في ظل استمرار التدخل التركي في ليبيا من خلال الدفع بآلاف المرتزقة والارهابيين ناهيك عن ضباط وجنود الجيش التركي وشحنات السلاح الكبيرة،باتت حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج أكثر تعنتا حيث تستقوي بالدعم التركي لاعلان رفضها الالتزام بهدنة انسانية أعلن عنها الجيش الوطني الليبي استجابة لدعوات دولية سابقة.

وأعلنت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، إيقاف جميع العمليات العسكرية من جانبها، استجابة لدعوات المجتمع الدولي والدول الشقيقة كهدنة إنسانية خلال شهر رمضان ولترك المجال لمجابهة فايروس كورونا.وجاء قرار الجيش الليبي تغليبا للبعد الإنساني في شهر رمضان وفتح المجال أمام الجهود الأممية لمجابهة فايروس كورونا المستجدّ.

وقال الناطق باسم قوات القيادة العامة، اللواء أحمد المسماري، خلال مؤتمر صحافي أنه بمناسبة شهر رمضان "وتقديراً واستجابة للدعوات من الدول الشقيقة والصديقة، التي تطالب فيه وقف القتال خلال هذا الشهر الكريم، تعلن القيادة العامة عن وقف جميع العمليات العسكرية من جانبها".

وحذر المسماري من أن الرد سيكون قاس جدا وفوري على أي اختراق لوقف العمليات العسكرية من قبل مليشيات حكومة الوفاق.وأضاف "كما نطمئنكم بأنه لا رجوع عن بلوغ الهدف الذي دفع من أجله أبطالنا أرواحهم ودماءهم، وإن استنجد الخونة الجبناء بمرتزقة العالم أجمعين".


وسبق أن دعت الأمم المتحدة ودول من التكتل الأوروبي إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا،وكان الممثل السامي للاتحاد الأوروبي ووزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وجهوا دعوةً إلى جميع الأطراف الفاعلة في ليبيا لـ"استلهام روح شهر رمضان الفضيل، والانخراط في استئناف المحادثات، من أجل وقف إطلاق النار بشكل حقيقي".

ودعت الأوساط الأوروبية جميع الأطراف الليبية إلى استئناف محادثات السلام.وجاء في البيان "نود ضم أصواتنا إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والقائمة بأعمال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا ستيفاني توركو وليامز في دعوتهما إلى هدنة إنسانية في ليبيا".وأضاف البيان "ندعو جميع الأطراف الليبية إلى استلهام روح شهر رمضان المبارك واستئناف المحادثات في سبيل وقف حقيقي لإطلاق النار.

وقوبل إعلان الجيش الليبي وقف جميع العمليات العسكرية في ليبيا،بترحيب من البرلمان العربي.وطالب الدكتور مشعل بن فهم السلّمي،رئيس البرلمان العربي، جميع الأطراف الليبية الالتزام بوقف إطلاق النار والتوصل إلى هُدنة إنسانية في شهر رمضان المبارك حقناً لدماء أبناء الشعب الليبي، وصولاً إلى وقف دائم لإطلاق النار لتهيئة الأجواء لدعم مسار التسويةٍ السياسية الشاملة للأزمة.

وأكد رئيس البرلمان العربي على إيقاف التدخلات الخارجية في الشئون الليبية وإذكاء الصراع بين الأطراف المتحاربة، مطالباً تركيا بالالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا والتوقف عن إرسال المقاتلين الأجانب، داعياً الأمم المتحدة إلى التحرك الفوري والعاجل لإيقاف هذا التدخلات ومنع تسهيل نقل المقاتلين الأجانب إلى دولة ليبيا، ووضع آلية واضحة للمراقبة والعقوبات ضد الأطراف الممولة للصراع في ليبيا بالسلاح.

وفي المقابل،رفضت حكومة فايز السراج، "هدنة رمضان" التي أعلنها الجيش الوطني الليبي، مؤكدة استمرارها في القتال.وأوضحت الحكومة، في بيان صحافي نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، أنها "ستستمر في الدفاع المشروع عن النفس، وضرب بؤر التهديد أينما وجدت وإنهاء المجموعات الخارجة على القانون المستهينة بأرواح الليبيين في كل أنحاء البلاد".


ويحاول المجتمع الدولي منذ دخول شهر رمضان فرض هدنة وسط دعوات إلى استئناف العملية السياسية، وهو ما يعيقه استقواء حكومة الوفاق بالدعم التركي والتي تناور للقبول بوقف إطلاق النار رغم إعلان الجيش موافقته، ما يؤكد أن ترحيبها السابق بالهدنة لم يكن سوى محاولة لاستغلالها في ترتيب أوضاعها العسكرية.

وتأكد ذلك في تصريحات صحفية للاخواني خالد المشري رئيس مجلس الدولة والتي قال فيها ان حكومة الوفاق نظمت صفوفها بعد توقيع الاتفاق مع تركيا زاعما أن النصر قريب.وأضاف المشري "تواصلنا مع لجان في مجلس النواب الليبي لاحياء مقترحات تتعلق باعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتبلغنا اليوم أن النائب الأول لعقيلة صالح أعلن رفضه اعلان حفتر" على حد قوله.

واعتبر مراقبون أن أنقرة عززت وجودها في ليبيا فقط بعد الهدنة التي فرضتها بالاتفاق مع موسكو في 11 يناير الماضي، حيث نجحت في تثبيت أجهزة تشويش ونظام دفاع جوي ما تسبب في شل حركة سلاح الجو الليبي الذي كان يستهدف أي شحنة من الأسلحة القادمة إلى حكومة الوفاق والمليشيات التابعة لها.

وتشن المليشيات المسلحة مدعومة بالمرتزقة هجوما على المناطق السكنية علاوة على قتال جنود الجيش الوطني الليبي، الذي يحاول منذ 4 أبريل/ نيسان 2019 تحرير العاصمة طرابلس من سطوة المليشيات والتنظيمات الإرهابية.وأظهر مقطع فيديو عناصر من ميليشيات الوفاق تهدد مدينة ترهونة وتتوعد بقتل جميع نسائها.

وكانت الميليشيات مدعمة بالمرتزقة السوريين قد حاولت في الأيّام السابقة تحت غطاء جوي تركي الهجوم على مدينة ترهونة من سبعة محاور، في وقت متزامن لكنها لم تتمكّن من تحقيق أي تقدّم. وشاركت في الهجوم قوّات بريّة واسعة وعدّة طائرات مسيرة تركيّة الصنع والمئات من المرتزقة السوريين حيث تمكّن الجيش الليبي نمن القاء القبض على عدد منهم وتحويلهم الى سجن قرنادة شرق البلاد.

وتكتسب ترهونة  التي تبعد 88 كم جنوب شرقي العاصمة الليبية أهمية استراتيجية من قربها للعاصمة طرابلس وتعدادها السكاني الذي يقارب المليون نسمة إضافة إلى كونها أكبر المدن المؤيدة للجيش الليبي في عمليته لتطهير طرابلس من المليشيات والتنظيمات الإرهابية.وبعد أن باءت محاولتهم في استمالة مدينة ترهونة لسحب دعمها عن الجيش، يضغط الإسلاميون في اتجاه ارتكاب الانتهاكات في حق المدينة التي تشارك بقوة في معركة تحرير طرابلس باللواء التاسع.


وتحاول المليشيات الإرهابية تركيع وعقاب ترهونة المؤيدة للجيش الوطني الليبي، وذلك بقطع المياه والكهرباء ومنع وصول الدعم الطبي والغذائي لها واستهداف المدنيين ومنازل السكان.والأسبوع الماضي، قتلت الطائرات التركية المسيرة 4 أشقاء من عائلة واحدة (شغيلة) بمنطقة سوق الجمعة بترهونة بعد استهداف منزلهم.

واستهدفت الطائرات التركي المسيرة، مطلع أبريل/نيسان الجاري داخل مدينة ترهونة، شحنات طبية لمواجهة فيروس كورونا كانت موجهة لها من شرق ليبيا.وأدانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا عرقلة أو قطع إمدادات المياه والوقود والاحتياجات الأساسية والمعيشية والطبية والإغاثية والإنسانية للسكان المدنيين بمناطق النزاع والتوتر.

وتحاول تركيا بشتى الطرق دعم حلفائها في طرابلس ودفعت بآلاف المرتزقة والعناصر الارهابية الى الاراضي الليبية بتواطئ من حكومة السراج،ولم تلتزم المليشيات المسلحة بدم من مرتزقة أردوغان بوقف إطلاق النار واستهدفت المدنيين، وهاجمت العديد من المدن الليبية، وارتكبت بها جرائم من خلال مرتزقتها صنفت كجرائم حرب، مثل مدن صرمان وصبراتة.

ويأتي رفض الوفاق للهدنة المعلنة من الجيش الليبي،في أعقاب رفضها  للعملية "إيريني" التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لمراقبة حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا.وقال السراج في بيان نشرته صفحة وزارة الخارجية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "تلقينا ببالغ الأسف نبأ تنفيذ عملية إيريني، وكنا نتوقع من دول الجوار الأوروبي تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1970 لسنة 2011 بشأن حظر توريد السلاح إلى ليبيا".


ويأتي هذا الرفض بسبب ارتباط حكومة الوفاق وحلفائها بتركيا التي تعتبر الداعم الأكبر للمليشيات عبر السلاح والمرتزقة.ويخشى تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" المسيطرة على حكومة الوفاق وأمراء الحرب في طرابلس ومصراتة،من أن تعرقل العملية "ايريني" عمليات الدعم التركي بالسلاح والمرتزقة، أو ستجعله على الأقل تحت الضوء الأممي.

وتعد هذه هي الهدنة الثالثة التي يتم إعلانها، إذ تسري في ليبيا هدنتان أولاهما معلنة منذ 12 يناير/كانون الثاني الماضي، بوساطة دولية والهدنة الإنسانية المعلنة حديثا لتوحيد الجهود لمواجهة فيروس كورونا، بوساطة من البعثة الأممية في ليبيا.لكن حكومة الوفاق تصر على انتهاك الهدنة بتحريض من تركيا الساعية الى استمرار الفوضى في البلاد بما يخدم مخططات النظام التركي.

وتحولت حكومة الوفاق الى بوابة للمخططات التركية الساعية الى مد النفوذ في البلاد وتحقيق أحلام أردوغان التي لم يتوانى في كشفها صراحة في أكتوبر الماضي حين زعم أن بأن "الأتراك يتواجدون فى ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم فى المستقبل"،وأضاف "تركيا وريث الإمبراطورية العثمانية" مشيرا إلى سعيه لإحياء ما وصفه بالمجد القديم للأتراك.