تعتبر إيطاليا احدى أبرز الدول حضورا في ليبيا، ومنذ إندلاع الأزمة، سعت روما إلى تحسس طريقها داخل ليبيا وعدم تهميش دورها في العملية السياسية فيها، وإلى الحفاظ على مصالحها النفطية، وضمان إدارة عملية مكافحة تهريب اللاجئين. لكن دخول العديد من القوى الدولية وعلى رأسها فرنسا بات يدفع يطاليا نحو مزيد من التحركات لتفعيل دورها في مستعمرتها القديمة.
وتصر إيطاليا بشكل كبير للمضي قدما لعقد المؤتمر الدولي حول ليبيا،الذى تقول الحكومة الإيطالية أن الهدف منه هو جمع أكبر عدد ممكن من المعنيين بالشأن الليبي من الأطراف الليبية والدولية، لوضع أسس وأرضية لبسط استقرار مستدام في البلاد، ومساعدة المواطنين الليبيين والمجتمع المدني في نفس الوقت.ويبرز هذا الإصرار من خلال تكثيف من تحركاتها في محاولة لكسب دعم دولي واسع لنجاح المؤتمر.
** مشاورات
إلى ذلك، قال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، أن المؤتمر الدولي حول ليبيا الذي تستضيفه بلاده في نوفمبر المقبل، هو محاولة للمساهمة في استقرار ليبيا. وأضاف كونتي، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأربعاء أن المؤتمر لن يحل كل المشاكل والصراعات في ليبيا، ولكن بلاده تريد له أن يشكل فرصة ذات فائدة لمصلحة الشعب الليبي.
وقبل ذلك، أجرى وزير الخارجية الإيطالي إينزو ميلانيزي اتصالات مكثفة مع المشاركين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك تركزت على الأعمال التحضيرية لمؤتمر ليبيا الدولي المقرر عقده في صقلية نوفمبر القادم. ووفقا لما ذكرته وكالة آكي فإن تحرك ميلانيزي يهدف إلى تحقيق هدفين هما إشراك أمريكا على أعلى المستويات وإقناع وزير خارجيتها بحضور المؤتمر وتجاوز التناقضات مع فرنسا وضمان حصول تعاون كامل مع قبل رئيسها إيمانويل ماركون.
وأشارت آكي إلى أن الحكومة الإيطالية انتهزت فرصة الحضور الدولي في نيويورك لإجراء عدة لقاءات ثنائية بشأن الأزمة الليبية التي قالت إنها تبقى الأولوية الجيوسياسية بالنسبة لروما.وكانت وزارة الخارجية الإيطالية أكدت في بيان لها مؤخرا أن المؤتمر الدولي من أجل ليبيا والذي سينطلق في نوفمبر القادم يهدف للدفع بعملية المصالحة الوطنية ضمن الإطار الذي حددته الأمم المتحدة.
** مباركة أمريكية
وبدأت السلطات الإيطالية حملة دبلوماسية لكسب الدعم الخارجي إقليميا ودوليا لهذا المؤتمر، حيث تسعي للحصول على موقف إيجابي من الولايات المتحدة.وكشف رئيس وزراء إيطاليا جوزيبي كونتي رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حضور المؤتمر الدولي حول ليبيا.حيث أبلغ الصحفيين الإيطاليين المرافقين له، خبر حضور ترامب المؤتمر الدولي حول ليبيا إذا ما سمحت له الانتخابات النصفية الأمريكية المقررة في نوفمبر.
وأضاف رئيس وزراء إيطاليا، أن إدارة ترامب تولي أهمية خاصة للحوار الاستراتيجي بين دول المتوسط، مشيرا إلى أنه بحث مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأزمة الليبية معربًا عن أمله في حضور الأخير لمؤتمر صقلية.
وكان كونتي قد أعلن، في أغسطس الماضي، خلال لقاء جمعه بدونالد ترامب، عن مباركة أمريكية لمؤتمر روما، وقال كونتي إنه "بالاتفاق مع الرئيس الأمريكي، أعتزم تنظيم مؤتمر بشأن ليبيا، ونود التعامل مع كل القضايا المتعلقة بالشعب الليبي ومناقشتها، ويشمل ذلك كل الأطراف المعنية والفرقاء في منطقة البحر المتوسط بأسرها".
وأوضح المسؤول الإيطالي أن "ترامب وافق على أن تصبح إيطاليا "مرجعا" في أوروبا والمحاور الرئيسي بخصوص القضايا الأساسية التي ينبغي التصدي لها، فيما يتعلق بليبيا بشكل خاص"، مضيفا: "المؤتمر سيناقش الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وحماية الحقوق المدنية ومشكلة العملية الدستورية". مشيرا إلى أن "بلاده من خلال المؤتمر المرتقب ستساهم في مساعدة ليبيا في سن وإقرار القوانين؛ من أجل الوصول إلى انتخابات ديمقراطية في حالة من الاستقرار التام"، وفق كلامه.
واعتبر ترامب الدور الإيطالي ريادياً في جهود إعادة الاستقرار إلى ليبيا، وقال إن جهودها كانت "رائعة" في تهدئة الأوضاع. ووصف إيطاليا بأنها "حملت عبئاً ثقيلاً عن أوروبا" وأضاف:"رئيس الوزراء وأنا لدينا قناعة واحدة أن الأمم القوية يجب أن يكون لها حدود قوية، لدينا التزام قوي بحماية مواطنينا وجودة حياتهم".
وتأمل ايطاليا حضور ترامب شخصياً لترجيح الكفة لصالحها في ليبيا في مواجهة فرنسا، حيث تعتبر الأوساط الإيطالية أن الدعم الأمريكي للمؤتمر القادم يعتبر كسب جولة حاسمة ضد فرنسا المتنافسة معها على إدارة الأزمة الليبية، وحيث تدعو باريس إلى الإسراع في تنظيم انتخابات عامة ورئاسية في ليبيا وهو ما ترفضه إيطاليا.
** دعم مصري
وعلى هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إجتمع رئيس الوزراء الإيطالي كونتي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وأكدت وكالة (آكي) الإيطالية،نقلا عن مصادر برئاسة مجلس الوزراء الإيطالي، بأن الرئيس المصري أبدى، خلال اللقاء، مساندته للمؤتمر الدولي حول ليبيا، التي تعمل السلطات الايطالية على استضافته في 2 نوفمبر المقبل.
ونقلت الوكالة عن رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي بحسب موقعها الإلكتروني، إنه تحدث مع الرئيس السيسي وكان على علم بالفعل بالمؤتمر التي تستضيفه روما قريبا من أجل تعزيز الوضع في ليبيا، وأبدى مساندته لانعقاد المؤتمر. وأوضح كونتي أن بلاده تعمل على أن يشكل المؤتمر فرصة ذات فائدة لمصلحة الشعب الليبي، دون أي ادعاء بتقديم حلول جاهزة، وأنه لن يكون ترياقاً لكل المشاكل، ولكن يمكن أن يساهم في استقرار ليبيا.
وكان سفير القاهرة لدى روما هشام بدر، قال في وقت سابق، إن مصر مستعدة للعمل مع إيطاليا من أجل إحلال "الاستقرار والأمن في ليبيا". ووصف السفير المصري في تصريح لدى لقائه صحافيين في ختام الندوة حول فرص الاستثمار للشركات الإيطالية الصغيرة والمتوسطة، التي عقدت في سفارة القاهرة بروما، 13 سبتمبر 2018، المؤتمر الذي تزمع إيطاليا تنظيمه في النصف الأول من نوفمبر المقبل في صقلية، بـ"المهم للغاية".
وفي أغسطس الماضي، رحب وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال جلسة مباحثات مع وزير الخارجية الإيطالي إنزو موافرو ميلانيزى، بالتعاون مع الجانب الإيطالي للتوصل إلى صيغة شاملة تحقق الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا، وتواجه الإرهاب، وتعيد بناء مؤسسات الدولة الليبية، وتعالج الخلل القائم في توزيع الموارد بين المناطق الليبية المختلفة، وتتيح إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في أقرب فرصة.
وأكدت صحيفة "الصولي -24 اوري" الصادرة في ميلانو، حينها أن أهم نتيجة لزيارة وزير الخارجية الإيطالية الأخيرة للقاهرة، هو تسجيل تقارب إيطالي مصري حول إدارة الأزمة الليبية، وابتعاد مصري عن الموقف الفرنسي. وأوضحت الجريدة أن حصول روما على دعم القاهرة يعتبر حاسمًا، بعد الدعم الأميركي للموقف الإيطالي.
واعتبرت الصحيفة أن التقارب المصري الإيطالي يعد حاسمًا، مضيفةً أن مصر تدعم موقف إيطاليا الذي يعتبر أن الانتخابات لا يمكن إجراؤها دون توفر الظروف لذلك. وكشفت الصحيفة أن مؤتمر روما سيعقد خلال شهر نوفمبر المقبل، أي قبل شهر من الموعد الذي حددته فرنسا لإجراء الانتخابات الليبية. موضحةً أن فرق عمل مصرية إيطالية ستجتمع بانتظام للإعداد للمؤتمر.
** تضارب مصالح
وتتضارب رؤيتا فرنسا وإيطاليا بشأن ليبيا، ففي حين تصر باريس على ضرورة إجراء الانتخابات كحل أخير لتوحيد مؤسسات الدولة التي عجزت المفاوضات عن توحيدها -وهو ما عكسه مؤتمر باريس الذي حدد العاشر من ديسمبر المقبل موعدا لإجراء الانتخابات- تصر إيطاليا على ضرورة استمرار المسلسل التفاوضي وإصدار دستور للبلاد أولا.
ودعا إيمانويل ماكرون الثلاثاء المجتمع الدولي إلى إنهاء انقساماته حول ليبيا إذا ما أراد إخراج هذا البلد من أزمته، في رسالة موجّهة بشكل خاص إلى إيطاليا. وقال إيمانويل ماكرون من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة "لن نمنح الليبيين سبل الخروج من الأزمة إذا استمرينا في انقسامنا، إذا أصبحت ليبيا، كما هي في الكثير من الأحيان، ميداناً تتواجه فيه التأثيرات الأجنبية.
وتتهم إيطاليا، فرنسا بمحاولة التفرّد بمعالجة الأزمة الليبية، وكان رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبه كونتي، هاجم سياسة الرئيس الفرنسي في ليبيا قائلا: "ماكرون سيكون مخطئا فيما لو اعتقد أن ليبيا تخصه، فليبيا ليست له ولا لنا، بل هي دولة مستقلة لها علاقة مميزة تاريخيا مع إيطاليا أيضا، ولن نتخلى عنها أبدا".".
واتهم وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني -زعيم اليمين المتطرف والرجل القوي في الحكومة الإيطالية- فرنسا بأنّها "تعرّض كل شمال أفريقيا، وبالتالي أوروبا، للخطر” بسبب "دوافع اقتصادية قومية" في ليبيا.
وبدورها حذرت وزيرة الدفاع الإيطالية، إليزابيتا ترينتا، السلطات الفرنسية من تدخلها في الشأن الداخلي للدولة الواقعة في الشمال الأفريقي. ونقلت صحيفة "الجورنال" الإيطالية، تأكيدها أن بلادها هي الدولة القادرة على قيادة الدولة الليبية وأن القيادة بيد "إيطاليا" فيما يتعلق بالحالة الليبية. وقالت الصحيفة إن الوزيرة الإيطالية قالت لنظيرتها الفرنسية، فلورنس بارلي، على هامش الاجتماع الوزاري بمقر الناتو في بروكسل: "لنكن واضحين.. القيادة في ليبيا لنا".
وبالرغم من التعقيدات التي دخلت على المشهد الليبي،والتي أكدتها الإشتباكات العنيفة التي شهدتها العاصمة الليبية مؤخرا، لا تزال القوى الدولية تسعى لإنجاح مبادراتها المقترحة خاصة بعد فشل مبادرات وإجتماعات سابقة عجزت عن إنهاء الأزمة في هذا البلد الممزق. ويرى الكثير من المتابعين للشأن الليبي، أن الحل يجب أن يكون من الداخل وأن التدخل الخارجي لا يزيد إلا في تأزيم الوضاع خاصة في ظل التجاذبات التي تحركها مصالح القوى لمتدخلة في ليبيا.