تشهد ليبيا منذ العام،واحدة من أصعب المراحل في تاريخها، لدرجة أن استمرار وجودها كدولة موحّدة أصبح هو نفسه على المحك.حيث تتصاعد المخاوف من إنحدار الأوضاع وإنزلاقها نحو متاهات الحرب الأهلية،في ظل حالة الصراع المستمرة التي تساعد على توغل وتنامي الإرهاب بما يهدد البلاد والمنطقة عموما.

وأمام هذه الإحتمالات المخيفة،تتسارع المساعي الأممية لطرق العديد من الأبواب بحثا عن الحلول الممكنة،بغية رأب الصدع بين الفرقاء الليبيين والوصول الى تسوية شاملة من شأنها انهاء الصراع العسكري والسياسي المستمر منذ أشهر واخراج البلاد من دوامة العنف والفوضى وتردي الأضاع الأمنية والمعيشية.

الى ذلك،التقى المبعوث الأممي غسان سلامة مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط،الاثنين،بمقر الجامعة العربية في القاهرة،حيث بحث الطرفان المستجدات العسكرية والأمنية والسياسية على الساحة الليبية والجهود المبذولة، لإيقاف القتال الدائر منذ أبريل/نيسان الماضي في العاصمة طرابلس.

وقال سلامة - فى تصريح أدلى به عقب اللقاء - إنه أطلع الأمين العام للجامعة العربية على أخر التطورات السياسية والأمنية فى ليبيا، مؤكدا أن ليبيا عضو مهم فى الجامعة العربية، ولابد أن تكون الجامعة "منخرطة " فى البحث عن آلية لحل سياسى دائم للأزمة الليبية.وشدد على ضرورة إعادة الأمن والأمان والاستقرار إلى ليبيا لتتبوأ مكانها الطبيعى بين أشقائها العرب.

وقال بيان للبعثة الأممية إن أبو الغيط "رحب بدوره بجهود الممثل الخاص في إحياء العملية السياسية في ليبيا"، فيما أشارت الجامعة العربية، بدورها، إلى أن "اللقاء شهد اتفاقاً كاملاً في الرؤى بين الطرفين حول أهمية شروع الأطراف الليبية على الفور في خفض التصعيد الميداني، تمهيداً للتوصل إلى وقف ثابت ودائم لإطلاق النار، بما يسمح بالعودة للمسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، باعتبار أنه لا يوجد أي حل عسكري للأزمة الليبية".

وأكد بيان أبو الغيط موقف الجامعة الثابت الرافض لكافة أشكال التدخل الخارجي في الشأن الليبي، مجدداً "التزام الجامعة بالاستمرار في الاضطلاع بجهودها الرامية إلى تشجيع الأطراف الليبية على إيقاف العمليات العسكرية والتوصل إلى تسوية شاملة للوضع في البلاد".

وتسببت الأزمة المستمرة في ليبيا بوقوع الآلاف من الضحايا بين قتيل وجريح، حيث تحولت خلالها الدولة الأفريقية الشمالية إلى مسرح للتدخل الخارجي ومرتع للمجموعات الإرهابية، على رأسها تنظيم داعش، ناهيك عن اتخاذ المهاجرين ومهربي البشر من ليبيا نقطة انطلاقٍ للهجرة غير الشرعية باتجاه سواحل جنوب أوروبا.

ومنذ اندلاع القتال في أبيل/نيسان الماضي،تحركت الجامعة العربية في محاولة لتخفيف التوتر المتصاعد حينها،حيث دعت الجامعة جميع الأطراف الليبية إلى ضبط النفس والقيام على الفور بخفض حالة التصعيد الميدانية الناتجة عن التحركات والتحشيدات العسكرية في المناطق الغربية من البلاد والالتزام بالمسار السياسي باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة في ليبيا.

وشدد حينها الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط على أنه لا يوجد أي حل عسكري للوضع الليبي، وطالب الأطراف كافة بالامتناع عن أية تصرفات تقود إلي إذكاء الصراع أو تزيد من حالة الفرقة بين أبناء الشعب الليبي، والعودة إلى الحوار الهادف للتوصل إلى تسوية وطنية خالصة لإخراج البلاد من الأزمة التي تعيشها عبر التوافق على الخطوات والاستحقاقات المتبقية لتوحيد مؤسسات الدولة واتمام عملية الانتقال الديمقراطي السلمي الذي ينشده الشعب الليبي.

وتسعى جامعة الدول العربية إلى إثبات وجودها في الملف الليبي،وكان مبعوث الجامعة إلى ليبيا، صلاح الدّين الجمالي،اعتبر في أبريل/نيسان الماضي، في مقابلة مع وكالة الأناضول،أن "قرارات الجامعة العربية الآن هامة، ولكن يجب على الأطراف الليبية إشراكها"، في حل الأزمة. 

وحول ما قدّمته الجامعة العربية لليبيا لفت الجمالي، إلى أنّ الأطراف الليبية، ليست حريصة على إشراك الجامعة العربيّة، و"نحن جاهزون دائما، رغم أننا لا نحبّذ كثْرة المبادرات، ونؤيّد المبادرة الأممية".وأشار إلى أنّ "موقف الجامعة كان ضعيفا في 2011، عندما كان الحلف شمال الأطلسي (الناتو) يدمر المؤسسات الليبية، وكانت غير قادرة على اتخاذ مواقف كما تأخذها اليوم، لأنه كانت كل الدول العربية منشغلة في قضايا داخلية، وما يسمى بالربيع العربي كان في أوج تحركه".

وأعلنت الجامعة العربية في نوفمبر 2016،تعيين الدبلوماسي التونسي صلاح الدين الجمالي ليشغل منصب ممثلها في ليبيا، وذلك عقب بيان صادر عن الجامعة، بعد اجتماع عُقد على مستوى المندوبين الدائمين، تفعيلاً للقرار الصادر عن الدورة العادية الـ146 لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية.واعتبر مراقبون تعيين الجمالي خطوة متأخرة ،حيث جاء بعد حوالى عام من الفراغ العربي، الذي أحدثته استقالة المبعوث السابق من هذا الملف، ناصر القدوة.

وتأتي محاولات المبعوث الأممي لتنشيط دور الجامعة العربية في ليبيا في وقت مازالت فيه الأوضاع الأمنية تراوح مكانها في العاصمة طرابلس في ظل استمرار أصوات الرصاص والقصف الذي طال مؤخرا مطار معيتيقة الدولي،مما أسفر عن سقوط عدد من الجرحى من الحجاج الذين تزامن وصولهم في رحلة قادمة من المملكة العربية السعودية، بعد الانتهاء من أداء مناسك الحجّ،بالاضافة الى خسائر مادية واغلاق المجال الجوي للمطار الوحيد المتبقي في العاصمة طرابلس.

وبإغلاق مطار معيتيقة الذي يعد المطار المدني الوحيد الذي يعمل في طرابلس حالياً، تصبح المدينة بلا مطار أو منفذ جوي، على نحو يعيد إلى الأذهان ما جرى من اشتباكات دامية عام 2014 بين الميليشيات المسلحة وأدت إلى تدمير مطار طرابلس الدولي (غير مطار معيتيقة) وتعليق الرحلات الجوية وخروجه عن العمل.

وأكد مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة الثلاثاء أن البعثة الأممية تعمل على إحالة ملف قصف مطار معيتيقة الدولي المتكرر إلى المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية ومجلس الأمن ولجنة الخبراء بالمجلس.وأوضح سلامة في ندوة صحفية مشتركة مع وزيري المواصلات والداخلية عقب اجتماع جمعهم أن قصف مطار معيتيقة "أمر غير مقبول وغير قانوني تسبب في هلع بين المواطنين".

ويرى مراقبون أن المبعوث الأممي يعرف تماما من يقوم بقصف مطار معيتيقة بشكل متكرر،ويستشهد هؤلاء بتصريحاته في سبتمبر/ايلول 2018،حين قال "نحن نعلم تمامًا من قام بقصف مطار معيتيقة مرتين، مضيفا نحن نعلم بهذا الطرف وهو يعلم أننا نعلم. ولذلك أستفيد من هذه اللحظة لأقول له: "المرة المقبلة سنسميه بالاسم".

ومر حوالي العام على تصريح المبعوث الأممي دون أن يتحرك ضد المليشيات رغم تعرض مطار معيتيقة لعشرات الهجمات المباشرة، والتي تسببت في إصابة مهندسين إضافة إلى أضرار طالت بعض الطائرات والبنية التحتية للمطار وهو ما ينضاف الى الخسائر الكبيرة التي تعرضت لهل ليبيا على يد المليشيات المسلحة تحت أنظار البعثة الأممية.

وتزداد الأوضاع تأزما خاصة في ظل استمرار التدخل التركي في ليبيا،حيث بثت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش الوطني فيديو يظهر اعترافات أحد العناصر المسلحة عن "تورط تركيا في دعم العمليّات العسكريّة التابعة لميليشيات السراج". وقال مصباح الهنقاري، الذي قال الجيش إنه كان يعمل في هيئة الطاقة الذرية بطرابلس، إن "تركيا تزوّد العناصر المسلحة بالطائرات المسيرة، وطائرات الاستطلاع والعربات المدرعة"، مشيراً إلى أن العناصر الأجنبية من تشاد ودول أخرى تعوّض النقص العددي للعناصر المحلية في محاور القتال.

وكانت وحدات الدفاع الجوي التابعة للجيش الليبي،نجحت الإثنين،في اسقاط طائرة تركية مسيّرة كانت تستهدف وحدات للقوات المسلحة بوادي الربيع، جنوب العاصمة طرابلس، بعدما انطلقت من قاعدة معيتيقة الجوية، وفق المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة.

وقال المركز عبر صفحته على "فيسبوك"، إن "تركيا وقطر لا تزالان تدعمان الميليشيات الإرهابية ومهربي البشر والوقود والدواعش في ليبيا".وذكر البيان أن "قطر وتركيا تصران على استمرار أزمة الليبيين ووضعهم المأساوي"، لكنه أكد أن "القوات المسلحة الجوية هي الذراع القوية الضاربة ضد التنظيمات الإرهابية".

ويشير مراقبون الى أن المحور التركي القطري يشعر بالقلق من خسارة حلفائه في ليبيا وهو ما سيفقده امتيازات كبيرة ومصالح ضخمة كانت توفرها له مليشيات التيار الاسلامي الموالية له.وتلقى الأوضاع الراهنة بظلالها على المدنيين الذين يدفعون الثمن،في جو من عدم الاستقرار، والانقسام السياسي، والانهيار الاقتصادي.ويعيش الكثيرون في ظروف غير آمنة،وسط آمال متجددة في إنهاء سنوات من الألم والخوف وإرساء دولة مستقرة وآمنة تحقق مستقبلا أفضل للشعب.