تجمهر حوالي 500 شخص لحضور مؤتمر حزب العدل والبناء المحسوب على تيار الإخوان المسلمين. وكانت كاميرات التلفزيون هناك تترصد الحدث الذي جمع في قاعة المؤتمرات بفندق فخم في طرابلس تنوعا لافتا من الحضور امتد من طوارق الحزام الجنوبي إلى أمازيغ الجبال الغربية. وقد أسدل أعضاء الحزب الستار على الشارة الجديدة، بيدين مضمومتين وألوان الحزب بالأزرق والأصفر، وشعار الحزب، الذي دون باللغتين العربية والأمازيغية عبارة: "معا نستطيع تعزيز الديمقراطية والتوافق".

تميز الحضور بتواجد شخصيات غير إسلامية بارزة جنبا إلى جنب مع منافسيها الإخوان. جمعة عتيقة، محام ليبرالي ونائب سابق لرئيس المؤتمر الوطني الليبي، في الصف الأمامي متوسطا رئيس الحزب محمد صوان وعبد الحكيم بلحاج، الزعيم السابق للجماعة الإسلامية المقاتلة المنحلة ورئيس حزب "الوطن" الحالي. وقد رحب متحدث في المؤتمر بخصوم الحزب الحاضرين، قبل إعطاء الكلمة لزعيم حزب "التغيير" غير الإسلامي.

لقد تحدث المؤتمرون عن ضرورة بناء توافق وطني في بلد يسير نحو الانقسام إن على المستوى الإيديولوجي أو الإقليمي أو القبلي. أشار أحد المتدخلين لزعيم حزب النهضة التونسي، راشد الغنوشي، كمثال على ترجيح كفة المصلحة الوطنية على الاعتبارات السياسة والحزبية. وقد قوبلت أهمية بقاء ليبيا على طريق الديمقراطية بالتصفيق والترحيب. أشاد المتدخلون بشخصية حسن الدروي، نائب وزير الصناعة وعضو حزب العدالة والبناء، الذي قضى بالرصاص في مسقط رأسه بمدينة سرت في يناير كانون الثاني في ما بات يعرف بأول اغتيال لعضو في الحكومة الليبية الانتقالية.

"إننا نسير في الاتجاه الصحيح برغم الصعوبات"، يصرح صوان.

جاء المؤتمر في ظرفية حرجة بالنسبة لحزب العدالة والبناء، كما لباقي المكونات السياسية الأخرى، نتيجة لما يناهز عامين من التجارب المضطربة مع الديمقراطية. إن المشاحنات الحزبية التي شلت السلطة التشريعية الفتية في ليبيا، حيث جميع الفصائل السياسية مصطفة إلى جانب ميليشيات خاصة، أفسدت فرحة الشعب بالتغيير المنشود حتى أضحى الكثيرون يفضلون زوال هذه الأحزاب لتستقيم البلاد .

لقد واصلت الميليشيات في ليبيا مطاردة السياسة. فقد أُطيح برئيس الوزراء علي زيدان في مارس آذار الماضي، وهو الذي كان من أشد المنتقدين لحركة الإخوان المسلمين، بعد فشله في كبح جماح الميليشيات المحاصرة لموانئ النفط الشرقية. كما صرح خليفته، رئيس الوزراء المؤقت عبد الله التني، أنه على استعداد لترك منصبه بمجرد التوافق حول البديل، حصل ذلك بعدما تعرض هو وعائلته لهجوم من قبل مسلحين. فقط هذا الأسبوع، تم تأجيل التصويت لاختيار رئيس وزراء جديد بعد تدخل ميليشيات من بنغازي، ما أدى إلى إطلاق النار في الخارج.

"أعتقد أننا ارتكبنا أخطاء، كل من موقعه، فالعمل السياسي جديد بالنسبة إلينا"، هكذا جاء اعتراف أحد القياديين الكبار في حزب العدالة والبناء. "والآن علينا أن نتعلم من الدروس السابقة وننطلق إلى الأمام".

لم يسلم السياسيون المبتدئون من حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا. ومع ذلك، يظهر أن حزب العدالة والبناء تجنب إلى حد كبير الصراعات الداخلية الذي أضعفت تحالف القوى الوطنية، الذي كان قد تغلب على الحزب في الانتخابات العامة لسنة 2012 عندما فاز ب 39 مقعدا مقابل 17. أما الآن فقد أضحى هذا التحالف مجرد اسم من الماضي عقب إقرار قانون حظر أتباع نظام القذافي من شغر مناصب سياسية. وحتى منتقدو الحزب اعترفوا بأن مؤتمر الأسبوع الماضي نُظم بشكل جيد وتميز بحضور مندوبين ومنتخبين من 29 فرعا على الصعيد الوطني، وهي شهادة على قوة الحزب وهياكله.

ورغم التنظيم الداخلي الجيد لإخوان ليبيا، إلا أنه لم يعكس مستويات عالية من الدعم الشعبي. في الواقع، يظهر أن العلاقة بتنظيم الإخوان قد حدت من جاذبية الحزب: لقد خلف قمع القذافي وتشويهه، لفترة طويلة، صورة حركة الإخوان الكثير من الشكوك لدى الليبيين. في حين عرفت منطقة الشرق الأوسط نكسات متتالية للإخوان وانتقادات جريئة لناشطين ليبيين مناهضين لهذه الحركة.

دخل حزب العدالة والبناء غمار السياسة في مارس 2012، بعد أن قررت جماعة الإخوان المسلمين الليبية الدخول رسميا في العمل السياسي من خلال الانضمام لتيارات أخرى لها "توجهات مماثلة". فهو حزب مستقل في هياكله عن الإخوان، وهي علامة على عدم الثقة في أن الحركة قادرة على تثبيت أقدامها في ليبيا بعد عقود من الدعاية مارسها القذافي، الذي كان يشبههم بـ"الكلاب الضالة" و"الإرهابيين". لقد دفع القمع الوحشي للنظام السابق العديد من القياديين للإقامة في المنفى، كما هو الشأن بالنسبة لزعيم الحزب، بشير القبطي، الذي أمضى عقدين في لوس أنجلوس قبل أن يعود إلى ليبيا خلال ثورة 2011.

كان الهدف هو تقديم عرض أكثر تنوعا، وأكثر قبولا، أمام الناخبين المحتملين. يؤكد الحزب على استقلاليته وانفتاحه على جميع المكونات، كما يؤكد أن كوادره لا يشكلون سوى نسبة بسيطة من بين 10،000 منخرط. ومع ذلك، فقد فشل الحزب إلى حد كبير في تبديد الصورة التي ألصقت به وكونه مجرد ذراع سياسي لجماعة الإخوان المسلمين ليس إلا. وهذا في حقيقة الأمر يتناقض مع تبوإ الإخوان المناصب العليا في الحزب، فصوان، وهو رئيس سابق لمجلس الشورى بجماعة الإخوان المسلمين، والذي قضى عدة سنوات في سجون القذافي، أعيد انتخابه كزعيم للحزب في مؤتمر الأسبوع الماضي.

شكل التعاون مع جماعة الإخوان عبئا على بلد يعج بالإسلاميين المنخرطين في العملية السياسية بجانب متطرفين يدينون العملية الديمقراطية برمتها. ليس من الغريب إذن أن نسمع المناهضين للإسلاميين في ليبيا يتهمون جماعة الإخوان بالعمل مع تنظيم القاعدة أو أنصار الشريعة المتشددة، التي صنفت منظمة إرهابية من قبل وزارة الخارجية الامريكية في يناير كانون الثاني .

كون جماعة الإخوان تحاول السيطرة على ليبيا هو أيضا جزء مما يتداوله الفيدراليون في الشرق والميليشيات المناهضة للإسلاميين، الذين وصل بهم الأمر إلى حد تهديد البرلمان في فبراير شباط، ما دفع مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا إلى التدخل.

"إنها مبالغة"، يقول فيدرالي بارز، "الأمر في صالحنا لأن الليبيين بشكل عام لا يرتاحون لجماعة الإخوان".

في بعض الأحيان، يبدو الخطاب المعادي للإخوان مضحكا. وكان أحد المتدخلين في برنامج تلفزيوني قد صرح بأن إسلاميا ليبيا معروفا شوهد في اجتماع مع مؤسس جماعة الإخوان، المصري حسن البنا (الذي اغتيل في القاهرة عام 1949) في بهو أحد فنادق الدوحة. وأصر آخر على أن القذافي نفسه كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين.

وقد وصف عضو من حزب العدالة والبناء مثل هذه الادعاءات بالسخيفة والمضحكة، لكن بالمقابل هناك ادعاءات أخرى أثرت فعلا على سمعة إخوان ليبيا.

"لقد عاينا حملة مسعورة ضد حزبنا"، يقول القيادي محمد حريزي مخاطبا مؤتمر حزبه.

لقد ذهبت الحملة ضد حزب العدالة والبناء بعيدا وشهدت، في بعض الأحيان، أعمال عنف. على إثر مقتل الناشط عبد السلام المسماري في يوليو تموز الماضي، وهو من أشد منتقدي الإخوان والإسلاميين بشكل عام، نهبت وحرقت الحشود الغاضبة مقر حزب العدالة والبناء في طرابلس وبنغازي. كما عرضت قناة تلفزيونية معادية للإسلاميين لقطات للمسماري وهو يتحدث عن الإخوان في حلقة خاصة، مع بثها لعبارة مصاحبة تقول: "من قتل عبد السلام". لقد أصبحت الأجواء مكهربة وبدأ الخوف يتسرب إلى أعضاء الحزب خشية تعرض حياة زعيمهم، صوان، للخطر.

كان لإطاحة الجيش في يوليو 2013 بالرئيس المصري المنتخب ديمقراطيا، محمد مرسي، عضو جماعة الإخوان، تأثيرا واضحا على ليبيا ولا يزال إلى اليوم. لا يخفي بعض العسكريين النافذين والنشطاء المناهضين للإسلاميين والميليشيات رغبتهم في رؤية سيناريو مماثل في ليبيا. أما الإسلاميون فمقتنعون أن مثل هذه المؤامرات تحاك ضدهم على قدم وساق.

"الذين يقفون ضد الإخوان في ليبيا حصلوا على دفعة معنوية بسبب ما حدث في مصر"، يقول أمين بلحاج، وهو قيادي بارز في حزب العدالة والبناء ورئيس سابق لمجلس الشورى في جماعة الإخوان المسلمين الليبية. "لقد أثر ذلك بشكل كبيرا علينا وأصبح إلقاء اللوم على الإخوان استراتيجية ناجحة جدا. هذا وأصبحت كلمة "إخواني" مرادفا لكل ما هو سلبي".

كما واجهت جماعة الإخوان المسلمين الليبية انتقادات، بل تهديدات، من داخل الحركات الإسلامية في البلاد. ففي العام الماضي، عمد سلفيون في طرابلس إلى حرق نسخ من أعمال حسن البنا وسيد قطب، منظر جماعة الإخوان، في مشهد علني. واتُهمت جماعة الاخوان المسلمين بملاءمة مبادئها من أجل كسب النفوذ في العملية السياسية. كما استهدف متطرفون في مدينة درنة المضطربة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والبناء من خلال قصف مكاتبهم وسياراتهم. فيما أعلن قائد الميليشيات الإسلامية شرق ليبيا مؤخرا أن جماعة الإخوان المسلمين أصبحت "عبئا على البلد وعلى الحركة الإسلامية نفسها".

لقد انعكس كل هذا سلبا على جماعة الإخوان الليبية في الوقت الذي تحاول فيه تثبيت أقدامها داخل المجتمع الليبي، كما فعلت نظيرتها المصرية على مدى عقود من الزمن، بما في ذلك انخراطها كمنظمة غير حكومية سنة 2012 .

يرى بعض المقربين من الإخوان أن على الحركة الانسحاب من المشهد السياسي تماما لبضع سنوات وتركيز أنشطتها على البرامج الاجتماعية والخيرية، مما قد يساعدها على ترميم صورتها المشوهة. لكن البعض الآخر يرى أن هذا الانسحاب، ولو مؤقتا، سيشكل كارثة حقيقية لعمل الحركة. وفي خضم هذا النقاش، لا يزال الحزب مترددا بشأن الانتخابات البرلمانية المقبلة، المزمع إجراؤها هذا العام.

  "إن البقاء داخل اللعبة السياسية يعني أننا سوف نمضي إلى الأحسن"، يقول عضو في مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين، مضيفا "بقاؤنا سوف يؤكد لخصومنا السياسيين أننا لازلنا في دائرة المنافسة. وليبيا تحتاج إلى مشهد سياسي متنوع بتنوع المجتمع الليبي، كما أننا نعتقد أن التوجه الإسلامي ممثل بشكل أفضل من قبل الإخوان عكس التيارات المتطرفة التي تقدم صورة مشوهة عنه".