خمدت حرائق غابات الجزائر (أغلبها بولاية خنشلة في أقصى شرق البلاد)، لكن أرقام الخسائر شكّلت صدمة للساكنة، حيث تمّ تسجيل 8500 هكتار خسائر حرائق الغابات منذ بداية يوليو الجاري، وهو ما فاق بكثير ما تم تسجيله خلال نفس الفترة من العام الماضي. وفي هذا السياق كشف وزير الزراعة الجزائري عبد الحميد حمداني الأربعاء 14/07/2021، "إن الخسائر بلغت ثلاثة أضعاف مساحة الغابات التي التهمتها النيران العام الماضي خلال نفس الفترة 2600 هكتار". واعتبر الوزير أنها سابقة في تاريخ الجزائر وهي المرة الأولى التي تشهد فيها مثل هذه الظاهرة "الإجرامية". وأكد أن معظم هذه الحرائق هي ذات طابع "إجرامي"، مشيرا إلى التقرير الذي أعدته وكالة الفضاء الجزائرية (ASAL)  والذي يوضح انطلاق حرائق الغابات "كلها دون استثناء" من حواف وأطراف الغابات.


المؤكد أنّ الحرائق التي تطول الغابات والأحراج تقضي على التنوع البيولوجي ومئات الأنواع والأصناف من الأعشاب البرية والنباتية، ولاشيء يوازي خسارة تعادل خسارة الغابات فهي تحتاج مئات السنين لتعويض الفوائد المتعددة التي تقدمها في مجال البيئة، حيث إن هكتاراً واحداً من الأشجار يمتص حوالي 5 أطنان من ثاني أوكسيد الكربون هذا بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية وغيرها، لكن بعض السفهاء يفتعلون الحرائق لقتل الرئة الجزائرية والإساءة للبشر والشجر والحجر، ويلحقون الأضرار المجتمعية والاقتصادية وزيادة الأعباء والتكاليف على موازنة الدولة. 


إنّ أغلب الحرائق كانت بفعل فاعل كما أشارت التحقيقات والمعطيات، وهي بقصد التخريب وإلحاق الأذى بالغابات والأحراج والأشجار المثمرة، إنهم استباحوا كل القيم الوطنية والأخلاقية والدينية والمجتمعية، يريدون تحويل كل شيء إلى اللون الأسود وإزالة اللون الأخضر وجسدوا بأعمالهم المعاني العكسية للحكمة الصينية التي تقول: "إذا أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحاً، وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجراً، أما إذا أردت أن تزرع لمائة سنة فازرع إنساناً"، ويقول سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِين وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها"، وفي سفر التكوين ذكرت شجرة الزيتون كدلالة على نهاية الطوفان مع "نوح" عليه السلام من خلال علامة حسيّة ألا وهي ورقة زيتون حملتها حمامة إلى السفينة دلالة على أن المياه قد قلّت عن الأرض، وترمز إلى أول شجرة قاومت الموت والفناء والطوفان. أما الإمام علي، إمام البلغاء فيقول: اتّقوا الله في عباده وبلاده، فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم" فدقّق في هذا الكلام العميق، الذي يشمل "العباد" كأعلى قيمة فوق ظهر هذه الأرض، و"البلاد" بكل جغرافيتها. البلاد ذلك البستان الربانيّ الذي هيّأه الله لإقامة مَن سمّاه خليفة، ولم ينس أنّنا مسؤولون حتى عن "البقاع والبهائم"، البقاع على تنوّعها، والبهائم على تعدادها، يقول إنّنا مسؤولون، بمعنى أنّ ذلك مسؤوليتنا في هذا العالم، وسوف نُسأل عن صيانة هذه الأمانة بين يدي مَن لا تخفى عليه خاقية.


انطلاقاً من ذلك وتلافياً لتكرار حوادث الحريق وتجنباً لخطر العابثين والمتربصين بتلك الثروة الاقتصادية ولحماية الغابات والمواقع الحراجية، يجب إنشاء وزيادة محطات المراقبة ضمن هذه الغابات وتزويدها بكل ما يلزم من كاميرات للمراقبة، وفرق الإطفاء ومعداتهم وصهاريج المياه والبلدوزرات وأجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية، وإنشاء طرق تفصل الغابات عن أراضي المواطنين وتعيين خفراء وحراس وعمال يكون عددهم كافياً، وهدفهم المحافظة عليها وحمايتها وليس الحصول على فرصة عمل فقط، وإصدار قوانين رادعة ضد كل من يسيء للغابات، والإسراع في التحقيقات لتحديد المسؤول أو المسؤولين عن هذه الحرائق والمستغلين للثروتنا الحراجية الطبيعية، وعدم تسجيلها بأنها من سائح أو سكران أو مجهول، أو تماس كهربائي... لابد من وضع استراتيجية فاعلة للتصدي لظاهرة الحرائق، لا سيما وأن حرائق الغابات تمثل كارثة بيئية لما تسببه في القضاء على الأنواع النباتية والحيوانية، فضلا عن القضاء على المنتجات الخشبية والإضرار بالاقتصاد الوطني، وبالقيم الجمالية والسياحية لتلك المناطق.


خلاصة الكلام: يجبُ أن يتعاطى المسؤولون بالجزائر، مع كارثة الحرائق المُتنقلة والمُتكررة، وإنّ الاعتراف بالمُشكلة يُمثل نصف الحل، إذ لا بُد من نَشر الوَعي لدرء المَخاطر، لا بُد من الكَشف عن المجرمين ومُحاسبتهم، فالتشدد بالعقوبة في مثل هذه المطارح مسـألة غاية في الأهمية، وهي احترازية للحيلولة دون وقوع الجرم، وهو ما يهدف إليه أي قانون، وفي مثل هذه الحالات التشدّد ليس مطلباً رسمياً فقط، بل هو جماهيري أيضاً للقضاء بشكل تام وكامل على أي محاولة للاعتداء على الثروة الغابوية والحراجية، وتالياً قطع الطريق على أي عابث أو طامع أو تاجر عن الغابات الجزائرية، لأنها ثروة وطنية لا يجوز التفريط بها والمساومة عليها.