منذ منتصف العام الماضي بدأت الأصوات تتعالى بضرورة إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ليبيا للخروج من حالة الانسداد السياسي الذي تعاني منه البلاد، بعد توالي الفشل والتسليم بعدم جدوى نتائج الاتفاق السياسي الذي لم يفض إلى حل للأزمة المتفاقمة التي تعاني منها البلاد، وكانت بداية الحديث عن إجراء انتخابات عندما أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، في منتصف يوليو سنة 2017 مقترحا لخريطة طريق للخروج من الأزمة بالبلاد، تضمنت تسع نقاط في مقدمتها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مشتركة كان يفترض أن تجرى في شهر مارس الماضي.
وفي شهر سبتمبر طرح المبعوث الأممي إل ليبيا غسان سلامة، "خطة العمل من أجل ليبيا" أمام الاجتماع الدولي رفيع المستوى الذي عُقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك برئاسة الأمين العام أنطونيو غوتيريس، وتضمنت الخطة ثلاث مراحل، تنص الأخيرة منها على أنه "في غضون سنة من إعلان الخطة الأممية، يجب الوصول إلى المراحل النهائية للعملية، ويشمل ذلك إجراء استفتاء لاعتماد الدستور، يلي ذلك وفي إطار الدستور، انتخاب رئيس وبرلمان، يكون نهاية المرحلة الانتقالية".
وأعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عن فتح عملية تسجيل الناخبين وتحديث السجل الانتخابي، لمدة شهرين في بادئ الأمر إلا أنها مددت الفترة عدة مرات للتسجيل في الداخل ثم فتحت باب التسجيل في الخارج، بما في ذلك الدول التي لم يفتح فيها باب التسجيل في المرات السابقة مثل مصر وتونس.
وشهدت مرحلة التسجيل في سجلات الناخبين حضورا لافتا لشريحة كبيرة من أبناء الشعب الليبي المحسوبين على النظام الجماهيري "النظام السابق"، وهو ما اعتبرته العديد من المصادر سببا في العدد الكبير من المسجلين الذين تجاوزوا سقف الميلون ونصف ناخب جديد إضافة للمسجلين الذين شاركوا في الاستحقاقات الانتخابية السابقة.
وعلى الرغم من أن بعض أنصار النظام، لا يرون أن العملية الانتخابية بكل تفاصيلها هي الطريق المناسب للممارسة الديمقراطية باعتبارها مبنية على الإنابة والتمثيل، إلا أن معظمهم اتفق على أن الدخول في العملية الساسية عن طريق الانتخابات هو الخيار المناسب، وهو ما جعل عدد من قادة العمل السياسي والمسؤولين السابقين، وعملت وسائل الإعلام المحسوبة على تيار ما يعرف بـ "أنصار القذافي" على الدعوة إلى التسجيل في سجلات الناخبين، وأفردت القنوات الفضائية بما فيها قناة الجماهيرية مساحات كبيرة في برامجها وإعلاناتها للدعوة ومتابعة عملية التسجيل.
واعتبر مراقبون أن إقدام خالد الزايدي محامي سيف الإسلام القذافي، على توجيه دعوة إلى جميع أبناء الشعب الليبي بضرورة المبادرة بالتسجيل في قوائم الناخبين بمثابة مباركة من نجل الزعيم الراحل لضرورة المشاركة في العملية، وقال الزايدي في رسالة متلفزة بثتها عدة قنوات فضائية منها الجماهيرية وقناة ليبيا 24 ، "إنه بعد مضي سبع سنوات عجاف من التدخل الخارجي الآثم الذي دمر ليبيا ومؤسساتها، وأفقر شعبها وشرده واستنزف ثرواته السيادية، ومزق نسيجه الاجتماعي، وحول ليبيا بؤرة للإرهاب العابر للحدود وفقد فيه المواطن الأمن والأمان والعيش الكريم، فإنه يجب على الجميع التسجيل في قوائم الناخبين بالمنظومة التابعة للمفوضية العليا للانتخابات.
وأضاف الزايدي في رسالة مفتوحة: "إن التسجيل يعد استحقاقا وطنيا أملته الظروف، ويمثل إضافة مهمة لمساندة الذين سجلوا في الانتخابات السابقة، وهم أغلبهم يتطلعون اليوم للخلاص من العبث والفوضى والعودة لزمن الاستقرار والتنمية"، مضيفا أنه، "لا مجال الآن للإقصاء واحتكار السلطة من القوى التي كانت سببا في تدمير ليبيا وجعلت منها بلداً تقتات علي الصدقات، والهبات والمعونات، لافتا إلى أنه بإثبات الحضور السياسي والتسجيل في منظومة الناخبين يتم قطع الطريق علي الخونة والعملاء وشذاذ الآفاق، موجها دعوته إلى جميع القوى الوطنية الغيورة في الداخل والخارج لرص الصفوف من أجل ليبيا".
ويعتمد "أنصار القذافي" الذي قاطعوا بإرادتهم أو استبعدوا عنوة في الاستحقاقات الانتخابية السابقة عند دخولهم غمار العملية الانتخابية القادمة على الثقل السكاني الذي يمثلونه، والذي وإن لم تتوفر إحصائية دقيقة لمقداره إلا أنه لا اختلاف كونه يمكن أن يمثل ثقلا كافيا للفوز في أي عملية انتخابية إذا ما تم التنسيق بين عناصره بشكل جيد، كما يعتمد على الرمزية التي يحملها سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، الذي تتفق العديد من التقارير المحلية والدولية بأن بإمكانه لعب دور سياسي بارز، بل ترشحه عدة أطراف لأن يلعب دورا قياديا في إدارة البلاد إذا ما توفرت له فرصة المشاركة في العملية السياسية القادمة، وذلك لما يحضى به من شعبية كونه ابن القذافي الذي تؤيده أعداد كبيرة من الشعب الليبي، إضافة لما يتميز به من قبول من مختلف الأطراف السياسية بما في ذلك بعض الذين انخرطوا في أحداث فبراير، ولعل ما يزيد من رصيده هو فشل كل الذين تقلدوا مهام قيادة البلاد خلال السبع سنوات الماضية.
وإن كانت تقف المطالبات القضائية المرفوعة من قبل محكمة الجنايات الدولية كعقبة في طريق ترشح سيف الإسلام، إلا أن مراقبين يرون أنه بات بإمكانه المشاركة في الانتخابات الليبية المقبلة كقوة سياسية لها أهميتها، ووفقًا لما نشرته جريدة "الجارديان" في ديسمبر 2017، فإن المراقبين أشاروا إلى أن قرار الملاحقة الصادر ضد سيف الإسلام القذافي من قبل محكمة العدل الدولية في 2011، والحكم الآخر الصادر ضده بالإعدام من محكمة طرابلس، وهي أحكام صدرت غيابيًا، ولاقت انتقادات دولية واسعة.
وقال دبلوماسي قريب من عملية التحضير للانتخابات القادمة، للصحيفة إن الأحكام الصادرة ضد القذافي "لن تمنعه بالضرورة من المشاركة في الانتخابات". وأضاف: "نحن لا نحدد من يقف في الانتخابات، والأمر متروك إلى الليبيين، وسيف الإسلام لديه شعبية في الجنوب".
كما أن المبعوث الأممي الى ليبيا غسان سلامة أكد في أكثر من مناسبة أن جميع الليبيين بلا استثناء يستطيعون الترشح للانتخابات القادمة والمشاركة فيها، في إشارة الى سيف الاسلام القذافي وأنصار النظام الجماهيري.
وعلى الرغم من أن المؤشرات تذهب في أغلبها إلى أن أنصار النظام الجماهيري سيكون لهم نصيب كبير في الظفر بنتيجة أي انتخابات في ليبيا، إلا أن النجاح سيكون محفوفا بمخاطر وعقبات من بينها غياب التنظيم الجيد والربط بين المكونات المختلفة سياسيا، والتوزع الجغرافي للناخبين، وغياب التجربة الانتخابية عن معظم أنصار النظام، في الوقت الذي قد يعتمد المنافسون على صناعة تحالفات مبنية على توجهات سياسية تتولد من باب رفض عودة أنصار النظام الجماهيري حتى في ظل غياب التوافق فيما بينها في الظروف الطبيعية، كما أن المنظومة الدولية التي تمثلها الدول المتنافسة في ليبيا قد تقف وراء أذرعها المتمثلة في بعض الأطراف التي تتسيد المشهد السياسي في ليبيا اليوم، وهذا ما يعني تقديم الدعم لها وترجيح كفتها.