من المؤمل أن تفهم إيران أنها ليست بأي حال من الأحوال "استثنائية"، وأنه مهما بدا "عرض الغرب الرائع" مغريا، فإن على طهران أن تكون مستعدة تماما للخيانة، فجأة وبشكل كامل. وهذا الأمل بشأن الحذر الإيراني يقوم على افتراض أن طهران شاهدت وفهمت العملية الكاملة لتدمير ليبيا.

ليبيا أيضا وُعِدت بالتقارب مع الغرب فقط إذا تخلت عن تحالفاتها التقليدية، وأفرجت عن الآلاف السجناء الخطيرين - أعضاء منظمات إرهابية سيحشدون لاحقا ضد طرابلس - و "تعاونت" مع الغرب في إطار مجموعة متنوعة من المساعي الاقتصادية والعسكرية. ومع انجذاب ليبيا السريع إلى العراء، قام الغرب بسرعة بتسليح وتمويل السجناء الذين أقنع طرابلس بالإفراج عنهم، فيما وفر لهم الناتو الغطاء الجوي ، وقام بتدمير منهجي للدولة الليبية.

في النهاية، حوصر الزعيم الليبي معمر القذافي بمساعدة أصول عسكرية فرنسية وأمريكية، وقتل بوحشية على جانب الطريق من قبل متطرفين سيشكلون لاحقا نواة ما يسمى بـ "الدولة الإسلامية " في ليبيا. والنتيجة اليوم، أن ليبيا كدولة وأمة فاعلة لم يعد لها وجود. وبعد عمليات التطهير والإبادة الجماعية واستمرار الحرب الداخلية، باتت البلاد منقسمة وبرأسين وجحافل من الجماعات المسلحة التي تعتاش على الفوضى.

في ظل أمة مقسمة ، تغزو وتحتل الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون تدريجيا ما تبقى في ليبيا، عبر الاستيلاء على ثروات النفط السابقة. ليبيا، كما هو قائم اليوم، ستظل في الغالب ضعيفة و تحت السيطرة الغربية لعقود قادمة - وهذا ربما وضع لا يختلف كثيرا عما كانت عليه قبل الإستقلال، أي تحت سيطرة أوروبية (بريطانية ، إيطالية،فرنسية).

إيران اتبعت هي الأخرى مسارا مماثلا : من مرحلة إخضاعها مباشرة من قبل المصالح الأنجلو أمريكية ، إلى مرحلة دولة مستقلة ، لكن محاصرة من قبل "الأسياد الاستعماريين" السابقين الساعين لاستعادة ممتلكاتهم المفقودة. ومثل ليبيا، يجري جر إيران إلى العراء. مع رفع العقوبات، ستغرق المواد الهيدروكربونية الإيرانية الأسواق الدولية، بما يضعف حلفاء إيران في موسكو وبكين. وعندما يحين الوقت المناسب، سيتم تشغيل "الاتفاق النووي" ضد طهران، دون أن تكون موسكو أو بكين في وضع يمكنهما من مساعدة طهران، وسوف تقع الدولة تماما كما انهارت ليبيا.

صناع السياسة الأمريكيون صاغوا حرفيا، ووقعوا، مؤامرات موثقة لاستخدام "عرض رائع" ليس لاستعادة العلاقات مع إيران، ولكن لأجل تقويض إيران وتدميرها. وهذا ما قام به صناع السياسة الأميركيون بالضبط مع ليبيا.

في لعبة الجغرافيا السياسية، لا يمكن أن يكون المأزق الإيراني الحالي أكثر وضوحا ولا أي أكثر خطورة. ليست هذه هي بداية فصل جديد مفعم بالأمل بين العلاقات الإيرانية والغربية. إن المرحلة لا تعدو أن تكون تحولا في التكتيكات والتصور العام والتي من شأنها أن تجلب معها مجموعة جديدة من التحديات لطهران وحلفائها.

الإرهابيون المدعومون من الغرب، هم جزء من نفس الخنجر الذي وضع في السابق في ظهر ليبيا. هذا "العرض رائع" من قبل الولايات المتحدة لطهران يرمي للإجهاز على الحرس الايراني وبالتالي على الدولة الإيرانية.