يتألف كتاب الباحث العراقي د. محمد علي داهش «دراسات في تاريخ المغرب العربي المعاصر» من ثماني دراسات: الاستعمار والهوية في المغرب العربي، الظهير البربري أنموذجاً، المغرب العربي واتجاهاته الوحدوية في النضال ضد الاستعمار، المغرب العربي- ضرورة العودة إلى العمل الاتحادي، ثورة الريف المغربية - البناء الداخلي طريق الانتصار على الاستعمار، من معارك التحرر في المغرب العربي- معركة أنوال 1921، ثورة الريف في الصحافة العراقية 1921-1927، محمد عبد الكريم ومشروع الوحدة والنهضة في مواجهة التحديات الاستعمارية في المغرب العربي، القضايا المغاربية في المواقف العربية- الموقف العراقي أنموذجاً.

وكانت أقطار المغرب العربي قد خضعت للاحتلال والسياسة الاستعمارية الفرنسية والإسبانية لعقود طويلة. غير أنَّ الرؤية الفرنسية خاصة، والغربية بعامة في المغرب العربي، استهدفت تحقيق استراتيجية مستقبلية بعيدة المدى تخدم منطلقات ودوافع الحركة الاستعمارية تجاه العرب والإسلام. هذه السياسة، وفي أبعادها غير الاقتصادية، استهدفت التفكيك والتفتيت للبناء الاجتماعي والثقافي والديني والحضاري العام، ومحاولة الاحتواء التدريجي وتحقيق التبعية الكاملة.

فقد كانت بداية السياسة الفرنسية في الجزائر ثمَّ في الأقطار المغاربية التي احتلتها العمل على محاربة اللغة العربية والدين الإسلامي. وقد أجمع ساسة فرنسا وقوادها العسكريون والمبشِّرون الدينيون وغيرهم من رجال الفكر والثقافة على التمهيد بسياستهم العدوانية على «الهوية» لتنصير البلاد والعباد.

ولم يقف الفعل العنصري التعصبي عند هذا الحد، بل انتقل ليأخذ بعده الاجتماعي عن طريق التفريق بين أبناء الوطن الواحد، بممارسة سياسة الفصل العنصري بين العرب والأمازيغ. وهي السياسة التي بدأت في الجزائر ونضجت في المغرب..

ومورست في موريتانيا. ففي عام 1849، فصلت السلطات الفرنسية منطقة القبائل الصغرى عن بقية البلاد، ثمَّ قام الجنرال «بيجو» بإنشاء إدارة مستقلة في منطقة القبائل الكبرى عام 1853، في محاولة لعزل البربر عن بقية أنحاء البلاد، وعن إخوانهم العرب المسلمين، وأخضع المنطقة إلى نظام إداري وقضائي خاص بها، وألحقت السلطات الفرنسية هذا الفعل، بإصدار القرارات التي تُخرج هذه المناطق من نطاق القضاء الإسلامي.

وخلال الحرب العالمية الثانية أصبحت أقطار المغرب العربي ساحة للصراع العسكري بين الحلفاء والمحور، وأصبحت فرنسا (حكومة فيشي) تدور في فلك برلين بعد سقوطها بيد الألمان في يونيو 1940، فيما أصبحت قوات فرنسا الحرَّة (الديغولية) إلى جانب الحلفاء.

ومنذ عام 1940 وحتى عام 1943 كانت السلطات الفرنسية المحتلة في أقطار المغرب العربي تابعة لحكومة فيشي الموالية للألمان، ثمَّ استطاعت قوات فرنسا الحرَّة وبمساندة بريطانية ـ أميركية السيطرة على الموقف في الأقطار المغاربية منذ عام 1943..

وبدأت السلطات الفرنسية الديغولية تستخدم شتى صنوف القمع والإرهاب والاعتقال بحق الشعب وقواه الوطنية متهمة إيَّاه بموالاة الألمان أو التعاون معهم، وقادت تلك السياسة القمعية إلى هجرة العديد من قادة الحركات الوطنية ومناضليها إلى الخارج لمواصلة النضال الوطني المغاربي.

وشهدت أقطار المغرب العربي تطورات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، تركت آثارها في بلورة موقف وطني ومغاربي جديد، فقد ازداد تصلب القوى الوطنية في مطالبها الاستقلالية التي أصبحت هدفاً نضالياً لا رجعة عنه.

 

البيان