تعاني ليبيا من أوضاع أمنية متردية، وخاصة في العاصمة طرابلس، التى تشهد منذ فترة أزمات متلاحقة،وذلك فى ظل الصراعات المتجددة بين المليشيات المسلحة التي تسيطر عليها منذ سنوات.
ويحاول رئيس المجلس الرئاسى الليبى فائز السراج انقاذ مجلسه من الانهيار عبر البحث عن الدعم لتنفيذ الترتيبات الأمنية الخاصة بالعاصمة طرابلس لتأمينها من الصراعات المسلحة التى تجرى فيها، في وقت تتجه فيه الجهود الليبية نحو إنشاء مجلس رئاسي جديد قادر على مواجهة التحديات القائمة.
** رفع العقوبات
ودعا فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، الخميس،مجلس الأمن الدولي، إلى القيام بما وصفه بـ"مراجعة شاملة للعقوبات المفروضة على ليبيا"، والوقوف على مدى الجدوى من استمرارها، التي أصبحت، في نظره، عائقاً أمام دوران عجلة الاقتصاد وانطلاق عملية التنمية.
وقال مكتب السراج، في بيانه، إنه طلب خلال اجتماعه في طرابلس مع أولوف سكوغ رئيس لجنة العقوبات بمجلس الأمن والوفد المرافق له، إدارة الأموال المجمدة بالخارج، وليس رفع التجميد عنها، حتى يتسنى لحكومته الإيفاء بالالتزامات المناطة بها في تقديم الخدمات للمواطن وإنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وشدد السراج على أهمية مثل هذه اللقاءات في تبادل وجهات النظر والوقوف على حقيقة المرحلة الحساسة التي تمر بها ليبيا، والأوضاع الاقتصادية و السياسية والأمنية فيها، وما يعانيه الليبيون جراء هذه الأوضاع.
وعلى الصعيد الأمني تحدث السراج عن الترتيبات الأمنية التي انطلقت مراحلها في طرابلس الكبرى والمقرر امتدادها لتشمل مدن أخرى، وجدد مطالبته برفع جزئي لحظر توريد السلاح إلى ليبيا من أجل دعم هذه الجهود، ومكافحة الاٍرهاب والهجرة غير الشرعية.
وأوضح بأن هناك من يقدم السلاح والمال بطرق غير شرعية، في حين تفرض القيود على الحكومة، مستشهدا بتقارير لجنة العقوبات التي قال إنها "خير شاهد على الخروقات التي وقعت خلال السنوات الاخيرة".
وكان السراج،قد دعا خلال إجتماع عقده،الأربعاء،مع غسان سلامة، المبعوث الأممي لدي ليبيا، إلى ضرورة "رفع الحظر الجزئي عن الأسلحة لتتمكن الحكومة من تنفيذ ما ورد في تدابير الترتيبات الأمنية، وتمكين المؤسسة العسكرية والأمنية من أداء مهامها"، داعيا المجتمع الدولي إلى "تقديم الدعم اللازم لتحقيق الاستقرار".بحسب بيان المجلس الرئاسي.
وبدوره، التقى وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق فتحي باشاغا، الخميس، مع رئيس لجنة العقوبات بمجلس الأمن اولوف سكوغ والوفد المرافق له.وأكد باشاغا، خلال اللقاء على أن مثل هذه اللقاءات والاجتماعات مهمة من أجل تبادل الآراء ووجهات النظر والوقوف على الصعوبات والتحديات الأمنية وعلى حقيقة الأوضاع الأمنية التي تمر بها البلاد في هذه المرحلة الحساسة، مشيرا إلى أن الترتيبات الأمنية دخلت حيز التنفيذ داخل العاصمة طرابلس الكبرى.
وكان مجلس الأمن قد أصدر في مارس 2011 قراره رقم 1970 بحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، والقرار 1973 القاضي بتجميد الأصول الليبية في أراضي الدول الأعضاء بالأمم المتحدة.
واعتمد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، الثلاثاء 23 أكتوبر 2018، الخطة الأمنية لتأمين طرابلس الكبرى المعدة من لجنة الترتيبات الأمنية.والتي تستهدف ضمان تأمين المواطنين والممتلكات الخاصة والعامة وإرساء النظام العام الذي يستند على قوات أمن وشرطة نظامية تعمل وفق معايير مهنية، مع اتخاذ كافة التدابير الأمنية والعسكرية والمدنية اللازمة لذلك.
** المليشيات
ومازالت الأوضاع الأمنية في العاصمة الليبية غير مستقرة،في ظل إستمرار وجود المليشيات التي تمارس نفوذها.وكشفت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا،على صفحتها في "فيسبوك" ليل الخميس،عن "استخدام غير شرعي للقوة" من قبل مسلحين حاولوا السيطرة على مؤسسات مالية وتشغيلها لحسابهم.
وقالت البعثة، إنها "رصدت على مدى الأيام القليلة الماضية استخدامًا غير شرعي للقوة وأعمال التخويف ضد المؤسسات الخاصة والعامة في طرابلس، لا سيما مصرف الأمان/ فرع السياحية، والشركة العربية الليبية للاستثمارات الخارجية".
وأضافت أنه "وتحت غطاء توفير الأمن أو الادعاء بسلطة غير مدعمة، قام مسلحون بتخويف الموظفين، وفي بعض الحالات بالاعتداء البدني عليهم، ما حال بينهم وبين تمكنهم من أداء أعمالهم بفعالية".وبينت أن "هذه الاعتداءات تهدف إلى السيطرة على هذه المؤسسات والحصول على امتياز الوصول إلى الموارد المالية".
واعتبرت أن "التدخل في سبل معيشة الليبيين والثروة الوطنية الليبية، يعد أمرًا خطيرًا، ويجب أن يتوقف على الفور".ودعت إلى "وجوب ملاحقة مرتكبي هذه الأعمال ومقاضاتهم جنائيًا"، مطالبة المجموعات المسلحة بـ"الانسحاب من مؤسسات الدولة والمؤسسات السيادية والمرافق المدنية".
وكشفت المؤسسة الليبية للاستثمار التابعة لحكومة الوفاق، عن اقتحام مسلحين لمقرها مساء الثلاثاء، مشيرة إلى "تورط أشخاص يزعمون أنهم أعضاء بمجلس إدارتها".وتحدثت المؤسسة عما وصفته بـ"نزاع عبثي مصطنع" من قبل بعض الأفراد الذين قالت إنهم "يدعون، ودون سند قانوني، بأنهم جزء من إدارتها عبر محاولة اختلاق مؤسسات ومجالس موازية"، مما يهدد المصالح العليا للبلاد.
وكانت نائب الممثل الخاص للشؤون السياسية ستيفاني وليامز قالت إنها ترفض أي تهديد يطال المؤسسة الليبية للاستثمار.ونقلت صفحة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبر تويتر عن وليامز قولها، "إن الأمم المتحدة تدعم استقلالية المؤسسات السيادية الليبية بما فيها المؤسسة الليبية للاستثمار".
** إتفاق المجلسين
على صعيدآخر،أعلن البرلمان الليبي والمجلس الأعلى للدولة، الأربعاء،عن توافقهما على إعادة هيكلة السلطة التنفيذية، لمجلس رئاسي مكون من رئيس ونائبين ورئيس وزراء منفصل يشكل حكومة وحدة وطنية تعمل في كل أنحاء ليبيا.
وأكد الطرفان أن مهمة السلطة التنفيذية الجديدة هي ""توحيد مؤسسات الدولة والتهيئة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مشيرين إلى دعوة كل أعضاء مجلس النواب والدولة لتغليب مصلحة الوطن، بعيدًا عن الحسابات الجهوية والفكرية والشخصية الضيقة".كما وجها دعوة لأبناء المؤسسة العسكرية لاستكمال حواراتهم؛ من أجل توحيد بنية المؤسسة العسكرية.
ونقلت "إرم نيوز"،عن عضو مجلس النواب، سعيد إمغيب،قوله إنه يتوقع أن يبدأ البرلمان والدولة في إجراءات تغيير السلطة التنفيذية قبل انعقاد مؤتمر باليرمو لحل الأزمة الليبية.فيما قال عضو مجلس النواب عبدالسلام نصية،في تغريدة نشرها بصفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، "الخطوة القادمة بعد التوافق حول إعادة تشكيل السلطة التنفيذية، وضع برنامج زمني ومكاني لانعقاد التجمعات الانتخابية لانتخاب أعضاء المجلس الرئاسي وتضمين الاتفاق السياسي المعدل للإعلان الدستوري خلال الأيام القادمة".
ووصف عضو المجلس الأعلى للدولة عادل كرموس،هذا الاتفاق بين مجلسي النواب والدولة بأنه خطوة نحو الطريق الصحيح.وأكد كرموس، في تصريحات لوكالة "سبوتنيك"،أن إنجاز تلك الخطوة سينعكس بشكل كبير على الخطوات الأخرى المتمثلة في الانتخابات الرئاسية وتوحيد المؤسسات في عموم البلاد، وأنه سيحل الكثير من الأزمات الراهنة.
وأبدت الأمم المتحدة التي تحاول الوساطة بين الجانبين لتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات ترحيبا حذرا.وقالت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في بيان إن مبعوث المنظمة الخاص غسان سلامة "استمع إلى إيجاز حول التقدم المحرز في المحادثات السياسية بين المجلسين واستلم منهما وثيقة حول آلية إعادة هيكلة المجلس الرئاسي".
وفي غضون ذلك، أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، عن تعيين عبد الله مسعود الدرسي، في منصب رئيس جهاز المخابرات الليبية.وفي هذا السياق، قالت مصادر مطلعة لـ"الشرق الأوسط"، إن قرار السراج يأتي ضمن حزمة قرارات وشيكة بتعيين مسؤولين أمنيين وعسكريين، وذلك في إطار الترتيبات الأمنية الجديدة في العاصمة طرابلس.
وكان "الرئاسي" عيّن قبل أسبوع ضياء الدين محمد حسين آمرًا للحرس الرئاسي خلفًا للعميد نجمي الناكوع، الذي أعفي من مهامه بشكل مفاجئ دون ذكر الأسباب.كما أجرى المجلس مطلع الشهر الجاري، تعديلًا على حكومته ضم 3 حقائب وزارية هي الداخلية والمالية والاقتصاد الوطني.وأعلن المتحدث باسم المجلس الرئاسي،محمد السلاك في وقت سابق أن تعديلًا آخر سيجري على حكومة الوفاق، دون أن يحدد الحقائب المستهدفة أو موعد التعديل.
وتثير هذه التعديلات تساؤلات حول الجدوى منها،واعتبرت مصادر سياسية ليبية تحدثت إلى "إرم نيوز" في وقت سابق، أن "كل هذه التعديلات تستهدف إطالة عمر الرئاسي وإعادة خلط الأوراق في مواجهة اتفاق مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبي على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي".