جاء الاتفاق بين مجلس النواب الليبي والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بوقف إطلاق النار والعودة الى المسار السياسي نحو تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في الربيع القادم، ليطيح بمشروع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في ظل دعوة الطرفين إلى خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، وتأمين سرت والجفرة بقوات شرطية نظامية من مختلف مناطق البلاد.

ووفق البيانين الصادرين عن الطرفين المتنازعين، فإن وقف إطلاق النار سيتزامن مع عودة ضخ النفط الليبي الى الأسواق الخارجية، على أن تودع إيراداته في حساب بالمصرف الليبي الخارجي وتبقى في حالة تجميد الى حين التوصل الى الحل السياسي، وهو ما سيقطع حبل تمويل الميليشيات الخارجة عن القانون وجماعات المرتزقة والإرهابيين.

وتحقق الاتفاق بضغوط أمريكية على الطرفين، وضمانات من واشنطن، ودول أخرى، على الدفع نحو تسوية سياسية وفق مخرجات مؤتمر برلين وإعلان القاهرة، وهو ما يصر عليه البرلمان ويدعمه الجيش الوطني، وكان وزير الخارجية الألماني قد أبلغه الإثنين الماضي الى سلطات طرابلس في خطاب واضح نقل من خلال وجهة النظر الأمريكية المدعومة أوروبيّا.

وكان بيان البرلمان الليبي الذي يتخذ من شرق البلاد مقرا له، أكثر قوة ووضوحا في الكشف عن نقاط الاتفاق الحاصل برعاية دولية، حيث أشار فيه الى الاتجاه نحو تشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة وحدة وطنية، وهو ما تم التنصيص عليه في إعلان القاهرة، مع إضافة بند مهم وهو ممارسة عملهما من مدينة سرت، وقطع الطريق أمام التدخل الخارجي.

كما كان لافتا، حديث السراج عن إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، الأمر الذي يفسره المراقبون بقوة الضغوط التي مورست على حكومة الوفاق لإخراج قوات النظام التركي ومرتزقته من ليبيا، حيث إن أغلب الدول المؤثرة إقليميا ودوليا ترفض وجود قوات خارجية داخل الأراضي الليبية وسبق أن نددت سرا وعلنا بالتدخل التركي السافر.

كما يشير المراقبون الى أن مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالترحيب بالبيانات الصادرة عن المجلس الرئاسي ومجلس النواب في ليبيا بوقف إطلاق النار في كافة الأراضي الليبية، تكشف عن أهمية الدور المصري في التوصل الى حل سياسي لا يمكن أن يتحقق في ظل احتلال خارجي لأي جزء من الخارطة الليبية، كما تكشف أن القاهرة كان لها دور مهم الى جانب حلف الاعتدال العربي في التوصل الى ما تم الإعلان عنه.

ولا يمكن الحديث عن ترحيب مصري بقرار لا يكون في مصلحة ليبيا وجيشها الوطني الذي تقف في مقدمة داعميه، وتدافع عن موقعه كقوة نظامية وطنية تدافع عن سيادة وطنها، وتصون وحدته الترابية وتحارب الإرهاب والجماعات الخارجية وتواجه الأطماع الخارجية.

ووفق مصادر مطلعة، فإن الضمانات الأمريكية أعطيت لجميع الأطراف بعدم إقدام أي طرف منها على تجاوز التفاهمات الحاصلة، مع لجم تام لمرتزقة أردوغان والبدء في ترحليهم، والانطلاق في مشروع تفكيك الميليشيات بغرب البلاد، والسعي نحو إدماج القوات العسكرية النظامية الموجودة تحت إمرة حكومة السراج في الجيش الوطني الليبي، وبالاتجاه نحو سياسي سيكون من بين مقدماته الدخول في مصالحة وطنية شاملة.

ويعتبر الاتفاق الحاصل أمس هزيمة نكراء للمشروع التركي في ليبيا، حيث إن أنقرة التي كانت لا تكف عن قرع طبول الحرب في سرت والجفرة، وتعمل على بسط نفوذها على مناطق الثروة وبخاصة الهلال النفطي، لم يعد أمامها إلا الوقوف على الأمر الواقع، حيث لا مجال لمحاولات ابتزاز حكومة الوفاق بعد اليوم، كما لا مجال الى المزيد من الدفع نحو التوتر لفرض أجندتها للحل.