طوت ليبيا عاما آخر من الصراعات والخلافات، لم تنجح فيه الأطراف السياسية المتنازعة في وضع حدّ لحالة الاحتقان الداخلي وأجواء التحشيد والتموضع، التي تصاعدت ووصلت حد الاحتراب بين حكومتين واحدة في الغرب والاخرى في الشرق، لتزيد من غموض المشهد في بلد يعاني منذ سنوات من تداعيات الانقسامات على جميع المستويات.
وبالرغم من أن بداية العام الجديد،لم تكن مشجعة خاصة مع استمرار مسلسل الاتهامات المتبادلة والتصعيد بين الحكومتين، وفشل المجلس الرئاسي في اقناع مجلسي الدولة والنواب بالذهاب الى اجتماع غدامس في اطار مبادرته لاطلاق حوار ثلاثي لاعادة احياء العملية السياسية في البلاد، فإن تطورا لافتا طرأ قد يكون انفراجة قادمة في المشهد الليبي.
اجتماع وتوافق
في خطوة جديدة أعلن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا الخميس 05 يناير 2023،في بيان مشترك، عن اتفاقهما على وضع "خريطة طريق" لاستكمال العملية الانتخابية وتوحيد المؤسسات الليبية.وجاء ذلك عقب لقاء جمع رئيس مجلس النواب الليبي،عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد المشري في العاصمة المصرية القاهرة.
ووفق البيان فإن الطرفين اتفقا، على "قيام اللجنة المشتركة بين المجلسين بإحالة الوثيقة للمجلسين لإقرارها طبقا لنظام كل مجلس".كما تم التوافق على "وضع خارطة طريق واضحة ومحددة تعلن لاحقا استكمال كل الإجراءات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية، سواء التي تتعلق بالأسس والقوانين أو المتعلقة بالإجراءات التنفيذية وتوحيد المؤسسات".
وفي مؤتمر صحفي بحضور رئيس مجلس النواب المصري حنفي جبالي،قال رئيس مجلس النواب الليبي أنه "هناك توافق ونحتاج إلى سلطة موحدة في ليبيا لإجراء الانتخابات تحت رقابة الحكومة". وأضاف: "ستكون هناك آلية كالآلية السابقة في جنيف لوضع إجراءات جديدة وتكوين سلطة جديدة بين المجلسين وفي الأيام المقبلة سيعلن عن خارطة الطريق الجديدة في منطقة داخل ليبيا".
من جانبه أكد المشري، أنه "سيتم العمل على خارطة طريق بالتشاور مع صالح وبعثة الأمم المتحدة وسيتم الإعلان عنها في القريب العاجل في لقاء سيتم بيننا في ليبيا". وأوضح أن "الوثيقة تتعلق بعدة ملفات ومسارات وتحديد مدد ومهام واضحة، لهذا لا بد أن يكون التوافق بين المجلسين طبقا للاتفاق السياسي وبمظلة ورعاية أممية حتى يتجنب أي تشكيكات".
تقارب بعد قطيعة
يعتبر هذا الاجتماع تتويجا للتحركات الأخيرة لانهاء القطيعة بين مجلسي النواب والدولة،حيث صوّت المجلس الأعلى للدولة، الإثنين الماضي، لصالح استئناف الحوار مع مجلس النواب، وذلك بعد اعلان المشري تعليق التواصل مع رئيس مجلس النواب، وأعمال اللجان المشتركة بينهما إلى حين إلغاء قانون إنشاء محكمة دستورية بمدينة بنغازي بدلا عن الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بالعاصمة طرابلس، قبل أن يتراجع مجلس النواب عن هذا القانون في وقت لاحق، في 23 ديسمبر / كانون الأول الماضي.
وكان آخر لقاء بين صالح والمشري قد جرى في المغرب في شهر أكتوبر / تشرين الأول الماضي، وتمّ خلاله التوافق على توحيد السلطة التنفيذية وعلى تعيين شاغلي المناصب السيادية، قبل أن يتعطّل الحوار مجددًا بين المجلسين.ومثلت الخطوة الأخيرة فرصة لاعادة احياء الحوار بين الطرفين وتتويجه بتوافقات هامة.
وياتي هذا التقارب في أعقاب انتقادات واتهامات خطيرة وجّهها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إلى رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح بعقد اتفاق لعرقلة الانتخابات، مشيرًا إلى أنهما منشغلان بتقاسم السلطة،بحسب وصفه.
حراك دولي وانتخابات
وتأتي خطوة مجلسي النواب والدولة تزامنا مع حراك دبلوماسي تقوده البعثة الأممية، للذهاب نحو الانتخابات بوصفها الحل الوحيد للازمة الليبية.ودعا المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي،في أغلب لقاءاته، القادة الليبيين إلى وضع حدّ للمراحل الانتقالية والتوجه نحو التحضير للانتخابات، من أجل جعل عام 2023 عام سلام استقرار في ليبيا.
وأجرى المبعوث الاممي جولات في عدة عواصم خلال الفترة الاخيرة، لطلب دعم البعثة الأممية وجهودها لمساعدة القيادة الليبية لتجاوز الخلافات وتسوية أزمة الشرعية. ويرجح بعض المتابعين للشأن الليبي،وجود ضغوط دولية على القادة الليبيين لإنجاز القاعدة الدستورية بما يسمح بانجاز الاستحقاق الانتخابي.
وفي وقت سابق، شدد باتيلي،على ضرورة وضع خارطة طريق تكون نتاج حوار شامل يجمع بين كلِّ الأطراف الليبية، وفي ظل الاحترام الكامل لحقوق ومصالح الشعب الليبي وتطلعاته إلى اختيار قيادة ومؤسسات تتمتع بالشرعية. وأكد، أن ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تقتضي مساعدة الشعب الليبي على تحقيق هذه التطلعات، ولذلك يجب على كل القادة السياسيين تكثيف جهودهم من أجل بلوغ هذا الهدف في عام 2023.
وتسعى الأمم المتحدة بدعم من قوى غربية لتنظيم انتخابات كوسيلة لانهاء سنوات من النزاع، لكن الامر لم ينجح سابقا بسبب فشل مجلسي النواب ومجلس الدولة في التوافق على قاعدة دستورية انتخابية بعد.وتتعلق الخلافات الأساسية بشروط الترشح للرئاسة، وخاصة منها ما يخص ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية.
يعتبر تنظيم انتخابات جديدة في البلاد، سبيلا لتجاوز الانقسامات السياسية والاضطرابات الأمنية المستمرة منذ سنوات والخيار الأمثل للخروج من الوضع المتأزم. ويضع الاتفاق الاخير ليبيا على سكة الانتخابات لكن الامر لن يكون سهلا خاصة أن الخلافات مازالت مشتعلة بين العديد من الأطراف الفاعلة على الأرض وتهدد بمزيد من التوتر.