رغم عداء أنقرة وخصومتها للرئيس السوري بشار الأسد منذ فترة طويلة، يقول مسؤولون أتراك إن بلادهم تجري، عبر قنوات سرية، اتصالات مع الحكومة السورية لتفادي المواجهة المباشرة في شمال شرق سوريا، أين ينشر الجانبان قواتهما.
ويدعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المعارضين المسلحين الذين حاربوا لإسقاط الأسد في الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ 8 أعوام.
ووصف أردوغان الأسد بإرهابي ودعا إلى الإطاحة به من الحكم، وهو أمر كان يبدو ممكناً في وقت باكر من زمن الحرب.
لكن روسيا وإيران ساعدتا الأسد في قلب وجهة الصراع، ومع انسحاب القوات الأمريكية الآن من شمال شرق سوريا، تندفع قوات الأسد المدعومة من روسيا عائدة إلى المنطقة بعد أن دخلتها القوات التركية من الشمال.
اتصالات سرية
ويقول ثلاثة مسؤولين أتراك إن الجانبين، مدفوعين بالحرص والحذر، أقاما قنوات اتصال سواء في شكل اتصالات عسكرية ومخابراتية مباشرة، أو بالرسائل غير المباشرة عبر روسيا للحد من خطر المواجهة.
وقال مسؤول أمني تركي: "نحن على اتصال مع سوريا حول المسائل العسكرية والمخابراتية منذ فترة لتجنب أي مشاكل في أرض الميدان".
وأضاف أن أول اتصال كان حول التصعيد في شمال غرب سوريا، وهي حالة منفصلة عما يجري في الشمال الشرقي الآن، وذلك عندما شنت قوات سورية مدعومة من روسيا، في وقت سابق من هذا العام، هجوماً في إدلب، التي تنتشر بها قوات تركية.
وأضاف المسؤول "التواصل مع سوريا يكون إلى حد كبير عبر روسيا، لكن هذا الاتصال كان يجرى بشكل مباشر بين تركيا وسوريا في بعض الأحيان لتجنب الدخول في مواجهة مباشرة بين الجنود السوريين والأتراك".
الأسد يسيطر
وفي الوقت الذي تصر فيه الحكومة التركية على ثبات موقفها من الأسد، تعكس الاتصالات الأمنية مع دمشق حقيقة متنامية ولا يمكن لأنقرة تجاهلها، وهي استعادة الرئيس السوري لسيطرته على البلاد.
ويشير موقف روسيا الوسيط أيضاً إلى الدور المركزي الذي تلعبه موسكو، أقوى حلفاء الأسد، في سوريا منذ أن قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنه سيسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا.
ويجتمع أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود اليوم الثلاثاء، في محادثات من المحتمل أن تحدد ملامح الخطوات المقبلة في شمال شرق سوريا.
وقال مسؤول تركي كبير: "سنتلقى أيضاً معلومات عن وجهة نظر سوريا والخطوات التي ستتخذها خلال الاجتماع مع بوتين".
ورفض الكرملين التعليق على الأمر بأي شكل.
المنطقة الآمنة
شنت تركيا هجومها عبر الحدود في 9 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، لإقامة "منطقة آمنة" بعمق حوالي 30 كيلومتراً بطول 440 كيلومتراً على الحدود، لطرد القوات الكردية والاستعداد لتوطين مليوني لاجئ سوري تستضيفهم حالياً.
وركز الهجوم التركي، المتوقف الآن لمدة خمسة أيام تنتهي في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، على بلدتين على الحدود السورية، هما تل أبيض ورأس العين، اللتين تقعان تقريباً في منتصف الشريط الحدودي الذي تستهدفه تركيا.
وقالت قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد يوم الأحد إنها انسحبت من رأس العين، وقالت تركيا إنها أصبحت تسيطر على البلدة الأخرى، تل أبيض.
ولكن على مسافة أبعد إلى الغرب، تنتشر القوات السورية والروسية بالفعل في مدينتي منبج، وكوباني الحدوديتين، وكلتاهما داخل "المنطقة الآمنة" التي تريدها تركيا.
وقال أردوغان في الأسبوع الماضي إنه قد يقبل دخول القوات السورية إلى منبج إذا أُزيحت وحدات حماية الشعب الكردية منها.
وتمثل الوحدات القوة القتالية الرئيسية في قوات سوريا الديمقراطية، وتعتبرها أنقرة جماعة إرهابية.
وقالت القوات التي يقودها الأكراد، والتي كانت الشريك الرئيسي لواشنطن في معركة القضاء على تنظيم داعش في سوريا، في الأسبوع الماضي إنها أجرت محادثات مع دمشق لمحاولة وقف التقدم التركي.
المبعوث الروسي
ورغم دعمهما لجانبين متعارضين في الصراع السوري، اقتربت أنقرة وموسكو من بعضهما البعض بشكل أكبر، وتعززت علاقاتهما بمشاريع الطاقة المشتركة، وشراء تركيا لدفاعات جوية روسية، الأمر الذي أثار غضب الولايات المتحدة، حليفة أنقرة في حلف شمال الأطلسي.
وفي الوقت الذي توصل فيه أردوغان ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس إلى هدنة مفاجئة في سوريا، تحت وهج الكاميرات والأضواء الساطعة لوسائل الإعلام الدولية يوم الخميس، كان مبعوث روسيا إلى سوريا يجتمع في هدوء مع مساعد أردوغان للأمن القومي، في جزء آخر من القصر الرئاسي.
وذكرت وسائل الإعلام السورية أن المبعوث ألكسندر لافرنتييف التقى بالأسد في دمشق في اليوم التالي، دون أن توضح إذا نقل له رسالة من أنقرة.
وقال مسؤول تركي ثالث، إن محادثات لافرنتييف في تركيا ركزت على الاستعدادات لاجتماع أردوغان وبوتين.
وتتعاون تركيا وروسيا بشكل أوثق حول سوريا، منذ اتفاقهما قبل عامين على العمل مع حليفة الأسد الأخرى، إيران، على احتواء القتال.
وتقول تركيا إنها تريد انتخابات حرة في سوريا تحت إشراف الأمم المتحدة، وأنها ستعمل مع من يصل إلى السلطة، أياً كان، عبر تصويت نزيه.
وتوقفت أيضاً عن الدعوات، التي كانت تكررها في السابق، إلى رحيل الأسد، رغم أن مسؤولين يقولون إن هذا لا يشير إلى أي تحول في الموقف.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في الأسبوع الماضي: "وقت الضرورة، تجري بالطبع اتصالات مع سوريا حول أمور المخابرات وتبادل المعلومات وأشياء أخرى.. لكن لا يوجد اتصال على الإطلاق على المستوى السياسي".