بعد أسابيع طويلة من الاشتباكات العنيفة بين الميليشيات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس، والتي أسفرت عن خسائر بشرية ومادية كبيرة ولاقت تنديدا محليا ودوليا واسعا، عاد الهدوء إلى المدينة وسط محاولات حكومية لاسترجاع الاستقرار وفرض الأمن في المدينة.

وأكدت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، أن لإدارة العامة للأمن المركزي ومن خلال فروعها تقيم تمركزات أمنية والدوريات داخل الأحياء والشوارع بالعاصمة طرابلس بالتعاون مع قسم النجدة بمديرية أمن طرابلس.وأوضحت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق أن ذلك يكرس مدى التنسيق الأمني المشترك بين الأجهزة الأمنية لفرض الأمن والاستقرار والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة.بحسب المكتب الإعلامي للوزارة.

تسليم المواقع

يأتي ذلك، فيما أعلنت "قوة حماية طرابلس"، التابعة لحكومة السراج، أن الترتيبات الأمنية في العاصمة طرابلس ستبدأ في الأسبوع المقبل، موضحة أنه سيتم تسليم كل المقرات بناء على ما تم الاتفاق عليه ضمن خطة الترتيبات الأمنية.وأوضحت القوة في بيان لها، أنها بادرت بتسليم المواقع، التي توجد تحت حمايتها، إلى لجنة الترتيبات الأمنية، باستثناء بعض المواقع تخوفاً من تعرضها للاختراق الأمني.

وأضافت القوة في بيان صادر عنها الخميس، أنه يجري التنسيق مع لجنة الترتيبات الأمنية لتسليم باقي المواقع، بالإضافة إلى تجهيز قوة أمنية من مختلف أنحاء البلاد لتسلم هذه المواقع حتى لا تكون جهوية باسم العاصمة.وأشارت إلى أنها "لن تكون ضمن القوة التي ستحمي مؤسسات الدولة، بل ستكون في الطرقات والأماكن العامة، تحت شرعية الدولة.

ويأتي ذلك في وقت حددت فيه ما يعرف بالقيادة المركزية لحركة مارس الوطنية لإنقاذ ليبيا، مدة محددة لجميع من وصفتها بـ"المليشيات" المتواجدة في العاصمة طرابلس للخروج دون قيد أو شرط.وأمهلت الحركة، في تدوينة لها على موقع التواصل الاجتماعى "الفيس بوك"، الميلشيات خاصة التي تسيطر على قاعدة معيتيقة مهلة 48 ساعة للخروج منها، محذرة بأنها ستقوم بنسف القاعدة بما فيها في حالة عدم الخروج منها.

وكانت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني قالت إنها أعدت كل الترتيبات بالتنسيق مع لجنة الترتيبات الأمنية المشكلة بقرار من المجلس الرئاسي، بـ"تسلم المرافق الرئيسية كافة لقوات شرطة نظامية تعمل بمهنية وذي خبرة عالية وبعيدة عن أي تجاذبات سياسية مهمتها حماية ممتلكات العامة والخاصة وضبط الخارجين عن القانون وتأمين المرافق الحيوية".

وأعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوفاقاستلام تأمين وحراسة ميناء طرابلس البحري من كتيبة النواصي وتسليمه إلي مكتب حراسة الأهداف الحيوية بالإدارة العامة للأمن المركزي بشرطة مهنية متخصصة.وأكدت وزارة الداخلية أن هذه الترتيبات الأمنية، سوف يكون لها مردود إيجابي على الوطن والمواطن، من خلال المجاهرة بالأمن، وهذا لا يتأتى إلا بتكاتف جميع الأجهزة الأمنية، وتعاون المواطن الذي هو محور هذه الترتيبات.

وكان قائد مليشيا النواصي، الرائد مصطفى قدور، قدم استقالته من منصب رئيس مكتب أمن ميناء طرابلس البحري، وقال قدور في كتاب استقالته التي قدمها إلى رئيس الإدارة العامة للأمن المركزي: "نأمل منكم إعفائي من مهام عملي المكلف به كرئيس لمكتب أمن ميناء طرابلس البحري، وتعيين من ترونه مناسبًا لرئاسة هذا المكتب".

وأعلنت الميليشيا في وقت سابق، أنها مستعدة لسحب عناصرها من جميع المؤسسات السيادية، والمواقع الرسمية التي تتولى حمايتها وتأمينها.واعتبرت "النواصي"، التي تسيطر على عدة مواقع حكومية مهمة، من بينها مقر المصرف المركزي في بيان مقتضب، أن استقالة قدور"خطوة جادة لتفعيل الترتيبات الأمنية في العاصمة طرابلس، وفي اتجاه بناء دولة المؤسسات والقانون".

اتهامات

لكن على الرغم من هذا الإعلان، فإن البعض يشكك في نوايا الميليشيات، ونقلت "إرم نيوز"، مصدر أمني مطلع على ما يجري في الميناء، اعتباره استقالة قدور"مجرد مناورة وحركة التفافية شكلية لإظهار انصياعه للترتيبات الأمنية الجديدة".وقال المصدر الأمني، إن "قدور يسيطر على الميناء بالكامل عبر عناصر المليشيا التي يترأسها، بل إن رئيس لجنة تسيير الميناء العميد سالم بدر يعمل تحت إمرة قدور".

وأضاف أن "مؤسس ورئيس مليشيا النواصي يهدف من الاستقالة إلى الدفع بعناصر من الصف الثاني في المليشيا التي يترأسها لأخذ مكانه، بهدف تضليل الرأي العام بشأن الترتيبات الأمنية".وتساءل قائلًا: "إذا كان يريد الاستقالة حقًا، فلماذا لم يرسل كتاب استقالة من مليشيا النواصي؟".مشدّدا على أن "على القائمين على الترتيبات الأمنية وبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، أن يدركوا أنه لن تكون هناك معالجة حقيقية إلا بحل المليشيات المسلحة المؤدلجة بشكل جذري".

ظهر عدد من قادة المجموعات المسلحة الكبرى في طرابلس، في الآونة الأخيرة، وهم يحملون رتبًا عسكرية عليا، وأشار البعض إلى إن "أفراد مليشيات طرابلس، غيروا ملابسهم وشعارات سياراتهم فقط، وما يزالون ينتمون في الدرجة الأولى لهذه المليشيات ويتبعون أوامرها، فيما يقبضون رواتبهم من رئيس حكومة الوفاق فايز السراج".

وفي غضون ذلك، اتهم عبد الله الثني، رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، التي تدير مناطق شرق ليبيا، حكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس، بالخضوع لهيمنة الميليشيات المسلحة.وأوضح الثني، أن حكومة الوفاق، التي يترأسها فائز السراج، والتي قال "إنها تدعي تمثيلها لليبيين"، لم تُرسِل سوى 177 مليون دينار للمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المؤقتة، من أصل 25 مليار صرفتها الحكومة المؤقتة، مبدياً تساؤله:"أي عدل هذا؟".

وجاء تصريح الثني خلال كلمته في اجتماع عقد الأربعاء، بقاعة البرلمان في مدينة البيضاء لإعلان الخطة الاستراتيجية لوزارة الداخلية بالحكومة الموقتة لأعوام (2018 و2019 و2020) بحضور عدد من القيادات الأمنية بالوزارة.وأضاف الثني في كلمته التي نشرتها صفحة الحكومة الموقتة على "فيسبوك"، أن هذا الاجتماع "لو كان أمام ما تسمى حكومة الوفاق غير الدستورية لكان من يجلس فيه قادة الميليشيات وزعمائهم ممن تحصلوا على رتب مزورة، لا ضباط تخرجوا في كليات الشرطة ونالوا تدريبها وتدرجوا في سلمها الوظيفي كما هو الحال لدينا".

وأعرب الثني في كلمته عن تضامنه مع أهالي طرابلس الذين قال "إن المليشيات ترتكب فيهم جرائم القتل والحرابة والتهجير والاغتصاب والقصف العشوائي"، داعيًا رجال الأمن إلى "فرض القانون وتنظيم التظاهر السلمي وفق ما يضمن عدم زعزعة الأمن واستقرار البلاد وتقويض الشرعية الانتخابية".

وضع الميليشيات

وشهدت العاصمة طرابلس في سبتمبر المنقضي، اشتباكات وصفت بأنها الأعنف منذ سنوات وأدت إلى مقتل أكثر من مئة شخص وجرح العشرات، علاوة على الخسائر المادية الكبيرة.وتدخلت الأمم المتحدة لفض النزاع بين الميليشيات، ورغم الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن الكثير من المتابعين للشأن الليبي قد شككوا في إمكانية إلتزام الميليشيات.

وكان القائد العام للجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، قال في وقت سابق، إن الوضع في العاصمة طرابلس لا يزال خطيرًا رغم محاولات الأمم المتحدة للتأسيس لهدنة بين الجماعات المسلحة.وأرجع المشير السبب إلى "شرعنة مليشيات مسلحة والاعتماد عليها في تأمين طرابلس وحماية مؤسسات الدولة فيها، وعدم وجود أي ضامن للسيطرة عليها، والتعامل معها وكأنها مؤسسات محترفة ومنضبطة".وفق ما أوردت وكالة "رويترز".

وقال المشير، إن الحل يكمن في معالجة وضع هذه المجموعات ونزع سلاحها بوسائل سلمية مختلفة حسب الحالة، ووضع برنامج بديل لها عن الوضع البائس الذي تعيشه حاليًا، واستبدالها بقوى رسمية محترفة ومنضبطة متمثلة في الجيش والشرطة وباقي الأجهزة الأمنية المؤهلة والمعدة أساسًا لحفظ الأمن.

ويرى مراقبون، إنه طالما أن السلاح لازال بحوزة الميليشيات، فلا يمكن أن يتوقف الصراع المسلح، وستشهد البلاد المزيد من الاقتتال.وهذا ما يجعل مهمة إنهاء وضع المليشيات الحالي واستبدالها بوحدات نظامية أمرا صعبا.حيث أن هذه المليشيات المستفيدة من وضعها ستعمل على إضعاف أي قوة نظامية كما فعلت مع الحرس الرئاسي الذي حاول السراج تشكيله، حينما هاجمت مقراته واستولت على آلياته ومركباته.

ودفعت المخاوف من تجدد العنف في طرابلس، المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، للتشكيك في إمكانية إجراء الانتخابات الليبية في موعدها، أكد في مقابلة مع "فرانس برس"، مساء السبت 29 سبتمبر/أيلول، أنه من الصعب الالتزام بالموعد المحدد في الجدول الزمني الذي أقر في باريس للانتخابات في ليبيا في العاشر من ديسمبر، بسبب أعمال العنف والتأخر في العملية الانتخابية.

وأدى تغول الميليشيات المسلحة إلى صعوبة السيطرة عليها، وقيام قادتها بفرض نفوذ اقتصادي وسياسي وأمني، ما جعلهم يتحكمون في مفاصل مؤسسات رسمية.وكانت بعثة الأمم المتحدة قد انتقدت سيطرة الميليشيات المسلحة على المؤسسات الحيوية للدولة وفي مقدمتها مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط ومؤسسة الاستثمار.