في الوقت الذي تصاعدت فيه وتيرة الاتهامات الدولية لتركيا بالالتفاف حول تعهداتها في مؤتمر برلين بعد التدخل في الشأن الليبي واستمرار تدفق شحنات السلاح والمرتزقة الذين ترسلهم أنقرة للأراضي الليبية لتأجيج الأوضاع فيها،يتحرك تيار الاسلام السياسي الموالي لتركيا وعلى رأسه جماعة "الاخوان" في محاولة للتغطية على التحركات التركية المشبوهة عبر مزيد من التحريض والتصعيد ضد الجيش الليبي.

وتسعى جماعة "الاخوان" جاهدة للتغطية على خسائرها العسكرية والسياسية التي شهدتها الأشهر الماضية،وبالرغم من أن التدخل التركي أعطى الجماعة متنفسا جديدا فان التنديد الدولي بتحركات أردوغان لدعم حلفائه في طرابلس والدعوات الممتالية للتوجه نحو الحوار باتت تقض مضجع الجماعة وهو ما حدا بقياداتها الى تبني خطاب التصعيد والتحريض مجددا للابقاء على حالة الفوضى التي تخدم مساعيها المشبوهة.
ففي مشهد جديد يعكس جنوح "الاخوان" الى التعنت والرغبة في الاستفراد بالسلطة في البلاد،دعا رئيس مجلس الدولة خالد المشري في كلمته خلال أعمال القمة 8 للجنة العليا رفيعة المستوى للاتحاد الافريقي حول ليبيا،إلى ضرورة استبعاد الجيش الليبي من أي حوار قادم.وأكد المشري على "التمسك بالاتفاق السياسي كإطار وحيد للعملية السياسية" وكذلك "التمسك بمدنية الدولة والتأكيد على أن أي حوار قادم لا يجب أن يكون فيه للمعتدي أي دور" في إشارة للجيش الوطني الليبي.
وشدد المشري على "حق الشعب الليبي في الاستفتاء على الدستور وانتخابات رئاسية وبرلمانية" وإنهاء "حالة الحرب والتمرد على الشرعية وعدم التعامل مع الحكومة الموازية" حسب تعبيرة.وأعرب عن أمله في أن يترجم اجتماع برازافيل  "الدعوة للحل السياسي إلى واقع عملي وأن يبين للعالم أجمع الأطراف المتعاونة وسعيها للحل السلمي من الأطراف المتعنتة المستمرة في الحل العسكري".

وسبق أن أعلن المشري استقالته من جماعة "الاخوان"،لكن مراقبين أن هذا الاعلان يأتي في إطار المراوغة السياسية ومحاولة إقناع الداخل والخارج بتخليه عن الجماعة، للسير قدما في مسيرته السياسية دون أي عوائق.وعزا هؤلاء تشكيكهم في خطوة المشري إلى أن الرجل نفسه ألمح في خطاب "الانسحاب" إلى استمراره بالعمل في إطار حزبي، في إشارة واضحة إلى حزب العدالة والبناء الذراع السياسي للإخوان.
وكان الناطق باسم مجلس الدولة الإستشاري  محمد بنيس،قال في تصريحات له، نقلها المكتب الإعلامي للمجلس، إن وفد المجلس حمل خلال مشاركته في القمة الثامنة لرؤساء وحكومات دول اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الإفريقي حول ليبيا، بالكونغو برزافيل رسالة مفادها بأن الحل في ليبيا يكمن في خيارين اثنين، وهما حل سياسي يكون فيه حفتر خارج المشهد، أو حل عسكري إلي حين كسر العدوان الذي تتعرض له العاصمة وطرد فلوله وإنهائهم.
وفي سياق متصل،شن رئيس حزب "العدالة والبناء" الذراع السياسية لجماعة "الإخوان" في ليبيا، محمد صوان،هجوما على القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر قاائلا أنه وصل إلى مرحلة اللاّرجوع، و.عم أنه لا يبالي ببيع الوطن ولا بقتل الأبرياء والأطفال والطلبة في كلياتهم، ولا يكثرت لنزوح السكان وترويع المدنيين ولا بحجم الدمار الذي يلحق المباني ولا الضرر بأرزاق الناس.
كما أشار صوان إلى أن كل ذلك لا يهمّ بالنسبة لحفتر، من أجل الاستحواذ على الحكم.وواصل رئيس حزب العدالة والبناء الأمر الغريب والمستغرب هو استمرار الداعمين لحفتر إضافة إلى الكثرة الصامتة التي تدعي الحياد الشيطاني، رغم انفضاح حقيقة مشروعه وسقوط كل الأقنعة،على حد زعمه.
وتشير دعوات قيادات "الاخوان" الى اقصاء الجيش الليبي الى التوجه الذي تتبناه الجماعة والذي يقوم على ضرورة التخلص من الخصوم والاستلاء على السلطة بأي ثمن وهو ما تؤكده تصرفات الجماعة التي لم تتوانى عن تدمير ليبيا تحت عباءة الناتو في العام 2011،وتسعى لتكرار الأمر تحت عباءة تركيا وقطر اللتين تمثلان الداعم الرئيسي للفوضى في البلاد.


وبالتزامن مع تصاعد وتيرة التدخلات التركية صعدت قيادات "الاخوان" من خطاباتها التحريضية وسعيها لمزيد تأجيج الصراع في البلاد والذي وصل بمفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني حد مطالبة وزير تعليم حكومة الوفاق محمد عماري زايد، بوقف الدراسة في طرابلس للدفع بطلاب المدارس الإعدادية والثانوية في محاور القتال.
وقال الغرياني، خلال حلقته الأسبوعية الأربعاء من برنامج "الإسلام والحياة" المذاع عبر قناة "التناصح"،التي تبث من اسطنبول، حيث مقر إقامته، موجها رسالة إلى محمد عماري زايد: "أتمنى عليك أن تنظر في موضوع وقف الدراسة في طرابلس حتى يتبين الأمر".وتابع: "انظر إلى ما فعلته مصراته، مصراته بلد مجاهدة، صغارها وكبارها، نساؤها ورجالها، شجرها وحجرها، ألقت بنفسها في ميدان الجهاد، مدافعة عن مصراته وعن ليبيا بأكملها".
وأردف الغرياني: "أوقفوا الدراسة، وليس هينا عليهم أن يضحوا بأولادهم، فهذا آخر ما يضحي به الإنسان، كما أوقفوا الدراسة والأنشطة التجارية والأعمال، وجعلوا أنفسهم كلها للجهاد، فكيف نحن في طرابلس كأننا نعيش في فرح ونزهة والحرب على أبوابنا".وأكمل موجها حديثه لعماري زايد: "عليك أن تتخذ قراراً بحيث تجمع كلمة الليبيين على الجهاد، ونتفرغ جميعا للمعركة ولا نفرط فيها".على حد زعمه.
ويجاهر الغرياني المقيم حاليا في إسطنبول،بدعمه للإرهابيين وعدائه للجيش الليبي،ففى تصريحات سابقة قال المفتي المقال،"لا يوجد إرهاب في ليبيا، ويجب ألاّ تطلق كلمة الإرهاب على أنصار الشريعة فهم يَقتُلون ولهم أسبابهم، من مات منهم فهو شهيد".
ويتخذ الغرياني ،قناة "التناصح" وهي قناة فضائية مملوكة له، وتمول بشكل كامل من قبل قطر الداعم الأبرز للفوضى في ليبيا، لبث سمومه التي يقدمها ضمن وجبات دينية مكثفة، للعبث في عقول الشباب الليبي المتحمس، ليصدر فتاوي تدعم الإرهاب و ضد الجيش الوطني الليبي، بل دعى الشباب لقتلهم، وتجاوزت فتاوي أخرى له حدود المنطق والعقل.
يذكر أنه وبعد الدعوات المتتالية إلى إقالته من منصبه بسبب تصريحاته التحريضية وانحيازه المعلن للمتشددين، قرّر البرلمان الليبي المنعقد بطبرق حلّ دار الإفتاء وإقالة المفتي الصادق الغرياني. واعتبر مراقبون آنذاك قرار حل دار الإفتاء قرارا صائبا لتحجيم المفتي الذي لم يجد من يحاسبه على تكفيره لليبيين ودعواته المتكررة إلى العنف والإرهاب.

وتتزامن تصريحات قيادات "اخوان" ليبيا مع أخرى مشابهة لحليفهم الرئيسي الئيس التركي رجب أردوغان هاجم فيها قائد الجيش الليبي.وآخر تصريحات أردوغان،الجمعة،قال فيها أن "الوقوف إلى جانب حفتر، بدلا من الوقوف إلى جانب الحكومة الشرعية والشعب الليبي يعتبر خيانة للديمقراطية".على حد زعمه.
وكثف أردوغان من تصريحاته المهاجمة للجيش الليبي وقياداته في وقت تواصلت فيه تحركاته الساعية لمزيد تأجيج الصراع في ليبيا والبحث عن موطئ قدم فيما يمكنه من نهب ثرواتها.حيث سرعت أنقرة من عمليات نقل الأسلحة والجنود علاوة على المرتزقة الموالين لها الى الأراضي الليبية في مشهد بات واضحا أمام الجميع.
وفي وقت سابق، الخميس،بث الناطق باسم الجيش الليبي أحمد المسماري، عبر صفحته بموقع "فيسبوك" تسجيلا مصورا يظهر معدات عسكرية وأسلحة ودبابات كانت على متن سفينة تركية قامت بإنزال حمولتها  في ميناء طرابلس مساء الثلاثاء الماضي.وقال المسماري إن القيادة العامة أكدت أن هذا غزو تركي ينافي كل القوانين والأعراف الدولية وينتهك وقف اطلاق النار في المنطقة الغربية.

وتصاعدت الانتقادات الدولية تجاه العبث التركي بأمن ليبيا،حيث اتهم الرئيس الفرنسي ماكرون نظيره التركي رجب طيب أردوغان بالاستمرار في دعم  ماوصفها الميلشيات المسلحة في ليبيا عبر إرسال اسلحة ومرتزقة.وكان ماكرون أكد،أن "تركيا أخلت بتعهداتها التي قطعتها على نفسها خلال مؤتمر برلين"، مضيفا "خلال الأيام الأخيرة رصدنا سفنا تركية تحمل مرتزقة سوريين وصلوا إلى ليبيا".
من جانبها أكدت الممثلة الدائمة للولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت،خلال جلسة مجلس الأمن حول ليبيا الخميس، إن هناك دول شاركت في مؤتمر برلين مازالت ترسل المقاتلين إلى ليبيا، وفقا للتقارير التي تفيد بنشر مسلحين ومعدات عسكرية تصل إلى ليبيا، داعية إلى التوقف الفوري عن نشر المقاتلين في ليبيا.
وسبق أن أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف،إن عددا كبيرا من المسلحين في إدلب بسوريا يتوجه إلى ليبيا، في خرق للقرارات الدولية.وأضاف لافروف في مؤتمر صحفي مع وزيرة خارجية جنوب السودان "عدد كبير من المسلحين يسافرون إلى ليبيا، خلافا لقرارات مجلس الأمن، للتدخل في الشؤون الداخلية الليبية (..) ولذلك تواصلنا مع وزير الخارجية التركي" في هذا الشأن.
ويشير مراقبون الى أن تحركات أردوغان في ليبيا باتت مفضوحة أمام الجميع واصبحت نواياه الاستعمارية مكشوفة وهو ما تعكسه بوضوح التنديدات الدولية بالتدخل التركي السافر الذي بات يهدد باغراق ليبيا في مستنقع عميق من الفوضى والعنف وهو ما سيكون له تأثيرات كبيرة على المنطقة والعالم ككل.
وتشير تصريحات قيادات تيار الاسلام السياسي وعرابيه الاقليميين الى محاولة الاعتماد على نشر الفتنة بين المناطق الليبية والتحريض وتعميق الكراهية لتكريس مزيد من الانقسامات بين الليبيين،وذلك في ظل الخسائر الميدانية الكبيرة للمليشيات الموالية لها بالرغم من الدعم المتواصل.ويرى مراقبون أن هذه التطورات تعكس حجم التخبط الذي يعيشه تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" في ظل رفض الليبيين للغزو التركي واصرارهم على مقاومته ودحره.