ظلت العاصمة الليبية لسنوات مبعث القلق الأمني جراء انتشار المليشيات المسلحة وعناصر التنظيمات الإرهابية التي مثلت حجر عثرة أمام ارساء دعائم الدولة وتسببت في تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية للمواطن الليبي،وهو ما دفع القوات المسلحة الى اطلاق عملية عسكرية في أبريل/نيسان الماضي بهدف استعادة مؤسسات الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار.
لكن تحرك الجيش الليبي سرعان ما قوبل بانتفاضة من قبل المليشيات التي سارعت للتحالف في محاولة للذود عن آخر معاقلها وبالتزامن مع ذلك تحركت الدول الراعية لتيار الاسلام السياسي ومليشياته وعلى رأسها تركيا وقطر في مسعى لصد هجوم الجيش الليبي ومنعه من الدخول الى طرابلس آخر معاقل أذرعها في البلاد.
وطيلة الأشهر الستة الماضية تكشف حجم التدخل التركي والقطري في ليبيا،وتصاعدت وتيرة الدعم للمليشيات من خلال شحنات السلاح التي تصل الى طرابلس ومصراتة،فيما تكررت تصريحات المسؤولين القطريين والأتراك المنددة بالعملية العسكرية للجيش الليبي ووصل الأمر بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى شن هجمات حادة على القائد العام للجيش الوطني الليبي،خليفة حفتر حيث وصفه في احدى تصريحاته بـ"القرصان"،فيما وصف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو حفتر بأنه "لا يمتلك حسا إنسانيا ويستهدف الشعب الليبي بلا رحمة".


  وتحتضن تركيا وقطر أهم رؤوس الإرهاب في ليبيا الذين يرتبطون معها بعلاقات كبيرة، وأبرز المطلوبين من قبل القضاء الليبي بتهم التورط في جرائم عنف وإرهاب والإضرار بالأمن القومي الداخلي، الإرهابي السابق في تنظيم القاعدة عبد الحكيم بلحاج، كما تؤوي عددا من قيادات الصف الأول لجماعة الإخوان المسلمين الذين كانت لهم أدوار مشبوهة في قيادة الفوضى بليبيا منذ العام 2011، على غرار علي الصلابي، إلى جانب عناصر من مجلس شورى بنغازي المصنف تنظيما إرهابيا.
ورغم شحنات السلاح والدعم الكبير الذي تتلقاه المليشيات من قطر وتركيا فان ذلك لم يمنع الجيش الليبي من تحقيق انتصارات ميدانية متكررة بسيطرته على عدة مواقع استراتيجية،كما تمكن من القضاء على العديد من القيادات الهامة في صفوف المليشيات والتنظيمات الارهابية،وهو ما دفع بالمحور التركي-القطري الى الدخول المباشر في المعارك في محاولة لعرقلة تقدم القوات المسلحة
وقال المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري، الخميس 26 سبتمبر، إن هناك قوات تركية على الأرض في ليبيا، تقاتل مع الجماعات الإرهابية ضد قوات الجيش في معركة طرابلس.وأوضح المسماري، في حديث مع سكاي نيوز عربية، "أن ضباطا أتراكا يقودون المعارك على الأرض لصالح الميليشيات الإرهابية في ليبيا".وأضاف: "قدمنا أدلة عدة على التدخل التركي والقطري في معركة طرابلس ضد الجماعات المتطرفة، وعلى المجتمع الدولي أن يقول كلمته".وقال المسماري: "نشهد مرحلة انتقال الإرهاب من التنظيمات المسلحة إلى إرهاب الدول، وهناك وعي دولي أكبر بأن الإرهاب في ليبيا يهدد الأمن العالمي".وتابع: "نحن في مرحلة حاسمة من المعركة ضد الجماعات المتطرفة، وعلى المجتمع الدولي تأييد الجيش الوطني الليبي في المعركة على الإرهاب".

نجح الجيش الليبي في تدمير العديد من الطائرات المسيرة التركية وغرف العمليات التي يشرف عليها الضباط الأتراك،وآخر عمليات الاستهداف كانت الأربعاء حيث أكد الجيش الوطني الليبي أن قواته دمرت مواقع في مطاري معيتيقة ومصراتة كانت تستخدم لتجهيز الطائرات المسيرة التركية.وأوضح الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية اللواء أحمد المسماري أن أجهزة الاستخبارات التابعة للجيش رصدت أماكن متفرقة في مطاري معيتيقة ومصراتة تستخدم في تجهيز وتخزين الطائرات المسيرة التركية.وتابع في بيان رسمي: "أن مصادر الاستخبارات التابعة لنا حددت هذه الأماكن.. وهي عبارة عن  هنغار استخدم لتجهيز الطائرات المسيرة وتخزين صواريخها في مطار معيتيقه".ونوه المسماري إلى أن الحملة الجوية قد حققت أهدافها بكل دقة، ودمرت المرافق المستخدمة في تخزين وتجهيز الطائرات بنسبة مائة في المئة، وأن الطائرات قد عادت إلى قواعدها سالمة بعد تنفيذها لواجباتها بنجاح.
وأمام هذه الخسائر المتتالية وفي مشهد شبيه بما حدث في بنغازي ودرنة،اتجهت قطر وتركيا نحو سلاح الفتنة في محاولة لتشتيت الليبيين،حيث تكثف الظهور الاعلامي لوجوه اخوانية وعلي رأسها المفتي المعزول الصادق الغرياني،بخطاب يعمل على بث الكراهية والحقد بين المناطق الليبية في محاولة لنشر الفتنة في البلاد.الغرياني رجل قطر وتركيا في ليبيا،أفتى عبر فضائية "التناصح"،من مقر اقامته في اسطنبول الأربعاء، بعدم جواز التعامل بالعملة المطبوعة في روسيا، لأنها عملة مزيفة تسبب تدمير الاقتصاد، وفق قوله، وقال: "من يتعامل بعملة حفتر المطبوعة في روسيا هو كمن يعطي أمواله للمرتزقة الروس ليقتلوا بها إخوانه، ويفسدوا في بلده".
ولم يتردد الغرياني في كيل الاتهامات لأبناء المنطقة الشرقية ومدينة ترهونة الداعمة للجيش الليبي والتحريض ضدها،حيث وصف الغرياني "أبناء المنطقة الشرقية بالإجرامية وترهونة الفاسدون" وأضاف "يسلطون علينا العصابات والمرتزقة الروس، ليس لأحد أن يتأخر عن الالتحاق بالجبهة، هذا فرض عين"، متابعا: "هذه حرب مقدسة ضد هؤلاء الكفرة ومن يمولهم".على حد زعمه.
وكان الغرياني ق دعا منتصف سبتمبر الماضي،ا الى اجتياح ترهونة واعمال القتل فيها. وقال المفتي المعزول، وفي لقاء تليفزيوني، "لن تستطيعوا أن تحسموا المعركة إلا إذا قضيتم على العصابات الموجودة في ترهونة، سواء من أهلها أو من أتوها من المنطقة الشرقية، مثلما اقتحمتم غريان".
واستطرد قائلا: "ترهونة هي محطتكم الأولى، لا تجاملوهم، أعطيتوهم الفرصة كاملة، لابد أن تقتحموها، ولا يقول لي أحد "هذا نسيج اجتماعي".. النسيج الاجتماعي تحافظون عليه عندما تقطعون دابر الفساد". وأكمل، موجهاً حديثه لمن يقاتلون الجيش الليبي في طرابلس، قائلاً: "لابد أن يكون لكم مكان في السلطة، وأن يكون لكم تشكيل تحت اسم قوة حماية الثورة أو قوة الدرك، فهذا أمر مصيري لإحداث التوازن".
ووصفت الحركة الوطنية الشعبية الليبية،تصريحات الغرياني،بأنها "تحريض واضح وصريح على العنف والكراهية والاقتتال والحرب الأهلية بغطاء ديني"، لافتة إلى وصفه لبعض قبائل مدينة ترهونة بعبارات "مستهجنة ودعوته للميليشيات الإجرامية والعصابات الجهوية الموالية لجماعته الإرهابية للهجوم على مدينة ترهونة والتنكيل بأهلها".
من جانبه وصف مجلس مشايخ ترهونة،تحريض المفتي المعزول الصادق الغرياني لاقتحام مدينة ترهونة، بـ "الشيطاني"،ودعا المجلس أبناء المدينة للخروج في مسيرات حاشدة للتعبير عن استيائهم لاستغلال المؤسسات الدينية في نشر الفتن والتحريض على الاستمرار في الفوضى والفساد ،كما طالب المنظمات الإسلامية ولجنة حقوق الإنسان الدولية والبرلمان الليبي اعتبار المدعو الغرياني شخصية إرهابية.
ويعد الصادق عبد الرحمن علي الغرياني - مواليد 1942م- من أهم عرابي الإرهاب فى ليبيا، خاصة بعدما نصبته الميليشيات الإخوانية مفتيا عاما للديار الليبية في فبراير 2012، ليتحالف معهم ومع وذراعهم السياسي حزب العدالة والبناء، الذين شكلوا على مدى السنوات الأخيرة الجناح السياسي والدبلوماسي الداعم للجماعات اﻹرهابية والذراع الرئيسي للمحور التركي-القطري في ليبيا.
ومنذ تنصيبه مفتيا للديار الليبية، بدأ الغرياني فى إطلاق فتاوي كثيرة لسفك الدماء فى ليبيا ليطلق عليه الليبيون "مفتي الدم"، و"مفتي الفتنة"، حيث تركزت فتاويه لتصب فى مصالح وأهداف الجماعات الإرهابية فقط، ليساهم بذلك فى انتشار الفوضى والدم فى ربوع ليبيا، فارتكبت عدة جرائم عنف استنادا إلى فتاواه، التي طالب خلالها الجماعات الإرهابية، برفع السلاح ومحاربة قوّات الجيش الليبي.
ويتخذ الغرياني الذى يعيش فى تركيا حاليا،قناة "التناصح" وهي قناة فضائية مملوكة له، وتمول بشكل كامل من قبل قطر الداعم الأبرز للفوضى في ليبيا، لبث سمومه التي يقدمها ضمن وجبات دينية مكثفة، للعبث في عقول الشباب الليبي المتحمس، ليصدر فتاوي تدعم الإرهاب و ضد الجيش الوطني الليبي، بل دعى الشباب لقتلهم، وتجاوزت فتاوي أخرى له حدود المنطق والعقل.
ومن أكثر تصريحاته اثارة للجدل حديثه أمام مؤيديه بأن الحرب في ليبيا هي حرب بين الإسلام والكفر، وحرّض أتباعه على دعم قوات فجر ليبيا؛ مما دفع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التابعة لوزارة العدل الليبية، إلى إصدار بيان رسمي أعلنت فيه أن "الصادق الغرياني هو مجرم حرب"، معتبرة أن حديثه وفتاواه يحرضان على العنف والقتل.
ويشير الظهور الاعلامي المتكرر للغرياني وفتاويه التحريضية الى توجه جديد لتيار الاسلام السياسي وعرابيه الاقليميين يعتمد على نشر الفتنة بين المناطق الليبية وتعميق الكراهية لتكريس مزيد من الانقسامات بين الليبيين،وذلك في ظل الخسائر الميدانية الكبيرة للمليشيات الموالية لها واصرار الجيش الليبي على حسم المعركة في المرحلة القادمة.ويرى مراقبون أن الفتنة مثلت السلاح الأبرز الذي استخدمته الدول لاسقاط ليبيا في مستنقع الفوضى والعنف منذ العام 2011 وهو ما تريد تكراره مجددا بعد  اقتراب نهاية نفوذها أذرعها في البلاد.