في احتفال حاشد التأم العاصمة الصينية بكين وحضره مستثمرون ودبلوماسيون وساسة أفارقة وصينيون إضافة إلى ممثلين ومندوبين عن دول أعضاء في مبادرة "الحزام والطريق" مطلع فبراير الجاري، وقعت الصين ضحية لأخطاء الترجمة التي لا ترحم، ففي تلك الاحتفالية أضاءت الشاشة الكبرى المجهزة بها المنصة الرئيسية باللغتين الصينية والإنجليزية وضمت أربع كلمات دالة تصف علاقات الصين مع أفريقيا؛ "ابتكار"، و"فعالية"، و"ارتقاء"، وخرجت الكلمة الأخيرة بمعنى صادم تقول "استغلال".. وهو أمر أثار جدلاً واسع النطاق بشأن أخطاء الترجمة وزلات اللسان غير المقصودة والمبطنة، وانتشر أثره على مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية.

ولم يترك الظرفاء الفرصة تمر دون تعليق عن خطأ الترجمة الذي وقع جراء التباس بين كلمة صينية بمعنى "الاستفادة" لتتحول إلى كلمة مقاربة لها بالإنجليزية تعني "الاستغلال" وفي ذلك فارق كبير في المعنى.

وقد أقر عدد من اللغويين والمحللين المتابعين للاحتفال بأن ما حدث لا يعدو كونه أكثر من خطأ ترجمة، وليست مثلما وصفها بعض الخبثاء بأنها "زلة فرويدية"، نسبة إلى عالم النفس سيغموند فرويد، تعبر عن مكنون ما ينطوي عليه العقل الباطن من معان تخرج بصورة عفوية ولا إرادية.

وقع خطأ الترجمة أثناء احتفال عقد تحت عنوان "ليلة الصداقة الصينية - الأفريقية 2019... ابتكار... فعالية... ارتقاء... استفادة "، في بدايات الشهر الجاري وقد فتحت تلك الواقعة الباب أمام تساؤلات مهمة أمام المنظمين للفعالية الصينية وما تضمنها من آليات الترجمة، ومستويات تماسكها ومتانتها، والمسؤول الأخير الذي قام بمراجعة النص ووافق على خروجه في صورته النهائية.

كما أنها تشير بما لا يدع مجالا للشك إلى غياب المشاركة الأفريقية في آليات تنظيم الحدث والتي كانت ستتدارك مثل هذا الخطأ قبل عرضه وطباعته أمام الحضور. وكانت ليلة الصداقة السابقة عقدت في عام 2017 تحت شعار "إجماع.. تكامل.. ابتكار.. تنمية".

ويقول الأستاذ المساعد في كلية دراسات الترجمة في جامعة جينان الصينية، جون وانج، لموقع "كوارتز أفريكا" إن عدم الالتفات والاهتمام بالترجمة يؤدي إلى أخطاء جسيمة". مضيفا:"تاريخياً، هناك كثير من الإشكالات السياسية وقعت بسبب مشاكل في الترجمة، ومن المرجح أن يؤدي التقليل من شأن الترجمة وأهميتها ونتائجها إلى تأثير أكثر سلبية".

ويشير الصحفي عبداللطيف ضاهر المعد لتقرير "كوارتز أفريكا" إلى أن أخطاء اللغات بوجه عام تحدث طوال الوقت، لكن بالنسبة للصين فإن الخطأ الأخير يأتي في وقت تتصاعد فيه الانتقادات في الداخل والخارج بسبب تنامي الحضور الصيني في القارة الأفريقية.

من جانبها، تقول رئيسة مؤسسة "ري إماجين" التنموية الدولية الاستشارية، هانا رايدر، "السبب وراء الانتشار الواسع لتلك الواقعة يعود إلى أنها لامست العصب: مخاوف البلدان الأفريقية من سوء استغلال مواردها."، مضيفة أن الشيء المهم الذي يجب عمله هنا يتمثل في التعاطي مع التحديات الهيكيلة التي تنطوي عليها مثل تلك التعقيدات والأحداث المعبرة عن التفاعل بين الثقافات، والتشديد على ضرورة مشاركة مختصين أفارقة في تنظيم الفعاليات والأحداث والمؤتمرات ولا تقتصر مشاركتهم على الحضور كضيوف فحسب.

وقالت "إن تنوع الفرق المشاركة في تنظيم تلك الفعاليات سيوفر ضمانات تحول دون وقوع مثل تلك الأخطاء، ومعالجة القضايا الحساسة التي قد لا تكون واضحة لكل إنسان".

ويعود الأستاذ المساعد وانج ليحمل الإدارات الصينية مسؤولية مثل تلك الأخطاء التي تقع في الفعاليات المختلفة، مطالبا إياها بضرورة إيلاء أهمية كبرى للتيقن من كفاءة الكوادر التي تستعين بهم في مجالات الترجمة، وأساليب قيامهم بتلك المهام قائلا: "إن لم يحاول أي إنسان مواجهة مشكلات رداءة الترجمة وأخطائها وكيفية التعاطي معها، فكيف يمكن للصين أن تحسن من آليات تطوير فهمها للثقافات والقضايا العابرة لحدود الدول".