لم تمض عشرة أعوام من عنْوَنة مجلة "ذي إيكونوميست" أحد أغلفة أعدادها:  "قارة بلا أمل" في إشارة إلى إفريقيا، حتى عادت المجلة نفسها في عام 2011 لتضع عنوانا مغايرا تماما على غلافها: "إفريقيا الواعدة".

وهذا العام، روي رئيس "البنك الإفريقي للتنمية" "دونالد كابوروكا" في تصريح له نهاية الشهر الماضي، هذه المفارقة متسائلا:: "ترى، بعد عشرة أعوام أخرى، ماذا سيكون العنوان القادم " للمجلة نفسها؟.

هذا التساؤل مرده أن  القارة السمراء تملك موارد طبيعية  هائلة في مجالات  المياه والزراعة والطاقة والتعدين لم يستغل معظمها بعد، خلافا للوضع في باقي قارات العالم التي تكاد تكون استنزفت معظم مواردها، وهو ما يؤهل إفريقيا – رغم العقبات الراهنة - لأن تصبح "سلة غذاء  العالم" ولأن تقود "قاطرة الاقتصاد العالمي" في مستقبل غير بعيد، بحسب توقعات وتحليلات خبراء دوليين عرضوها للاناضول.

وفقاً لأحدث تقرير سنوي ("التوقعات الاقتصادية أفريقيا")، أصدره العام الماضي البنك الأفريقي للتنمية، فإن "الموارد الزراعية والطاقية والتعدينية في أفريقيا، التي لم يستغل معظمها بعد، هي مفتاح تسريع النمو الاقتصادي" للقارة.

وتشير الأرقام الواردة في هذا التقرير إلى أن "سلة غذاء العالم" كما يطلق على القارة الإفريقية، تضم 60% من الأراضي الصالحة للزراعة "غير المستغلة" بعد في العالم. ويكفي استغلال 80 مليون هكتار من هذه الأراضي في جمهورية الكونغو الديمقراطية لوحدها "لإطعام ملياري شخص حول العالم"، أي ما يعادل سكان قارات إفريقيا و أوروبا و أوقيانوسيا مجتمعين.

وبحلول عام 2030 ، يمكن لقطاع الزراعة و الصناعات الغذائية في أفريقيا إنشاء سوق بقيمة 1000 مليار دولار، في حال استغلال أقوى لهذه الموارد المائية في الزراعة، بحسب تقرير صدر حديثا للبنك الدولي بعنوان: "نمو إفريقيا، إمكانات قطاع الصناعات الغذائية".وحتى اليوم، لا تستغل الأراضي المستزرعة في إفريقيا سوى من 2% من الموارد المائية المتجددة للقارة.

هذه الموارد المائية الضخمة وما تتيحه من امكانيات زراعية هائلة تنعكس في التنافس المحتدم حاليا على استزراع مساحات شاسعة من الأراضي الإفريقية الخصبة بين الدول الآسيوية ذات الإمكانات السكانية الضخمة ودول الخليج العربية الثرية ذات المناخ الصحراوي.

وفي هذا السياق، استثمرت الصين حتى الآن في استزراع حوالي 1.5 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في الكاميرون وموزمبيق وأوغندا وتنزانيا. الحال نفسه بالنسبة للهند واليابان اللذين يستثمران على التوالي مليون و600 الف هكتار و900 ألف هكتار في إفريقيا.

من جانبها، تستغل المملكة العربية السعودية إجمالا حوالي 2 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في السودان ومالي وموريتانيا و السنغال ما بين شراء و استئجار، بحسب احصاءات  "لاند ماتريكس"، ( Land Matrix)  وهي منظمة دولية "مستقلة" معنية بمتابعة شؤون الأراضي والاستثمارات. ومن بين أهم 11 بلداً في العالم يستهدفها هذا النوع من المستثمرين، توجد سبعة بلدان أفريقية، هي السودان وأثيوبيا وموزمبيق وتنزانيا ومدغشقر وزامبيا والكونغو الديمقراطية، بحسب المصدر ذاته.

وعلاوة على حصولها على لقب "سلة غذاء العالم" تعرف القارة الأفريقية تاريخيا باسم "خزان العالم" من الثروات التعدينية في باطن الأرض، حيث تملك حوالي ثلث احتياطي الثروات المنجمية في العالم.وتستحوذ القارة الإفريقية على 89% من البلاتينن في العالم، و81% من مادة "الكروم" و 61% من "المنغنيز" و60% من "الكوبالت"، وفقاً لأرقام نشرتها مجلة "افريك إكسبانسيون"  (  Afrique Expansion) التي تصدر من باريس.

وتتوفر إفريقيا على ما يقارب خمس احتياطي العالم من الماس والذهب واليورانيوم.أما بخصوص اليورانيوم، فقد أعاد ارتفاع أسعار النفط وزيادة نسبة التلوث في العالم وما يرافقها من ضغوط متزايدة للناشطين في المجال البيئي إحياء النقاش حول تقليل الاعتماد على المواد الهيدروكربونية (النفط) لتوليد الطاقة، واستبدالها على وجه أخص باليورانيوم الذي يدخل في توليد الطاقة النووية.

وتحتل 3 دول إفريقية: النيجر وإفريقيا الوسطى وناميبيا، صدارة قائمة الدول المنتجة لهذه المادة في العالم.وفي مجال الغاز والبترول، تضم القارة أكثر من 30 بلداً مصنفاً ضمن الدول المنتجة للمواد الهيدروكربونية وعلى رأسها نيجيريا والجزائر و ليبيا.ويقول خبراء الاقتصاد والساسة الأفارقة أنه على الرغم من أن هذه الموارد المعدنية والطاقة تمهد الطريق أمام تطوير نسيج من الصناعات المندمجة وإقامة قطاعات اقتصادية كاملة حولها، إلا أن قطاع  الصناعة في القارة ما يزال في مرحلة "جنينية"، مشيرين إلى ان انتقاله إلى مرحلة من "الاستغلال الأقوى" سيحقق طفرة اقتصادية هائلة للشعوب الإفريقية.

 

ورغم أن الواقع الحالي يشير إلى أنه تم تسجيل ركود في بعض أنشطة استخراج المعادن في عدة دول إفريقية بسبب الافتقار إلى المستثمرين على خلفية الركود الاقتصادي العالمي، إلا أن الخبراء المتفائلين بمستقبل إفريقيا يرون أن ارتفاع أسعار المعادن الثمينة في السوق العالمية سيدفع حتما في الأعوام المقبلة بالمستثمرين نحو الباطن الإفريقي الذي لم يكشف عن كل أسراره بعد.أحد هؤلاء الخبراء، "باتريك ندونجيدي"، الصحفي المتخصص في الشؤون الإفريقية، يرجح هذا التوقع.

وقال في تصريحات: "في حين يعاني حاليا السواد الأعظم من بلدان العالم من الركود بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، تتوفر أفريقيا على اقتصاد افضل نسبيا حيث توقع صندوق النقد الدولي أن تبلغ نسبة النمو الاقتصادي في إفريقيا 6.5% في 2014 بعد أن شهدت القارة إجمالا في عام 2013 تقدما في الاستثمارات الأجنبية المباشرة".

على مستوى آخر، وفي ظل وجود مليار نسمة بإفريقيا، و طبقة وسطى آخذة في التزايد، يمثل الاستهلاك في القارة السمراء رافداً آخر من روافد النمو المتوقع على المدى القريب في القارة.وتقول دراسة أجرتها مؤخرا شركة "ماكينزي" العالمية للدراسات الاقتصادية إن الطبقة الوسطى في إفريقيا تمثل حاليا أكثر من 300 مليون شخص. فيما يتوقع صندوق النقد الدولي أنه مع حلول عام 2015 سيتجاوز متوسط الناتج المحلي الخام للفرد في القارة الـ 2000 دولار سنويا. وبحسب هذه المؤسسة النقدية العالمية المستقلة، فإن هذا المستوى يمثل "العتبة التي يبدأ الناس بعدها في اقتناء مواد استهلاكية تفوق ما يحتاجونه لتلبية حاجياتهم الأساسية"، وهو ما يترتب عليه تنشيط  دورة الاقتصاد وضخ مزيد من الاستثمارات في القارة.

وتوقعت دراسة "ماكينزي" في السياق نفسه أن يرتفع عدد الأُسر الإفريقية التي تتمتع بدخل يوفر نوعا من الرفاهية من 85 إلى 130 مليون أسرة في عام 2020.وللتوضيح أكثر، تشير الدراسة إلى أن زيادة معدل الاستهلاك سيترتب عليه نمو قطاع المراكز التجارية التي لا تزال خارج نطاق الاستغلال في االقارة السمراء.

وفي نيجيريا العملاق الإفريقي على سبيل المثال، فإن المراكز التجارية الكبرى تعد على أصابع اليد الواحدة، من بينها مركز ضخم فتح أبوابه منذ بضعة أشهر فقط..  ميزة اخرى اقتصادية لإفريقيا يلفتت إليها ندونجيدي" الذي ينشر مقالات ودراسات في عدة وسائل إعلام عالمية، بينها ال"هافنجتون بوست"، قائلا :"قارة إفريقيا إلى جانب آسيا هي أكثر القارات توفيراً. إذ تبلغ مدخرات العملة الصعبة فيها الـ 500 مليار دولار أمريكي فيما تضاعفت قيمة البورصات بها 9 مرات منذ تسعينيات القرن الماضي وانضمت إليها حتى الآن 2000 شركة".

ويختم "ندونجيدي قائلاً: "رغم كل ما تعانيه من عقبات متنوعة  ومظاهر متعددة من التخلف حاليا، تبقى إفريقيا قارة ذات موارد وإمكانات نمو هائلةً في وقت تستنزف فيه موارد باقي القارات..إنها مستقبل البشرية".