أثار المرسوم الذي أصدره العاهل المغربي الملك محمد السادس بمنع الأئمة والخطباء وجميع المشتغلين في المهام الدينية من ممارسة أي نشاط سياسي ردود فعل إيجابية لدى المراقبين في المغرب وخارجه باعتباره خطوة جريئة لقطع الطريق أمام ظاهرة توظيف الدين لخدمة أغراض سياسية.

وكان الملك محمد السادس أصدر مرسوما ملكيا يحظر على المشتغلين في المجال الديني “اتخاذ أي موقف سياسي أو نقابي”، إضافة إلى منعهم من “مزاولة أي نشاط” مدرّ للمال، إلا بـ”ترخيص مكتوب من الحكومة”.

ويوجب المرسوم الجديد المنظم لنشاط العاملين في الحقل الديني، “الالتزام بأصول المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وثوابت الأمة” المغربية، مع “مراعاة حرمة الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي”، وواجب “ارتداء اللباس المغربي”.

وأعلن المرسوم إحداث “معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات”، وذلك من أجل “تطوير آدائهم، والرقي بمستواهم العلمي والمعرفي”.

وقال مراقبون محليون إن الهدف من هذا المرسوم هو قطع الطريق أمام تسلل ظواهر التشدد الفكري والسلوكي إلى الحياة الدينية في المملكة مثلما تسلل إلى دول قريبة مثل الجزائر وتونس ومالي.

يشار إلى أن الفكر المتشدد في هذه الدول تمكّن من السيطرة على المساجد واستقطاب العاملين بها كخطوة أولى مستفيدا من تراخي الدولة ومن ارتفاع أعداد الفضائيات الدينية التي تحرّض على الغلو والتشدد، ومثّل ذلك كله أرضية مثلى لظاهرة الإرهاب.

ولفت المراقبون إلى أن الموقف الملكي الحازم يسعى إلى “الحفاظ على الهوية الروحية والوحدة الوطنية للأمة وقيمها التاريخية والحضارية، بعيدا عن الحساسيات الفئوية والمشاحنات”، وفق ما جاء في المرسوم.

وأشاروا إلى أن الهوية الدينية للمغاربة تتسم بالتسامح والوسطية المستمدين من المذهب المالكي ومن موروث الفرق الصوفية الذي أشع على المحيط الإقليمي خاصة في دول جنوب الصحراء.

وفضلا عن قطع الطريق أمام الفكر المتشدد ومنعه من دخول المملكة، فإن المرسوم الملكي عالج قضية أخرى مهمة، وهي توظيف حبّ الناس للأئمة وخطباء الجوامع واقتدائهم بهم لتحقيق مآرب سياسية، وهي مسألة مرتبطة بالأحزاب والحركات التي تنتمي إلى ما يسمى بالإسلام السياسي.

وكان المغرب من أوائل الدول التي نجحت في التعاطي مع هذه الأحزاب، فقد فتح خيار الإصلاح الذي تبناه الملك محمد السادس أمام “حزب العدالة والتنمية” إلى المشاركة في الحياة السياسية وخوض الانتخابات ورئاسة الحكومة، مع الالتزام بوقف توظيف المشترك الديني في اللعبة السياسية.

وذهب خبراء في الجماعات الإسلامية إلى التأكيد على أن المقاربة المغربية يمكن أن تكون دليلا لدول عربية وإسلامية كثيرة في مواجهة التيارات المتشددة التي تسعى إلى السيطرة على الحياة العامة بتوظيف الدين في إسكات الأصوات المعارضة لأجنداتها.

وأحال الخبراء إلى الوضع في مصر حيث نجحت الأحزاب المتشددة، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، في السيطرة على المساجد والجوامع والتسلل إلى الأزهر الشريف، وإلى وسائل الإعلام، ما جعل مواجهتها أمرا بالغ الصعوبة.

وكانت السلطات الجزائرية فصلت 230 إماما كانوا يلقون خطابات دينية متطرفة في المساجد، وكذلك لرفضهم أداء صلاة الغائب على ضحايا تحطم طائرة عسكرية. وحذّر وزير الشؤون الدينية محمد عيسى من أن مثل هذه المظاهر من شأنها أن تدفع مجددا إلى الواجهة بظاهرة التعصب الديني في الجزائر.

 

*نقلا عن العرب اللندنية