يمثل انتشار السلاح بين الليبيين معضلة حقيقية تواجه مساعي عودة الإستقرار وتجعل حالة من الانفلات الأمني تطغى على مختلف المدن الليبية يصعب معها فرض الأمن و إقامة أي عملية سياسية تسليحا.
ففي الوقت الذي تتواصل فيه المعارك حول العاصمة الليبية طرابلس وعلى أطرافها، بين الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، والقوات المنضوية تحت حكومة الوفاق، تتنازع مئات المجموعات المسلحة ذات الولاءات المتقلبة على النفوذ في ليبيا، وعجزت أي سلطة ليبية منذ 2011 عن ضبط المجموعات المسلحة ، وهو ما حول ليبيا إلى سوق رائجة لتجارة السلاح، من خلال شبكات حقيقية في غاية التعقيد، يعمل بها وينتفع منها ملايين الأشخاص.
وفي أكثر من مرة تسلمت قوات الوفاق أسلحة من تركيا بشكل غير معلن. لكنها اضطرت للكشف عن جزء منها، وهي على رصيف ميناء طرابلس، في تطور غلب عليه الطابع الاستعراضي في مواجهة الجيش الوطني، الذي يشن عملية عسكرية لـتطهير العاصمة من الجماعات الإرهابية. وقد أظهرت الصور التي بثتها الوفاق حينها عربات مدرعات تم تصنيعها في شركة "بي إم سي" التركية.
لكن مع تصاعد وتيرة الحرب دخلت أنقرة بثقلها على خط الحرب، من خلال مد قوات الوفاق بطائرات مسيرة عن بُعد، قبل أن يتصدى الجيش الوطني لهذه النوعية من الطائرات.
جدير بالذكر أن مجلس الأمن الدولي كان  قد حظر في مارس (آذار) 2011 بيع الأسلحة لليبيا، وطالب جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة منع بيع أو توريد الأسلحة ومتعلقاتها إلى ليبيا. كما أصدر قراراً آخر يسمح لتلك الدول بتفتيش السفن المتجهة إلى ليبيا، أو القادمة منها بهدف التصدي لدخول السلاح إلى ليبيا، إلا أن الواقع على الأرض أمر مختلف تماما.
إلا أنه لا توجد آلية تنفيذ للتحقق من السفن أو الرحلات الجوية التي تنقل شحنات أسلحة محتملة. والأسوأ من ذلك، أن هذا يحصل في وضح النهار حيث يتمّ تفريغ المركبات المصفحة على الأرصفة وتحلّق الطائرات المسلحة بدون طيار في السماء الآتية بوضوح من خارج ليبيا.
في ذات السياق،يناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، الاثنين، تفاصيل الخطوات التي يمكن اتخاذها لمراقبة حظر السلاح إلى ليبيا، بعدما عبرت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء حصول انتهاكات كثيرة لوقف إطلاق النار وحظر الأسلحة، وذلك بعد شهر من مؤتمر برلين الدولي الذي كان الهدف منه وضع عملية السلام على الطريق في هذا البلد.
يأتي هذا بعد أن اتفق المجتمعون في ميونيخ، الأحد، على أن تعقد لجنة المتابعة الدولية للأزمة الليبية لقاءات دورية، وأن تتناقل الدول المشاركة بها رئاستها.
وسترأسها إيطاليا بعد ألمانيا، على أن تستضيف روما الاجتماع المقبل، ثم الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي.
وتشكل مسألة السلاح المتفلت الذي ما زال يرد إلى البلاد من جهات خارجية، قضية مقلقة للبلدان المعنية، في ظل اتهامات عدة وجهت من قبل الجيش الليبي إلى تركيا بمساندة الفصائل والميليشيات المسلحة المتحالفة مع حكومة الوفاق في العاصمة طرابلس.
يذكر أن تقريراً للأمم المتحدة نشر في وقت سابق اعتبر أن ليبيا تضم أكبر مخزون في العالم من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة، محذرا من تأثير انتشار هذه الأسلحة على حياة المدنيين.
كما قدر التقرير المذكور حجم الأسلحة غير الخاضعة للرقابة بما بين 150 و200 ألف طن في جميع أنحاء البلاد.
من ذلك،يحذر مراقبون  من أن نشر من أن تدفق الأسلحة سيكون له تداعيات خطيرة؛ وبخاصة لأن استمرار استخدام تلك الأسلحة والتدريب عليها من شأنه أن يجعل قدرات الجماعات المسلحة الليبية أكثر تطوراً.
وعلاوة على ذلك، يؤدي تسويق تلك الجماعات استخدام أسلحتهم المتقدمة على الإنترنت إلى تعليم الجماعات المسلحة الأخرى. وكما حدث في أفغانستان في التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، وكذلك في الساحل عام 2010، فإن المتطرفين من الجماعات المسلحة الأخرى يأتون إلى ليبيا للحصول على التدريب.
فإذا باتت ليبيا بؤرة مركزية لتنامي خبرات المسلحين والتدفق المحتمل للأسلحة المتقدمة، فإن الجماعات الإقليمية القاتلة ستقود إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل متزايد. وكما كان الوضع بين عامي 2012 و2014 عندما عززت الأسلحة الليبية ترسانات الجماعات الإرهابية والانفصالية، يمكن أن تنتشر الأسلحة الخفيفة إلى الدول المجاورة لليبيا، التي يتصارع عدد منها مع الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة.