رذاذ أمواج المحيط الأطلسي، ولسعات رياح مدينة الصويرة الساحلية (غربي المغرب)، تآلفت مع صيحات رجل أفريقي، تروي أهازيجه الممتزجة بألحان آلة الكمان الغربية وآلة الرباب الأمازيغية، معاناة سنوات الرق، في لوحة فنية، بأول عروض افتتاح الدورة السابعة عشر لمهرجان "الصويرة كناوة وموسيقى العالم" العالمي.
العرض قدمته إحدى أشهر فرق فناني موسيقى كناوة "حسن بوسو"، إلى جانب عازف الكمان الفرنسي "ديديي لوكوود"، وعازف آلة الرباب الأمازيغية "فولان".
حفل الافتتاح الذي انطلق بأداء هذا "المزج الموسيقي" بين فرقة تراثية تنتمي لفن الكناوة الشعبي، وعازفين غربيين أجانب، وعازف على إيقاعات أمازيغية خالصة، حضره عدد من وزارء الحكومة المغربية، في مقدمتهم وزير الثقافة المغربي محمد أمين الصبيحي، ووزير السياحة المغربي لحسن حداد، إلى جانب المستشار الاقتصادي للعاهل المغربي الملك محمد السادس "أندري أزولاي" إضافة إلى عدد من الشخصيات السياسية والثقافية الأجنية والمغربية.
واعتبر وزير الثقافة المغربي، محمد أمين الصبيحي، أن إقامة هذا مهرجان، "يؤكد أن مدينة الصويرة التي صنفتها منظمة "اليونسيكو" تراثا عالميا إنسانيا، اختارت أن تخاطب العالم عبر الثقافة، ومن خلال استحضار الموروث الحضاري المشترك بين مختلف الأديان والثقافات".
فيما أكد وزير السياحة المغربي، لحسن حداد، أن المهرجان الذي يحتفي بهذه الموسيقى الروحية ذات الأصول الإفريقية، يتجاوز كونه استثمارا مهما على الصعيد السياحي تحقق من خلاله المدينة عائدات سياحية، إلى اعتباره "استثمارا معنويا وثقافيا" يسهم في جعل المغرب ساحة للحوار الثفافي والتعايش الحضاري بين مختلف الروافد الثقافية.
وإلى جوار وقع صيحات "المعلم الكناوي" (قائد الفرقة) التي تعالت في سماء مدينة الصويرة، معلنة انطلاق المهرجان، ومرفوقة بنغمات آلة الهجهوج (آلة وترية مغربية)، و"القراقب" (آلة موسيقية شعبية)، أضفت نغمات آلة الرباب الأمازيغية، التي برع في أدائها الفنان الأمازيغي "قلان"، وعزف آلة الكمان بحرفية من قبل الفرنسي "ديديي لوكوود" حماسة خاصة على الحفل الذي شهده الآلاف ممن احتشدوا في ساحة المدينة.
وتتميز مدينة الصويرة، بكونها المعقل الروحي لكناوة في المغرب، الذين اعتنقوا الإسلام في ديارهم الجديدة، وأبدعوا موسيقى صوفية تمزج بين الموروث الأمازيغي والعربي والأفريقي.
ويعتبر مهرجان "الصويرة كناوة وموسيقى العالم" أحد أبرز المهرجانات الفنية والثقافية التي تقام في المغرب في فصل الصيف.
وتعد موسيقى كناوة، صنفا من الموسيقى الدينية الروحية اشتهر بها الزنوج المغاربة الذين استقدموا ألحانها وآلات العزف عليها من الموروث الشعبي الأفريقي، وكثير من إيقاعاتها تشبه موسيقى القبائل الأفريقية في مناطق جنوب الصحراء، لكنها تؤدى بكلمات عربية تدور أغلبها حول تيمات روحية ودينية.
ولعقود، عاشت موسيقى "كناوة" الصوفية كلحن مغمور في أزقة مدينة الصويرة (جنوب المغرب) ودروبها العتيقة، وبعد سنوات، جعل منها "مهرجان كناوة ..موسيقى العالم"، الذي تحتضنه المدينة، موسيقى عالمية، تنافس موسيقى الجاز، وتصنف في خانة الإيقاعات الروحية لشعوب العالم.
كلمات الأغاني الكناوية العربية، ترتدي عباءة اللحن الأفريقي، وتغنى على إيقاع الأهازيج التي كان يرددها القادمون من أفريقيا في احتفالات قبائلهم، وحين ترحالهم مع القوافل التي تجتاز الصحراء في رحلات التجارة التي كانت تقصد أفريقيا بحثا عن المواد الأولية والذهب والملح وغيرها.
وتعود الأغاني الكناوية لدى العديد من القبائل الإفريقية إلى أساطير قديمة حملها المهاجرون إلى المغرب في رحلات هجرة قسرية حينا وطوعية حينا آخر، حيث يقول المعلمون الكناويون إن هذه الموسيقى هي إرثهم الخاص.
وتعرف مدينة الصويرة، المدينة الساحلية على المحيط الأطلسي أو "موكادور"، (من الفينيقية موكدول وتعني القلعة الصغيرة)، إقبالا من السياح المغاربة الذين يأتون من مدن أخرى أو سياح من دول أخرى.
وانطلقت، اليوم الخميس، فعاليات مهرجان "الصويرة كناوة وموسيقى العالم" في دورته السابعة عشر والمقامة حتى 15 يونيو/حزيران الجاري في مدينة الصويرة.
وحسب المنظمين، استقبل المهرجان في دورته السابقة، حوالي نصف مليون زائر خلال أربعة أيام.
وعرفت مدينة الصويرة بالتعايش بين المسلمين واليهود على مدى قرون، أنتج تراثا حضاريا ومعماريا يميز المدينة الساحلية.
ويشكل المهرجان، حسب المنظمين، تجربة موسيقية فريدة، إذ تجمع خليطا متناغما من التراث الكناوي الغني ومختلف موسيقى العالم، تمت برمجتها في 30 عرضا موسيقيا على ستة أماكن طيلة مدة المهرجان.
ويستقبل معلمي كناوة العشرون أسماء كبيرة في عالم الجاز وموسيقى العالم، من أجل الإقامات الفنية، والحفلات الموسيقية والمزج الموسيقي المتميز المعروف ب "الفيزيون" بمشاركة فنانين وفرق من مدن مغربية، ودول الولايات المتحدة ، وألمانيا، وفرنسا، ولبنان ودول جنوب الصحراء.
وبالموزاة مع المهرجان، تتميز الدورة الحالية، بتنظيم منتدى "أفريقيا المستقبل" الذي يقام بتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان. ويعرف مشاركة شخصيات بارزة وأساتذة جامعيين وباحثين وسياسيين سيناقشون قضايا تهم القارة السمراء.
كما يقام على هامش المهرجان، منتدى للنقاش تحت عنوان "شجرة الكلمات" يتم خلاله تبادل النقاشات بين الكناويين وضيوفهم من الموسيقيين عبر العالم، وتعطى الفرصة للجمهور لطرح الأسئلة والمساهمة في إثراء النقاش.
وتعرف المدينة أيضا تنظيم معارض فنية لتسليط الضوء على فنانيين تشكيليين.