مازال المشهد الليبي يشهد الكثير من التطورات والاحداث التي تؤشر الى تحولات كبيرة ستشهدها الساحة السياسية في البلاد،ولعل أبرز هذه التطورات ما يشهده تيار الاسلام السياسي الممثل في جماعة "الاخوان" من أزمات وتصدعات مع استمرار مسلسل الاستقالات والانشقاقات في صفوف الجماعة التي تعتبر احد ابرز اسباب الأزمات المتنامية في ليبيا منذ سنوات.
وهاهو مسلسل الانشقاقات في صفوف جماعة "الاخوان" يعود مجددا للواجهة مع اعلان أعضائها في مدينة مصراتة الليبية، الخميس، استقالتهم الجماعية من التنظيم.وقال الأعضاء المستقيلون، في بيان لهم، إن "هذه الخطوة جاءت بعد مراجعات داخل الجماعة، بسبب ما وصفوه بإلصاق ما تمر به البلاد من أحداث بجماعة الإخوان من قبل من وصفوهم بـ"سدنة النكسة المضادة لثورات الربيع العربي".
وأضاف البيان،أنه "بعد المشاورات بين أعضاء الجماعة، واستنادا للمراجعات التي حدثت العام 2015، فقد تم اتخاذ قرار يعني حل التنظيم في مدينة مصراتة".واتهم الأعضاء،"قيادة الجماعة في ليبيا،بالتسويف وتعطيلها لتنفيذ المراجعات والتصويب الذي توصل إليه أعضاء الجماعة في مؤتمرهم العاشر المنعقد العام 2015".
وأوضح البيان، أن أعضاء الجماعة يرون بأن السياق الزمني الذي نشأت فيه الجماعة والتطور الزمني في البيئة والواقع، يحتمان إعادة قراءة المشهد والمراجعة والتصويب، وهو ما لم يتأتِّ لهم في ليبيا.وأكد الأعضاء، أنهم "سيعملون بحرص على الوطن واستقلاله وخدمته، وسيواصلون العمل والإصلاح من خلال المؤسسات المجتمعية العديدة كل حسب مجاله ورغبته"، على حد قولهم.
وتأتي هذه الاستقالة بعد مرور نحو شهرين على اعلان أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين"، في مدينة الزاوية غرب العاصمة الليبية طرابلس،في بيان نشر الخميس 13 آب /أغسطس الماضي، عن استقالتهم الجماعية من الجماعة، وحلهم لفرع المدينة، لما قالوا إنه تغليب لمصلحة الوطن العليا،وفق زعمهم.
وتعتبر مدينتا مصراته والزاوية من أبرز معاقل "الإخوان" في ليبيا، حيث تسيطر الميليشيات المسلّحة الموالية للتنظيم على المدينتين، والتي تقودها أهمّ القيادات الإخوانية المتطرّفة على غرار مصطفى التريكي، وشعبان هدية المكنّى بـ"أبي عبيدة الزاوي"، وإسماعيل الصلابي وعبدالرحمن السويحلي ومفتي الجماعات الإرهابية الصادق الغرياني المقيم في تركيا.
وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري،أعلنفي العام 2019 استقالته من جماعة "الإخوان المسلمين"،في بيان مصور،بثه عبر صفحته على "فيسبوك":قال فيه "انطلاقاً من المقتضيات الوطنية الفكرية والسياسية، ومن باب الصدح بالقناعة والوضوح مع المواطن الليبي، فإنني أعلن استقالتي وانسحابي من جماعة الإخوان، مع استمراري في العمل السياسي والحزبي، والاحتفاظ بكل الود والاحترام لكل أعضاء الجماعة".
وتأتي هذه الاستقالات بالتزامن مع تصاعد وتيرة الغضب الشعبي ناهيك عن الصراعات المتنامية داخل حكومة الوفاق على اتهامات موجهة لجماعة "الاخوان" بالانخراط في مؤامرات للانقلاب على رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج والاطاحة به وتقود هذه المؤامرات قيادات سياسية وميلشياوية منحدرة من مدينة مصراتة التي ينتمي إليها أغلب قيادات الجماعة.
وكشفت رسائل البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون والتي كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالب بالإفراج ورفع السرية عنها، عن الدور التخريبي لتنظيم الإخوان في ليبيا ومساعيه لتحويل العاصمة طرابلس إلى بيئة مثالية للمليشيات والفكر المتطرف بدعم من قطر وتركيا.
وتعتبر هذه الاستقالات بحسب الكثير من المتابعين للشأن الليبي مناورة مفضوحة من الجماعة دأبت على استخدامها لتغيير مخططاتها كلما كشفت خصوصا وأنها تاتي في وقت تشهد فيه الساحة الليبية تطورات كبيرة من خلال تسارع وتيرة التوافقات بين الاطراف المتنازعة وهو ما يمثل تمهيدا لمرحلة جديدة تبدأ بالذهاب الى الانتخابات وارساء سلطة موحدة.
ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن الباحث المختص بجماعات الإسلام السياسي محمد الشريف،قوله ان "الاستقالة جاءت فى إطار الاستعداد والتخطيط للمرحلة المقبلة، خاصة بعد ظهور علامات توافق سياسية في ليبيا عبر حوارات تقودها الأمم المتحدة".وأضاف الشريف أن "أعضاء جماعة الإخوان لا يمتلكون أي قاعدة مؤثرة من الناحية الاجتماعية في ليبيا، كما أنهم تأكدوا بأنه لا شعبية لهم بين أوساط الشعب الليبي عقب انتخابات 2014".
ويشير كثيرون الى أن هذه الاستقالات محاولة لامتصاص الصدمات المتتابعة التي يواجهها "الاخوان" في ليبيا خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي تجاه الجماعة وتراجع درجة التأييد لسياسة الجماعة داخل عدد من المدن الغربية خاصة منها مصراتة ،التي يسيطر عليها منذ عام 2011 ،والتي تحولت بفعل هذا التنظيم إلى مدينة معزولة داخليا، أفقدتهم ثقة الناس بهم، خاصة بعد انكشاف استقواء الجماعة بتركيا للحفاظ على مصالحها ووجودها.
ويعتبر "الاخوان" في ليبيا الذراع السياسي لتركيا،التي تتهمها عدة أطراف ليبية بمحاولات نشر الفوضى في البلاد.وأبرز الأدلة على هذا الدعم شحنات السلاح المختلفة التي تتدفق إلى الجماعات الإرهابية في ليبيا قادمة من تركيا وبأموال قطرية بهدف استمرار الفوضى في ليبيا، وتمكين الجماعات الإرهابية وثيقة الصلة بالتنظيم الدولي لجماعة "الإخوان" من السيطرة على البلاد.
وشهدت المدن الليبية تحركات ضد جماعة الاخوان، وتظاهر آلاف الليبيين في عدة مدن خلال السنوات الاخيرة، ضد ما وصفوه بسيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مفاصل الدولة.ورفع المتظاهرون لافتات ترفض تغلغل "الإخوان" في مؤسسات الدولة، إضافة إلى تحميلهم مسؤولية ما سمّوه بالفتنة والاقتتال في البلاد.وأشار المتجمهرون في شعاراتهم إلى بدء العد التنازلي لحكم "الإخوان" في البلاد.
لا شك أن جماعة "الاخوان" في ليبيا كانت المستفيد الأكبر من الأزمة التي اندلعت في البلاد في العام 2011، بل كانت في الحقيقة مشاركة فيها،وقد عملت في ظل الفوضى التي انتشرت في ليبيا على نشر أذرعها ومحاولة السيطرة على أكبر قدر من المناطق وتسارعت مؤامراتهم في ذلك الاتجاه.ويرى مراقبون،أن التوافق الاخير بين الفرقاء من شانه انهاء مؤامرات "الاخوان" وهو ما يدفعهم للتحرك لتغيير مخططاتهم وضمان الاستمرار في الساحة الليبية.