ليبيا، في وضعها الراهن، الذي يتسم بترسخ الإنقسامات السياسية، ومخاطر المواجهات العسكرية، التي تطل كل فينة أخرى من خلال إشتباكات محدودة في عدة مناطق قد تتحول الى حرب واسعة النطاق وطويلة الأمد، ليست في حاجة الى مزيد من التدخلات الخارجية التي من شأنها أن تعمق أزمات البلاد وتثير المزيد من الخلافات.
تركيا احدى أبرز الدول، الحاضرة في المشهد الليبي خلال السنوات الثلاث الاخيرة، مازالت مصرّة على مواصلة تحركاتها المثيرة للريبة، بالرغم من كل الدعوات المحلية والدولية لانهاء أي تدخلات خارجية في الشأن الليبي.
آخر هذه التحركات المريبة لانقرة، كشفت عنه قيادة العملية الأوروبية لمراقبة حظر الأسلحة على ليبيا "إيريني"، والتي أكدت رفض السلطات التركية طلب تفتيش السفينة "إم. في. ماتيلد. إيه" قبل دخولها إلى السواحل الليبية ليلة، وأعربت عن استيائها للرفض التركي، مجددة التذكير بدعوة مجلس الأمن جميع أعضاء الأمم المتحدة إلى التعاون مع عمليات التفتيش التي تقودها العملية في البحر المتوسط.
الرفض التركي التركي لعمليات التفتيش، ليس جديدا ولا مفاجئا، فوفق العملية الأوروبية، رفضت تركيا صعود وتفتيش السفن المشبوهة في 8 مناسبات. كما رفضت في يوليو الماضي السماح لعملية "إيريني" بتفتيش سفينة "إم. في. باربالي" المتجهة من إسطنبول إلى مصراتة. وقالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، نبيلة مصرالي، إن تركيا "عرقلت مجدداً مراقبة الاتحاد الأوروبي لحظر الأسلحة، المفروض من الأمم المتحدة على ليبيا".
لكن اللافت في النظر، أن الرفض الأخير، يأتي بعد أيام قليلة من تأكيدات نقلها المرصد السوري لحقوق الإنسان، عبر حسابه الرسمي، حول قيام طائرة عسكرية تركية بنقل مجموعة جديدة من المرتزقة السوريين إلى ليبيا، عبر طائرة من العاصمة التركية أنقرة، إلى مصراتة الليبية، لإقحامهم في الحرب الليبية.
من جانبه، كشف موقع "أيتمال رادار"، المتخصص في تتبع حركة الطيران الحربي فوق البحر المتوسط، عن تتبع ثلاث رحلات جوية أقلعت من أنقرة إلى قاعدتي مصراتة والوطية الجويتين غرب ليبيا، مشيراً إلى أنه لم يتمكن من تتبع 3 طائرات أخرى تحركت في الاتجاه نفسه.وفق ما أوردت صحيفة "الشرق الاوسط".
وبالتوازي مع هذا التحرك التركي العسكري في ليبيا، أعادت أنقرة اثارة الجدل في الاوساط الليبية عبر مذكرة تفاهم جديدة، تتعلق بالتنقيب عن الغاز والنفط، أبرمتها مع حكومة الوحدة الليبية، وأثارت جدلا في الساحة السياسية في البلاد.وأعلن رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، أن الاتفاق غير قانوني، معتبرا أن حكومة الدبيبة غير مخولة بتوقيع اتفاقيات دولية كونها "غير شرعية"، وفق تعبيره.
وبدورها، عبرت الحكومة المكلفة من مجلس النواب، برئاسة فتحي باشاغا، عن رفضها الشديد لتوقيع الدبيبة اتفاقات أو التزامات على الدولة الليبية.وقالت حكومة باشاغا في بيان، أنها ستبدأ في التشاور المباشر مع "الشركاء الوطنيين والإقليميين والدوليين للرد بالشكل المناسب على هذه التجاوزات التي تهدد مصلحة الأمن والسلم في ليبيا بشكل خاص والمنطقة بشكل عام".
الاتفاق بين تركيا وحكومة الدبيبة، تجاوزت ارتدادته الداخل الليبي، وحتي محيطه الاقليمي، حيث أعلنت فرنسا رفضها لها رسمياً للاتفاق.وقالت وزارة الخارجية في بيان إن موقف باريس بشأن "مذكرة التفاهم لم يتغير"، مشيرة إلى أنها "تمس بالحقوق السيادية لدول أعضاء في الاتحاد الأوربي، ولا تتوافق مع القانون الدولي للبحار ولا يمكن أن يكون لها عواقب قانونية على دول أخرى".
ياتي ذلك، في وقت بدأت فيه دول إقليمية، مشاورات مشتركة، لدراسة تأثيرات الاتفاقية المبرمة على حقوقها.حيث بادرت مصر واليونان إلى التشاور ورفض المذكرة الثانية، وأعرب وزيرا خارجية البلدين عن رفضهما لمذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين بشأن التنقيب عن النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط، واعتبرا أنّ حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة ليست لها سيادة على المنطقة، وأنّ المذكرة "غير قانونية".
كما أجرى الرئيس المالطي جورج فيلا، محادثات ثنائية منفصلة مع الرئيسة اليونانية كاترينا ساكيلاروبولو ونظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير، وعلق فيلا على مذكرة التفاهم الموقعة بين حكومة الوحدة في ليبيا، وأنقرة، حول التنقيب عن الموارد الطاقوية، مشددًا أن القانون الدولي هو الوسيلة الوحيدة القابلة للتطبيق لحل النزاعات المتعلقة بالحدود في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وفي مقابل كل هذا، تمسكت حكومة الوحدة الليبية، بالاتفاقية الموقعة مع نظيرتها التركية، وقال المتحدث باسم الحكومة، محمد حمودة، في تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي، إن مذكرة التفاهم الموقعة مع تركيا تهدف إلى تطوير مشاريع استكشاف وإنتاج ونقل وتجارة النفط والغاز الطبيعي.فيما اعتبرت وزيرة الخارجية، نجلاء المنقوش، أن الاتفاقية تحقق مصالح البلدين وتساعد العالم في تجاوز أزمة النفط والغاز.
وبدوره، شدد رئيس حكومة الوحدة، عبد الحميد الدبيبة، على أهمية مذكرة التفاهم بمجال الطاقة التي وقعتها حكومته مع تركيا، منتقداً مواقف الدول التي عارضت المذكرة المبنية على اتفاقيات سابقة تخدم مصلحة البلدين.وقال الدبيبة، إن "مذكرة التفاهم مبنية على اتفاقيات سابقة "، مضيفا "لا تهمنا مواقف الدول التي عارضت مذكرة التفاهم، ما يهمنا الإجابة عن تساؤلات الليبيين وتبديد أي تشويش بشأنها".
حكومة الدبيبة، ذهبت ابعد من ذلك حين أكدت، على لسان وزير الاقتصاد والتجارة الليبي محمد الحويج، استعدادها لاتخاذ خطوات لتعزيز الاتفاقية الموقعة مؤخرا باتفاقيات في مجالات أخرى.واكد الحويج، خلال مشاركته في الملتقى الاقتصادي التركي العربي، الذي احتضنته، مدينة إسطنبول، أن ليبيا تسابق الزمن للنهوض والتعافي، منبها إلى حاجتها إلى مزيد التعاون الاقتصادي مع تركيا ودول الخليج ودول العالم أجمع، موضحا في السياق ذاته أن تركيا لا تزال الشريك الأول لليبيا في مشاريع البناء والبنية التحتية والتجارة.
وسبق أن أبرمت تركيا، اتفاقية تعاون عسكري وأمني، واتفاق ترسيم بحري، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، مع حكومة الوفاق الوطني السابقة، وهو ما اثار جدلا كبيرا حينها. وفي أغسطس/اب 2020 ردّت مصر واليونان على الخطوة باتفاق لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط.
وتعيش ليبيا منذ مارس/اذار الماضي، على وقع خلافات عميقة، وتنافس بين حكومتين وصل حد الاشتباكات المسلحة في عدة مناسبات أدت الى خسائر بشرية ومادية كبيرة.ويرى البعض ان الاتفاقية الجديدة تهدف من خلالها حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، الى كسب التأييد والدعم التركي أمام منافسه رئيس حكومة الاستقرار فتحي باشاغا، ويشير هؤلاء الى أن أنقرة قد تكون أعلنت عن انحيازها الى حكومة طرابلس.