في نهر أوبانغي، الذي يمر عبر العاصمة بانغي، لم يعد هناك صيادون يبحثون عن الأسماك، بل فقط عمالا يفضلون العمل في جمع الأحجار والرمال من مياه النهر لاستثمارها في أعمال بناء العقارات، إلا أنهم يجدون في شباكهم أحيانا جثثا  تم دفنها خلسة ، وعادة ما يواصلون عملهم غير عابئين بها ..

ففي الوقت الذي تعيش فيه عاصمة افريقيا الوسطى بانغي على وقع صراع طائفي دموي، تنساب الأيام بشكل عادي على ضفاف نهر "أوبانغي" الذي يعبر العاصمة ويفصلها إلى جزءين..

شبان بصدور نصف عارية  ينتمون إلى طائفة غير مسلمة يجمعون كميات من الأحجار والرمال لبيعها لأولئك الذين يقومون بتشييد البناءات. بديل يلقى رواجا في صفوف الشباب في ذلك المكان عوضا عن صيد الأسماك الذي لا يوفر لهم سوى ثلث ما يجنونه من هذا النشاط المستحدث.

"أدولف ديزيريه" هو أحد الشباب الذين لا يدّخرون جهدا في ملء زورقه الصغير بالحجارة والرمال والحصى المتراكم في قاع النهر. حمولة من المنتظر أن تدرّ عليه 14.58 دولار يوميا في المتوسط.. كان بإمكانه انتشال تلك الجثث الملقاة بين الأحجار في قاع النهر، غير أنّه "لا يهتمّ"، فمن واجبه كما يقول "تأمين قوته" في هذه الفترة العصيبة التي تشهدها افريقيا الوسطى، لا أن يدفن جثث مجهولة.

وبسؤاله عن شعوره وهو يقلّب الجثث الآدمية لابعادها عن سبيل معوله، قال "ديزيريه" لمراسل الأناضول ضاحكا "لقد قمت باصطياد الجثث التي تدفنها أنتي بالاكا (ميليشيات مسيحية) وسيليكا (تحالف لمتمرّدين مسلمين) في مناسبات عديدة.. مشاهد مماثلة لم تعد تثير هلعنا، فلقد اعتاد الصيادون رؤيتها في كل يوم".

البعض منهم كان يحمل دلاء، والبعض الآخر كان يرمي الشباك على هذا الجانب أو ذاك من النهر.. هذا الجزء من النهر يخضع لحراسة مجموعات عرقية من "ياكوما" و"لاغباشي"، ويعيشون بدورهم على جمع الأحجار والرمال.

صديق لـ "أدولف" (لم يذكر اسمه) قال "تستعمل هذه المواد لبناء العقارات"، قبل أن يضيف بتهكّم "إذا كان للصراع بافريقيا الوسطى ارتدادات سلبية على حياة السكان، إلاّ أنّ الأسماك وخصوصا "النقباء" (نوع من الأسماك المتواجدة بكثرة في افريقيا الوسطى) استفادت كثيرا من الجثث التي تملأ النهر، ولهذا السبب، فهي غالبا ما تطفو إلى السطح، فنسحب شباكنا فارغة".   

كان صديق "أدولف" يتحدّث إلى مراسل الأناضول، وعيناه تدقّقان النظر في اتّجاه شبحين يرتسمان بالفضاء المحيط به.. كانا اثنين من عناصر أنتي بالاكا المسلحة ببنادق الكلاشينكوف وقنابل يدوية "صينية الصنع". كانا يقومان برصد الزوارق القادمة من جهة الكونغو الديمقراطية، حيث ان العاصمة بانغي تقع قرب الحدود مع هذه الدولة، ويحدّقان بإمعان في ركابها، ولا يتوانيان لحظة عن طلب عودة بعضها على أعقابها بمجرّد أن يدبّ الشك إليهما بخصوص أية تفاصيل تهمّ الزورق أو أصحابه. سيناريو يتكرّر بشكل دوري، ولم يسلم منه حتى الموفد الخاص للأناضول.