يمثل اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أبرم أمس الأربعاء، بين جملة أطراف الأزمة في أفريقيا الوسطى في إطار "منتدى برازافيل للسلام في أفريقيا الوسطى" نجاحا سياسيا، على الرغم من بعض نقاط الضعف التي تشوبه.

وتمخضت جملة اجتماعات أطراف الأزمة في إفريقيا الوسطى على توقيع اتفاق لوقف الأعمال العدائية بين مختلف الجماعات المسلحة في ظرف الـ 72  ساعة المقبلة وهي الأنتي بالاكا (ميليشيات مسيحية) والفصائل الـ 7 للسيليكا (تحالف سياسي وعسكري بأغلبية مسلمة) بالإضافة إلى 3 جماعات مستقلة مسلحة.

ويتضمن الاتفاق رفع جميع الحواجز التي تعيق المرور وحذف جميع الإدارات الموازية.

ويستهدف هذا الإجراء خصوصا الإدارة العسكرية التي أحدثت خلال مؤتمر السيليكا، الحركة التي قامت بإقامة وتوطين قيادة أركانها مع مطلع مايو/أيار الماضي في بامباري (شرق).

ويقضى الاتفاق، الذي أطلع  مراسل الأناضول على نسخة منه، بـ"وقف إطلاق النار بين الميليشيات المسلّحة الرئيسية في أفريقيا الوسطى"، و"تجميع كل مقاتلي المجموعات الموقّعة على الاتفاق في غضون 45 يوما"،  تمهيدا لإنشاء برنامج لنزع السلاح ووقف التعبئة.

من جهة أخرى، سيتم إعادة إدماج العناصر المسلحة المنتمية خصوصا لحركة السيليكا في صفوف قوات جيش إفريقيا الوسطى النظامية.  

وشهد منتدى برازافيل (عاصمة جمهورية الكونغو) للسلام في إفريقيا الوسطى مشاركة جملة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.

وأفضت جملة المحادثات إلى برنامج إعادة إطلاق الحوار الوطني ومسار المصالحة بإشراف "لجنة الحقيقة والمصالحة".

ويعد الاتفاق نجاحا لدول المنطقة ولمنظماتها ومن ضمنها "المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الوسطى"  (CEMAC) التي قامت برعاية مسار برازافيل، بهدف ضمان مسار سلام لوقف صراع، يهدد أمنها بدرجة أولى.

وتضم المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الوسطى كل من الكاميرون وأفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو، وتشاد وغينيا الاستوائية والجابون.

وسيمكن اتفاق وقف إطلاق النار التمهيدي لنزع سلاح الجماعات المسلحة، من توفير ظروف انتشار آمن لقوات "مينوسكا" الأممية، بعد أن كان نزع السلاح المهمة الرئيسية للقوات الدولية المنتشرة منذ مطلع 2014 تحت القيادة الأممية.

الاتفاق يعتبر أيضا إنجازا سياسيا لسلطات إفريقيا الوسطى التي نجحت في حمل ممثلي السيليكا والأنتي بالاكا على الجلوس إلى طاولة حوار واحدة، بحسب مراقبين.

في المقابل، يشكو الاتفاق من 5 نقاط ضعف لعل أولها مدى قدرة قادة الجماعات المسلحة على السيطرة على عناصرها، على غرار الأنتي بالاكا التي يعيق طابعها الشعبي والتلقائي إمكانية فرض الانضباط في صفوفها.

السيليكا من جهتها، وعلى الرغم من إطلاق إسم جديد عليها، "الجبهة الشعبية لانبعاث إفريقيا الوسطى"، تتميز الأوضاع داخلها بالغموض كون أعضاءها يركضون وراء مصالح مختلفة وأحيانا متباينة.

رعاة الـ "بوول"، إحدى مكونات السيليكا، على سبيل المثال  لهم طموحات خاصة ومختلفة عن الأهداف السياسية لقادة التنظيم تمتاز بتشعباتها الإقليمية.

نقطة الضعف الثانية في الاتفاق تتمثل في ضلوع بعض من قادة الجماعات المسلحة في جرائم حرب واحتمال تتبع القضاء الوطني والدولي لهم، وهؤلاء يجدون أنفسهم في موقع يسمح لهم بمناقشة احتمال تقلد مناصب سياسية هامة، أو الإفلات من العقاب، مقابل مشاركتهم في وضع أسس مثل هذه الاتفاقات.

أما نقطة الضعف الثالثة فهي خطر الانقسام الذي مازال يتهدد إفريقيا الوسطى.

وعلى الرغم من التزام جميع الأطراف بتفادي الأمر، إلا أن الدينامكية التي تقف وراء احتمال التقسيم بين الجنوب الغربي للبلاد حيث العاصمة بانغي والشمال الذي تسيطر عليه السيليكا، مازالت قائمة بسبب الكره الذي يكنه البعض للسكان المسلمين والذي يمثل السبب الرئيسي لنزوح هؤلاء إلى حيث يمكنهم الشعور بالأمان.

شبح  التقسيم يخيم أيضا استنادا على الصعوبة التي تجدها الدولة في فرض سلطتها على الأقاليم البعيدة عن بانغي وعلى مطامع البعض في الثروات الباطنية للمنطقة.

أما النقطة الرابعة فهي  السيطرة على أرباح واستغلال  ثروات الماس والذهب والنفط والأورانيوم لإفريقيا الوسطى في قلب الصراعات بين جملة فرقاء الأزمة. ولكن هذه النقطة مازالت تمثل نوعا من "التابو" الذي لا تتطرق إليه المحادثات خصوصا في ظل عجز الدولة على استعادة السيطرة على هذه الثروات.

ومن هذا المنطلق، يحتمل أن تظل مساحات كبيرة من البلاد مناطق خارجة عن القانون وستدخل حسابات التجارة غير المشروعة للسياسيين في هذه المعادن الثمينة، على الخط  لتزيد في تأزيم الوضع.

أما نقطة الضعف الخامسة في اتفاق برازافيل فتتمثل في صعوبة إنشاء قوات مسلحة تتجاوز الاختلافات السياسية والعرقية وتقتصر على الدفاع على مصالح إفريقيا الوسطى، بكل حياد.