على مدى أكثر من 12 عاما،واجه الليبيون أزمات طاحنة،بين حروب لا تبقى ولا تذر،وإرهاب وإغتيالات وجرائم مختلفة،طالت الجميع دون استثناء،وبين اقتصاد متهالك،انخفضت فيه قيمة العملة وتعمّقت أزمات السيولة لدى المصارف التجارية،فنهش الغلاء جيوب المواطنين،وتردت الاوضاع المعيشية التي زادها تدهور مستوى الخدمات العامة صعوبة لتتحول الى جحيم يوميّ.
اليوم تتسارع الخطى للذهاب إلى إجراء إنتخابات تنهي الصراعات وحكومة توحّد البلاد وسط إجماع محلي ودعم دولي.يمثل هذا الإستحقاق الأمل الوحيد لطوي عشرات السنوات من الاقتتال والفوضى،وإستعادة الحياة مجددا.طريق يأمل الليبيون عبوره قريبا نحو الإستقرار والأمن.
النواب والدولة..كلمة السر
كانت بداية العام الحالي مشجعة وتبعث على التفاؤل،فقد شهدت محادثات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة،في العاصمة المصرية القاهرة،توّجت بتوافق هام.حيث أعلن المجلسين، الخميس 05 يناير 2023،في بيان مشترك، عن اتفاقهما على وضع "خريطة طريق" لاستكمال العملية الانتخابية وتوحيد المؤسسات الليبية.
مثل هذا التوافق خطوة مفصلية في الأزمة الليبية،فالمجلسين ومنذ العام 2015،تاريخ تأسيس مجلس الدولة استنادا الى الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات،تصدرا المشهد السياسي في ليبيا،كونهما يملكان مفاتيح الملف الأبرز في البلاد،وهو الانتخابات.حيث يشرف المجلسين على المسار الدستوري، ووضع القوانين الخاصة باجراء الاستحقاق الانتخابي.
ولسنوات ظلّ الجامع بين المجلسين، إصرارهما على الخلاف والاختلاف.ومع استقرار مجلس النواب في طبرق،ومجلس الدولة في طرابلس،تعمّق الانقسام الليبي شرقاً وغرباً.وتدخلت قوى اقليمية ودولية لإيجاد توافقٍ بين الطرفين.واستقبلت عدة عواصم لقاءات ومحادثات، بين خالد المشري وعقيلة صالح،فشلت اغلبها في اذابة جليد الخلافات بين الرجلين.
يشير البعض الى أن توافق المجلسين،جاء ردّا على انتقادات وجهها المبعوث الاممي عبدالله باتيلي،لهما لتأخرهما في الترتيب للعملية الانتخابية بدءاً من تجهيز القانون الانتخابي،واعلانه عن نيته تشكيل لجنة لجنة سياسية،تعمل على تسريع عملية الانتقال السياسي المتعثرة،واشار صراحة الى نيته تجاوز مجلسي النواب والدولة حين قال أن تحديد الانتخابات "لا يمكن أن يُترك بيد مجلسي النواب والدولة فقط"، مشيراً إلى ضرورة توسيع قاعدة المشاركة والمشاورات المحلية، بهدف الوصول إلى قاعدة دستورية تنظّم إجراء انتخابات في البلاد.
وبغض النظر عن الاسباب،فان التوافق بين المجلسين مثل نقلة هامة في المشهد الليبي،فقد سارع الطرفين لتشكيل لجنة (6+6)،استناداً إلى المادة 30 من الإعلان الدستوري 13،الذي أقره مجلسي النواب والدولة،وبواقع ستة أعضاء عن كل مجلس للتوافق بأغلبية الثلثين من أعضاء كل مجلس، وذلك لإعداد مشروعات قوانين الاستفتاء والانتخابات.
خطوة للأمام وأخرى للخلف
نجحت لجنة 6+6،بعد سلسلة من الاجتماعات،في تحقيق خطوة هامة وايجابية،حين أعلنت في مايو الماضي، أن أعضاءها حققوا توافقا بشكل كامل، حول النقاط المتعلقة بانتخاب رئيس الدولة ومجلس النواب،وهي النقاط الرئيسية والأكثر أهمية والتي شكلت دائما حجر عثرة في طريق إجراء انتخابات في البلاد.
لكن التفاؤل الذي حملته هذه الخطوة،عاد للانحسار مجددا، مع عودة مشروعي القانونين إلى اللجنة،حيث اعترض مجلس النواب،على بعض النقاط وطالب بإدخال تعديلات عليها، منها المادة 12 والتي تنص على "أن تجرى انتخابات رئيس الدولة في جولتين، يتأهل الفائزان الأول والثاني في الجولة الأولى إلى الجولة الثانية بغض النظر عن نسبة الأصوات التي حققاها"، كما يطالب بضمان عودة العسكريين إلى مناصبهم في حال عدم فوزهم في الانتخابات.
من جهة أخرى،تزايدت المخاوف من تغير قادم في سياسات المجلس الأعلى للدولة بعد وصول محمد تكالة،والتي اعتبر البعض انها قد تصل حدّ حلّ لجنة 6+6 المشتركة وإلغاء عملها،وهو ما يعني إنهيار التوافقات وتبدد بارقة الأمل،في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.الأمر الذي يعني عودة البلاد الى مربع الخلافات والانقسامات،والتي ستتجدد معها حتما المواجهات العسكرية.
مخاوف حاول رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح تبديدها،حين أكد مهاتفته رئيس مجلس الدولة الجديد محمد تكالة،حيث دعاه للاستمرار في التواصل مع النواب للتوصل إلى توافق يفضي إلى انتخابات برلمانية ورئاسية، مشيرا أن تكالة أبدى استعداده للتفاهم والتواصل والعمل على الخروج بالبلاد من الأزمة الراهنة.
وأكد صالح في تصريحات تلفزيونية على قناة "روسيا اليوم"،الجمعة،أن التعديلات التي طالب بها مجلس النواب على القوانين الانتخابية،"مقبولة ولا يمكن الاختلاف حولها"،مشيرا إلى أنه يأمل من مجلس الدولة التجاوب مع هذه الملاحظات.
وبشأن تشكيل حكومة جديدة،شدد رئيس مجلس النواب على ضرورة وجود حكومة واحدة تتولى عملية الإشراف على الانتخابات القادمة، مستكملا: ما زلنا في انتظار الالية التوافيقة مع مجلس الدولة لاختيار آلية تشكيل الحكومة الجديدة.وعبر صالح عن رفضه لاستمرار حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة،واصفا مقترح دمج الحكومتين،بالمرفوض وغير وارد.
فشل سابق
لاشكّ أن خطوات التوافق الاخيرة تمثل خطوة هامة في المشهد الليبي،لكن التفاؤل بنجاحها يبقى رهين الحذر والشكّ،الذي تطرحه تجارب سابقة.فإتفاق 2021، المتعلق بإجراء الانتخابات والذي جاء في إطار تنفيذ خارطة طريق وُضِعت بوساطة من الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية،مثل الضوء الذي يلوح في نهاية نفق مظلم..
تعلقت حينها آمال الليبيين به في إنهاء الأزمة القانونية واجراء انتخابات تنهي الانقسامات،وسارع حينها أكثر من 2.5 مليون ليبي،للتسجيل في قوائم التصويت.لينتهي بهم الأمر وهم يشاهدون إنهيار الاتفاقية على يد من وثقوا فيهم،بل إن العملية أدت إلى تفاقم الانقسامات بدلًا من رأبها،مع تحول الأساس القانوني للانتخابات إلى موضع خلاف شديد.
المشهد السياسي الحالي،يبدو غير مشجع لاجراء انتخابات ناجحة،مع وجود حكومتين واحدة شرقا والأخرى غربا،ناهيك عن غضب ليبي متصاعد تجاه المبعوث الاممي،عبدالله باتيلي،وإتهامه بتجاوز صلاحياته وتأزيم الأوضاع،في مشهد يذكر بأسلافه السابقين،الذين عجزوا عن فك طلاسم الأزمة وإنتهى بهم الأمر للإستقالة وبالتالي الفشل.
يمثل الفشل في إجراء الانتخابات هذه المرة،خطرا كبيرا كونه سيؤدي غالبا إلى اندلاع دائرة جديدة من العنف خاصة وأن الأطراف المتنافسة مازالت تمارس عمليات الإستقطاب،في بلد يعج بالمجموعات المسلحة ذات الولاءات المختلفة،وتحيط به أزمات إقليمية،أخطرها الصراع الدائرفي النيجر الذي قد يفتح الباب أمام عودة التنظيمات الارهابية المتربصة على الحدود.