يحكى في نوادر العميان أن رجلا جاء الى بشار بن برد يسأله عن دار رجل آخر ، فدله بشار ن  فقال الرجل :

- خذني بنفسك إليه ..

فقال بشار : ولكني رجل أعمى ..

فقال الرجل : أنا أمسك بيدك وأنت تدلني !!

فقال بشار :

 

أعمى يقودُ بصيرا لا أبا لكم

قد ضل من كانت العميان تهديه

لكن قصة "اعل ولد محمد سعيد " ليست نادرة من النوادر ، وصاحبها لم يضل طريقه ، حيث يقول الرجل الستيني في حديث مع "بوابة إفريقيا " إن أباه كان إذ اشتد الظلام في الليلة الممطرة يأخذ بيده ليهتدي به ، ويكون له ما أراد من الهداية .

في قرية "تَمْبَارة " بولاية البراكنة على بعد نحو 400 كلم من العاصمة الموريتانية ولد "اعل" في خمسينيات القرن الماضي  لأسرة شبه معدمة ، وفي أيامه الأولى فقد بصره ،لكن الله عوضه خيرا منه  "القرآن والمشيخة " ، فما أذهب الله كريمتي مؤمن إلا عوضه الله خيراً منهما.

 

الطريق إلى المشيخة

 

 

 

 

 

 

بدأت علامات النبوغ في الظهور مبكرا على الفتى الضرير ، وتتالت عليه أمارات ما يسميه أصدقاؤه "وَهبا أو اصطفاء " ...حيث حفظ القرآن في عقده الثاني ، فكان شيخه يكتب له الجزء من القرآن في لوحه فيمرر عليه يده ويحفظه مباشرة ــ حسب ما روى للبوابة صديقه ابراهيم ولد سدوم ــ.

يحكي "اعل " عن قصته مع القرآن فيقول "كانت سجيتي مع القرآن أنني لم ادرس الحروف ولا طريقة التهجي ، وإنما كنت أحفظ النص من تلاوتين ، وأحيانا أنام وأنا أتتعتع فيه  واستيقظ وأنا له حافظ  ، تلك هي سجيتي مع القرآن " .

يتخذ "اعل " من عريشه وبيته المتواضع وسط "تمبارة " مقرا لواحدة  من أكبر المحاظر بقريته ، بها يدرس العشرات من أبناء وبنات قريته  ، لكنه يشكو غياب الدعم ونسيان الدولة له ،  فرغم فقره وحاجته وإعاقته لم يستفد شيئا من الدولة في العقود الستة التي مرت من عمره ، كما أن محظرته لم تستفد من أي دعم من ملايين الدولارات التي تنفقها دولته على التعليم الأصلي .

يحفظ "اعل " الكثير من أنظام المتشابه من القرآن ويعتبرها عصمة لكتاب الله من التفلت وهو الذي وصفه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله إنه "أشد تفلتا من الإبل في عقلها " .

 

يحسن الحلب والصر ...ويهتدي على الدابة بأثرها

 

 

 

 

 

 

يقضى "اعل " كل حوائجه بنفسه ، ويقوم بالعديد من الأعمال التي لا يحسنها ذوو الأبصار مؤكدا بذلك أن الأبصار لا تعمى وإنما تعمى القلوب التي في الصدور ، فهو يحسن الحلب والصر ويهتدي على الدابة بأثرها وصوتها ، ويعرف الإنسان بلمس جسده وله في كل ذلك قصص سارت بها الركبان ، يؤكد عند الحديث عنها أنها وهب رباني لا دخل للمخلوقين فيه .

 يعمر "اعل " المسجد المجاور لبيته وتعتمده جماعته مؤذنا له ، حيث يصل إليه الساعة الرابعة ليلا دون دليل ، ليؤذن للسحر ، ويشغل شريط التلاوة ويهتدي إلى كل ذلك بما يسميه النور الإلهي ..

 

مَعَري الهوى

 

 

 

 

 

 

يؤمن "اعل " بفلسفة الشاعر الضرير أبو العلاء المعري في العزوف عن الزواج ، وحين سألناه لما ذا لا يتزوج رد بأن الله لم يرد له ذلك ، كما أنه لم يهتم بأمر الزواج .

ويرى "اعل " أن للمحيط دوره في تكريس ملة أبي العلاء حيث يقيم  في قرية كل نسائها من محارمه ، وهو ما ساهم في تبنيه لفكرة أبي العلاء في العزوف عن الزواج .

رغم أنف الفاقة والعمى تبقى تلاوة "اعل " للقرآن ، ومناداته للصلاة في اليوم خمس مرات أكبر نور يهتدي به ذوو الأبصار في قريته ، ليكون بذلك مثالا  للأعمى الذي يقود عشرات المبصرين .