تحولت ليبيا منذ سنة 2011 إلى ساحة معركة مفتوحة وحروب أهلية حيث لم يتوقف القتال منذ سنوات غابت فيها سلطة الدولة،ففي كل يوم معركة جديدة وضحايا جدد في البلد الذي تتصارع فيه العديد من الجماعات المسلحة من أجل فرض النفوذ والسيطرة
هذه الحرب المفتوحة ليست بمعزل عن قوى خارجية تدفع نحو تأجيج الصراع حيث تدعم طرف على حساب آخر بمختلف الطرق.
حيث لا يزال ملف الطائرات التركية المسيرة المستعملة من قبل قوات الوفاق الليبية، تثير جدلا واسعا في ليبيا، وذلك بعدما تأكد أن ملكية تلك الطائرات تعود إلى النظام القطري، حيث أن الدوحة تسلمت من تركيا في فبراير الماضي طائرات دون طيار من طراز بيرقدار"تي بي2" ، وهي ذاتها المستعلمة حاليا من قبل حكومة الوفاق.
وكانت شركات الصناعات الدفاعية التركية وقّعت في مارس 2018 صفقات مع قطر، خلال معرض الدوحة للدفاع البحري منها صفقة مع شركة "بيكار"لصناعة الطائرات، قصد شراء طائرات دون طيار من طراز بيرقدار"تي بي2"، وتعتبر تلك الصفقة هي الأولى من نوعها التي تصدّر فيها الشركة التركية منتجاتها إلى الخارج.
ومنذ شهر نيسان (إبريل) الماضي، أعلنت تركيا "بشكل واضح وصريح أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقدم دعم بلاده لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس. ويشمل ذلك الدعم العسكري الذي قد يغير من موازين القوى على الأرض"، وفقاً لتقريرٍ نشرته "دويتشه فيله" في 30 نيسان (إبريل) الماضي.
ويشير التقرير ذاته، إلى أنّ هذا الدعم العلني ليس مفاجئاً؛ لأنّه "أتى بعد دعمٍ خفيٍ سابق.. هو نتاجُ امتداد لصراعات كبرى بين قوى إقليمية ودولية، نقلت خلافاتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية إلى أرض جديدة بعد أن كانت الأراضي السورية هي مسرح تلك الصراعات"، مما يشير بوضوح إلى أنّ المصالح الإقليمية هي التي تقف وراء هذا الدعم، وليس السعي لاستقرار ليبيا.
ورغم النفي التركي المتكرر لمثل هذه التقارير، أو ما تسميه الدبلوماسية التركية أحياناً (أحداثاً مزعومة)، فقد أعلنت حكومة الوفاق في ليبيا "أنّها عززت قواتها المدافعة عن طرابلس بعشرات المدرعات لصد قوات الجيش الليبي التي تحاول السيطرة على العاصمة؛ حيث أظهرت صور وتسجيلات مصورة نشرتها قوات متحالفة مع حكومة الوفاق وصول عشرات المركبات المدرعة من طراز "بي.إم.سي كيربي" تركية الصنع إلى ميناء طرابلس"، وذلك بحسب تقرير نشره موقع "ميدل إيست" في 18 أيار (مايو) الماضي".
من جهته،موقع "آرمي ريكوجنيشن" الأمريكي المتخصص في الشؤون العسكرية، كشف في وقت سابق، أن تركيا زودت قوات حكومة "الوفاق"، المدعومة من أنقرة، بمدفع ليزر متطور مكّنها من إسقاط عدد من الطائرات المسيرة الصينية من طراز "وينغ لونغ 2"، التي تشارك في عمليات استطلاع وغارات على طرابلس ومصراتة، منذ أن أطلق الجيش الليبي عملية تحرير طرابلس في أبريل الماضي.
الموقع الأمريكي، نقل عن الخبير العسكري الروسي، أليكسندر تموخين، أن تركيا أرسلت هذه التقنيات العسكرية الخطيرة إلى حكومة السراج، ، في إطار مساعيها الدؤوبة لوقف تقدم قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر.
الخبير العسكري الروسي، تابع :"أن قوة مدفع الليزر تصل إلى 50 كيلوواط، ويعد حتى الآن أقوى مدفع ليزر في مركبة القتال البرية التركية". وتعد هذه هي المرة الأولى التي يُستخدم فيها سلاح من هذا النوع في عمليات قتالية في الميدان، وهكذا استغلت أنقرة الحرب الأهلية في ليبيا، لصب مزيد من الزيت بهدف تحويل البلاد لحقل تجارب مفتوح لأسلحتها القذرة.
الرئيس التركي، رجب إردوغان، كان قد أكّد من جهته في تصريحات له يونيو الماضي، أن تركيا تزوّد حكومة السراج بالسلاح والدعم اللوجستي والمشورة العسكرية، بدعوى أن ذلك ضروري لإعادة التوازن في الحرب ضد الجيش الوطني الليبي.
لم يتوقف الأمر بالنسبة لتركيا على مجرد إرسال الأسلحة إلى الميليشيات، حيث كثفت أنقرة دعمها العسكرى لميليشيات طرابلس منذ إطلاق الجيش الوطنى الليبى عملية تحرير طرابلس، فى إطار تخوفها من ضرب مشروعها في المنطقة ومن ثَم اتخذت عدداً من الإجراءات يأتى أولها نقل 1300 عنصر إرهابي من تركيا إلى ليبيا يضمون مقاتلين قادمين من الساحتين السورية والعراقية، حيث تم وصول الإرهابيين خالد الشريف وسامي الساعدي يوم 14 أبريل إلى مطار معيتيقة، والإرهابي زياد بلعم إلى مطار مصراتة يوم 9 أبريل الماضى إلى جانب دفعات أخرى من العناصر الإرهابية، مثل: عبدالرحمن الميلادى المدرج على قوائم الإرهاب من قِبَل وزارة الخزانة الأمريكية، والإرهابى مسعود فوزى إمحمد العقورى، وطاهر صالح الطلحى ومحمد مصطفى كفالة، وسعد عبدالسلام الطيرة، وسليمان منصور إسماعيل الجهانى وقد وصلوا بحراً وجواً من خلال شركة طيران الأجنحة المملوكة للإرهابى الليبى عبدالحكيم بلحاج.
وأرسلت تركيا مجموعة من الشحنات العسكرية إلى الموانئ الليبية، حيث تم رصد وصول السفينة "أمازون" إلى ميناء "طرابلس" قادمة من "ميناء سامسون" التركي يوم 18 مايو الماضى، وتحمل على متنها نحو 60 مدرعة إلى جانب البنادق والذخائر والصواريخ، والتى أعقبها إعلان عملية "بركان الغضب"، التابعة لحكومة السراج، فى اليوم نفسه عن وصول تعزيزات لقواتها فى طرابلس بمدرعات وذخائر وأسلحة نوعية.
من ذلك،يرى مراقبون أن الموقف التركي يأتي منسجماً مع سياستها الخارجية العامة التي لا تنظر إلى عواقب تحقيق مصالحها (الاقتصادية) حتى على حساب إقصاء أطراف أخرى، وفي الحالة الليبية يتجلّى ذلك بعدم مراعاة مصالح دول الجوار في ظل الحرص على استمرار حالة الفوضى ودعم الاستقرار، مما يبقي مستقبل ليبيا في المجهول، وعلى فوهة مدفع.