انتصارات الجيش الليبي في الجنوب وتزايد التأييد الشعبي لانتصاراته.وظهر ذلك جليا في هجوم المسلحين في طرابلس على مظاهرة سلمية مؤيدة لانتصارات الجيش الوطني الليبي،واعتدائهم على المتظاهرين في مشهد أثار سخط عدد كبير من الليبيين 

ويزيد التقارب بين حفتر والسراج من مخاوف قادة الميلشيات المسلحة،ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"،عن مسؤول عسكري مقرب من حفتر:قوله "نعم هناك حالة عدم يقين بين قادة ميليشيات طرابلس حول وضعهم مستقبلا، في ضوء الكشف عن تفاهمات مفاجئة بين حفتر والسراج

وأضافت الصحيفة،أنه على الرغم من عدم إعلان "قوة حماية طرابلس"، وميلشيات اللواء السابع عن أي موقف سياسي واضح حيال ما تم في أبوظبي، فإن أوساطا ليبية توقعت أيضا حدوث تحشيد متبادل لعناصر هذه الميلشيات، كما جرى قبل نهاية العام الماضي، حيث أسفرت المواجهات العنيفة بينها عن قتل وإصابة مئات المدنيين.

ولقي الاتفاق بين حفتر والسرراج ترحيبا دوليا عبر عنه بيان مشترك صدر، السبت، عن بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة،والذي أعربت فيه الدول الأربع عن ترحيبها بمبادرة الأمم المتحدة لجمع طرفي النزاع الليبي في لقاء جديد مشيدة بجهود الإمارات لتسهيل إجراء هذه المناقشة

وقالت الدول الأربع في البيان، الذي نشرته وزارة الخارجية البريطانية على موقعها الرسمي، إن حكومات فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة، تدعم بقوة الجهود الأممية الجارية بقيادة المبعوث الخاص غسان سلامة، والبعثة الأممية للدعم في ليبيا من أجل خفض التصعيد جنوب ليبيا، ومساعدة الليبيين على التقدم نحو انتخابات نزيهة وآمنة

ودعا البيان جميع الليبيين إلى العمل بشكل بناء مع غسان، واغتنام هذه الفرصة الحيوية لتأسيس حكومة مستقرة وموحدة، تضمن أمن وازدهار جميع الليبيين.كما رحب بإعلان حكومة السراج عن اتفاق وطني، اتفقت فيه الأطراف على استئناف إنتاج النفط في حقل الشرارة النفطي. معتبرا أنه يتعين على جميع الأطراف العمل على وجه السرعة على تنفيذ هذا الاتفاق، بهدف السماح لشركة النفط الوطنية باستئناف عملها الحيوي لصالح جميع الليبيين

من جانبها، دعت الحكومة الألمانية عبر بيان لسفارتها في ليبيا، جميع الأطراف المعنية إلى الالتزام بجدية أكبر للتوصل إلى حل سياسي، في إطار خطة عمل الأمم المتحدة، معتبرة أن "الشعب الليبي انتظر وقتاً طويلاً حتى تتفق الأطراف الليبية الرئيسية على خطوات ملموسة، نحو تحقيق استقرار الأوضاع، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة

وتعهدت الحكومة الألمانية بأن تدعم ليبيا بوصفها شريكا على أمد طويل وشامل في طريقها الصعب نحو السلام والاستقرار.ورأت أن ما وصفته بالمهمة المركزية هي جمع وتقوية مؤسسات الدولة، خاصة المؤسسة الوطنية للنفط، التي يجب احترام استقلاليتها من قبل جميع الجهات الفاعلة، حيث يمكن لموارد ليبيا أن تفيد جميع المواطنين بالبلاد

ويأتي هذا الاتفاق في وقت نجحت فيه قوات الجيش الوطني الليبي في تحقيق نجاحات عسكرية لافتة في الجنوب الذي كان متروكا لسيطرة جماعات خارجية سواء من التنظيمات المتشددة أو من عناصر محسوبة على المعارضة التشادية. وأرسلت هذه النجاحات إشارات قوية إلى الخارج مفادها أن ليبيا تسير نحو التعافي والسيطرة على الفوضى بالرغم من استمرار الخلافات السياسية التي يمكن تطويقها وفق آليات الحوار التقليدية