1) هو محمد طارق عبدالقادر الطرابلسي (1888-1955) القائد الليبي الملقب (طارق الأفريقي ) أو (النمر الاسود) الحامل لرتبة زعيم في الجيش العثماني السابق. أول رئيس أركان حرب لجيش الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية عام 1932.

2) سمي بالإفريقي أو النيجيري  لأن أمه نيجيرية، أما والده فهو ليبي الأصل والمنشأ، ولد في نيجيريا عند أخواله الذين كان متعلقاً بهم، وكانوا يرعونه في غياب والده لكنه عاش في ليبيا ودرس فيها الابتدائية، ثم أكمل دراساته في كل من سورية وتركيا وألمانيا وعاش مع والده ووالدته لحين توفي الأب وهو في طريقه للحج وكان بصحبة ابنيه طارق وأخيه وبعد وفاة الأب أكمل ابناه طريقهما لأداء المناسك وهناك تعرفا على أحد "البشوات" إبان الدولة العثمانية وقد أعجب بهما وطلب منهما أن يلحقاه إلى إسطنبول، وفعلاً وافق الاثنان وارتحلا معه إلى تركيا وهناك سلك وأخوه مسارهما في التعليم بالمدارس التركية والتحقا بكلية الحرب وتخرجا فيها، حينذاك قرر الذهاب إلى سورية وكان العالم حينها يعيش أحداث الحرب العالمية الأولى وبقي أخوه في تركيا وتزوج من امرأة تركية.

3) كان طارق ذا ثقافة واسعة وخبرات عسكرية متميزة يتقن اللغة العربية والتركية والألمانية والفرنسية إلى جانب لغة (الهوسا) النيجيرية ،وعرف  بشجاعته وحزمه وحماسته وبإهتمامه بالقضايا العربية والإسلامية.

معروف عنه أنه يقرأ بنهم ويتابع المستجدات في العالم العربي لاسيما السياسية منها والاجتماعية، كما كان يحفظ القصائد والأشعار والملح والنوادر، وكان رجل علم ومعرفه عرف بحدة ذكائه وسرعة فهمه، كما وصف بحرصه على قراءة الكتب الدينية والأدبية ونظراً لكونه يجيد أكثر من أربع لغات فقد كان ملماً بكثير من عادات وتقاليد الشعوب الأخرى ويعرف عنه التزامه بقراءة القرآن العظيم وكتب السلف بل انه كان من المتحمسين لإقامة ونشر تعاليم السنة النبوية، وكان أميناً صدوقاً نزيها تثبت سيرته المروية والمنقولة عن لسان صحبه وزملائه صدق نواياه وحسن سريرته ولا أدل على ذلك إلا قصة عودته بالأموال الطائلة التي زودته بها الدولة العثمانية لإيصالها لجبهة القتال في ليبيا ضد القوات المحتلة، وحيث انتهت الحرب قبل وصول الزعيم طارق اضطر هذا الأخير إلى العودة من مصر إلى اسطنبول لتسليم المبالغ التي بحوزته ومواصلة الجهاد ضد القوات الغازية.

4) وجد الزعيم "طارق الأفريقي" إبان إقامته بالحجاز وقبلها في سورية فرصة لنشر بعض مقالاته وكتبه التي تدافع عن منهج السلف وتنقية المجتمعات الإسلامية من بعض الصور والعادات التي لا أصل لها في الدين الإسلامي، ولعل من أهم كتبه كتاب "المبتدعات في الدين" وكتاب "الحرب في الحبشة" وكتاب "الدولة السعودية في الجزيرة العربية" وكتاب "الحرب في فلسطين"، وربما أنه نحا فيها منحى المذكرات أو المشاهدات التي عايشها، مع العلم أن له كتابات ومقالات نشرت في عدة صحف  كما كانت له كتابات مدونة ومتناثرة بيد أنها للأسف لا زالت مفقودة، وكان على الرغم من جديته وانضباطه في العمل صاحب نكتة وطرافة، ووصف بأنه خفيف الظل أنيساً مؤنساً في مجلسه وصحبته، وهو بهيئته وصورته رجل ممشوق القوام جبر العظام طويل القامة مهيب في قوامه مهذب في حديثه وكلامه.

5)  من الحروب التي شارك فيها: الحرب العالمية الأولى في البلقان وشرقي أوروبا آخرسنوات الحكم العثماني ،الحرب ضد الاستعمار الايطالي في الحبشة وفي ليبيا، والحرب ضد اليهود في القدس في فلسطين ،والحرب ضد الانجليز في مصر ،والحرب ضد الاستعمار الفرنسي في مالي والجزائر وتونس ،كما كان من أبطال الثورة السورية ضد الفرنسيين.

6) ذاع صيت "الأفريقي" في مواطن العرب ووافق ذلك أن الملك عبدالعزيز كان يبحث عن بعض العساكر المدربين والمهيئين لإعادة إنشاء وتكوين الجيش السعودي وفق المدارس والمراسم العسكرية الحديثة وقد بحث  عن عسكري محنك ذي خبرة عريضة لإنشاء وتدريب وقيادة هذا الجيش، فكان أن أشار عليه الزعيم الليبي البشير السعداوي –وكان عند الملك عبدالعزيز- بالزعيم طارق الأفريقي وكانت الألوية العسكرية السعودية بقيادة عدد من الفرقاء والجنرالات كسعيد كردي وسعيد جودة وإبراهيم الطاسان وغيرهم من الرعيل الأول في قيادات الجيش السعودي، ومع قدوم الزعيم طارق تسلم قيادة أركان حرب الجيش السعودي كما ذكر عبدالله بلخير في مذكراته التي أعدها الدكتور خالد باطرفي.

7) قال المؤرخ عبدالرحمن الرويشد عن بدايات الجيش السعودي ان الملك عبدالعزيز وكّل -في بداية الأمر- "قائدا يعرفه حق المعرفة هو صديقه سليمان شفيق باشا أحد الضباط الذين تولوا ولاية عسير في العهد العثماني وكان القائد سليمان شفيق باشا قد استبقاه الملك عبدالعزيز في الحجاز، وطالبه بتكوين الدفعة الأولى من الجيش السعودي، غير أن الشيخوخة قد أدركت الجنرال وتقدمت به السن فتنحى عن العمل واعتذر من صديقه الملك عبدالعزيز عن المواصلة، فما كان من الملك عبدالعزيز إلا أن كتب إلى صديقه الزعيم السوري الوطني الرئيس شكري القوتلي قبل أن يتولى منصب الرئاسة يستشيره في أن يستقدم القائد طارق الأفريقي لأداء مهمة تأسيس رئاسة أركان الحرب في الجيش الذي يزمع إنشاءه، فأطراه شكري القوتلي، كما أشار إلى استقامة الرجل وشخصيته العسكرية البارزة وأشار إلى جهاده وخوضه غمار الحروب، وقدم ذلك القائد إلى المملكة، وتولى تدريب الألوية العسكرية وتسلم رئاسة أركان حرب الجيش.. فكان له أثره الذي لا ينسى في تاريخ تطور الجيش السعودي من حيث إعادة فتح المدارس العسكرية وسن النظم والرتب العسكرية.

8) وأضاف الرويشد أن الملك عبدالعزيز "بدأ في تأسيس هذا الجيش بتشكيل عسكري بسيط ربطه بقائد الأمن العام عبدالعزيز بغدادي، ثم استقدم بعض الضباط من أقاليم عربية أخرى مثل العقيد محمد مراد الاختياري الذي وضع أسس التشكيلات العسكرية الإدارية، كما استقدم نبيه العظمة من سورية فاستمر في إدخال التحسينات الممكنة في قطاعات الجيش يساعده القائد الشهيد فوزي القاوقجي، تم كل ذلك قبيل سنة 1358هجري وهو العام الذي استقدم فيه الزعيم طارق الأفريقي وعين في رئاسة أركان الحرب".

9 ) وروت "نعمات" -الابنة الوحيدة للقائد طارق الأفريقي- عن رحلة والدها للمملكة وتقول "قرر الملك عبدالعزيز أن يأتي بطارق وكان لوحده لم أكن أنا ووالدتي معه، كان أول مكان يصل إليه هو مكة المكرمة حيث كان موقع الجيش، وطلب منه الملك أن ينظم الجيش وأن ينقله من مكة إلى الطائف بحكم مساحة المنطقة وقربها من مكة وكان الملك عبدالعزيز  قد رأى فيه شخصا جديرا بالاحترام والتقدير وحبه للعمل وقربه إليه ولكن حصل بينه وبين بعض من يعملون معه اختلافات في وجهات النظر فقرر طارق ترك العمل والعودة إلى سورية إلى مقر عمله الأصلي بعد أن أمضى ما يقارب خمس سنوات في المملكة وعاد طارق إلى سورية وشارك في الحرب ضد اليهود وقاد "سرية الإنقاذ" التي ضربت وقتل جميع أفرادها ماعدا القائد طارق وسائقه الخاص عاد بعدها إلى سورية وواصل جهاده وبعد مدة زار الأمير مشعل -وزير الدفاع حينذاك- سورية فعلم طارق بقدومه وذهب لزيارته وهناك طلب منه الأمير العودة للمملكة وفعلاً رحب الزعيم طارق بذلك ومع عودته تم تعيينه مديراً للعمليات الحربية وكان يداوم في قصر شبرا مع الملك عبدالعزيز بالطائف، كما تقول ابنته نعمات.

10 ) من إنجازات طارق الإفريقي في السعودية :تأسيس رئاسة اركان الجيش السعودي ،والمشاركة في تأسيس الجيش السعودي النظامي ،وتدريب الالوية العسكرية الافريقيه في الجيش السعودي ،واعادة فتح المدارس العسكرية في المملكة العربية السعودية.

11) كما ساهم في تشكيل الفرقة الاولي للفرسان ،وقام بتوحيد  الزي العسكري للجيش السعودي ،وتولى استبدال الغترة والعقال بالبيريه (الطاقية العسكرية) للرجل العسكري.وسنّ النظام العسكري للجيش السعودي.

12 ) ومن المناصب التي تقلدها في السعودية، منصب اول رئيس اركان حرب لجيش الملك عبدالعزيز ، ومنصب مدير  للعمليات العسكرية بالجيش السعودي، ومنصب مستشار  في الجيش السعودي.

13 ) عندما تسلّم طارق رئاسة أركان حرب الجيش السعودي، كان الجيش مربوطاً بوزير المالية الشيخ عبد الله السليمان، يشرف عليه نائب الملك الأمير (الملك) فيصل في سنواته الأولى، حتى أسند الملك عبد العزيز وزارة الدفاع التي كانت وكالة وزارة إلى ابنه الأمير منصور بن عبد العزيز، ووثب الجيش في عهده الجديد وثبة عرفها كل من واكبها، وكان لطارق الإفريقي أثره المحفوظ له في تاريخ تطوّر الجيش من الضبط والربط والحزم والعزم، حتى علت به السن وداهمته الشيخوخة وأحيل إلى التقاعد، فعاد إلى دمشق يعكف على قراءاته وأندية رفاقه وأصحابه حتى توفي ودفن هناك.14 ) حصل جدل واسع بين عدة دول حول اصل هذا البطل الذي قل نظيره وكل الدول تتدعي انه منها كالسعودية وسوريا والسودان  ،ولكن جاء الرد من ابنته نعمات عبر صحيفة الجزيرة السعودية حيث قالت "والدي ليبي  أباً عن جد ،  وكان يحمل الجنسية السورية.. ومات بسوريا العام 1955 ".

15 ) كتب عنه الاديب علي مصطفى المصراتي ضمن كتابه نماذج في الظل الصادر في منتصف القرن الماضي .

16 ) كان طارق الإفريقي  يجتمع مع الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة و الحاج امين الحسيني مفتي فلسطين وعبد الكريم الخطابي القائد المغربي في صالون بشير السعداوي بمصر.

17 ) حضر المؤتمر الدولي الاسلامي الاول حول مدينة القدس مع كبار الشخصيات في العالم الذي عقد في بيت المقدس سنة 1931 م.

18 ) كتب عن "الزعيم طارق" عدد من الباحثين والمؤرخين كعبدالرحمن الرويشد وعبدالله بلخير، كما كتب عنه عدد من الصحفيين والكتّاب، إلاّ أنّ الدكتور محمد بن سعيد القشاط أفرد للزعيم الأفريقي كتاباً مستقلاً، حكى  فيه قصته وسيرته الطويلة مع الجهاد والعسكرية والكتاب، 

19 ) من مؤلفاته المطبوعة والمنشورة :كتاب المبتدعات في الدين.كتاب الدولة السعودية في الجزيرة العربية.كتاب الحرب في الحبشة.كتاب الحرب في فلسطين.

20 ) ذكر المؤرخون أنّ الزعيم "طارق الأفريقي" قد توفي في حدود عام 1371ه ( 1955 مبلادية ) بعد قرابة خمس سنوات عانى فيها من الشلل الذي أصابه بعد أن تعرض لجلطة مفاجئة في منتصف ستينيات القرن الهجري المنصرم، حين كان رئيساً لأركان الجيش السعودي، وحينها طلب من الملك المؤسس –طيب الله ثراه- التقاعد عاد إلى سورية ومكث بقية حياته هناك ودفن رحمه الله بدمشق، وبقيت ابنته الوحيدة "نعمات" التي زوجها والدها أحد أبناء مكة المكرمة من منسوبي وزارة الدفاع المفتش إبراهيم بن عبدالله بلقين لتنتقل مع زوجها لمدينة الرياض وتروي  قصة والدها الذي ظلت صفحات التاريخ –إلى وقت فريب- تجهل الكثير عن حياة هذا الزعيم المناضل رحمه الله رحمة واسعة.