أكد السفير الليبي السابق الأستاذ الدكتور أحمد الاشهب أن الوطن لا يساس بالعواطف أو بالنوايا الحسنة مبينا أن الصورة الأولى قد تكون خادعة مستعرضا لموقف مر به عندما كان ضمن الوفد الليبي المشارك في اجتماعات اللجنة المشتركـــــــة ( الليبية ـ الكورية ) للتباحث حول مواضيع عدة
وقال الأشهب في تدوينة بعنوان "من الذاكرة الدبلوماسية" "وصل الوفد الليبي المشارك في اجتماعات اللجنة المشتركـــــــة ( الليبية ـ الكورية ) إلى بيونغ يانغ للتباحث مع الجانب الكوري حول مواضيع عديدة".
وأضاف"استقبلنا الرئيس الكوري كيم إيل سونغ ( وهو جد الرئيس الحالي )مرحبا بنا ومعبرا عن امتنانه باستئناف اللجنة المشتركة لعملها من أجل تطوير العلاقات بين البلدين ومؤكدا في ذات الوقت حرصه الشخصي وكذلك باقي المسؤولين الكوريين في القطاعات المختلفة على نجاح هذه اللجنة المشتركة في أعمالها وعلى تمتين أواصر العلاقات الودية بين القيادتين والشعبين في البلدين الصديقين" مردفا"وفجأة وبلهجة صريحة وقوية قال الرئيس الكوري : يوجد في بلادكم 5000 جاسوس يعملون لصالح الامبريالية الأمريكية والدول الاستعمارية ، عليكم طردهم من بلادكم في أسرع وقت، هؤلاء جواسيس وعملاء سيخربون بلادكم ويفسدون مشاريعكم، نحن مستعدون للتعاون معكم بدلا منهم في تنفيذ المشاريع التي تودون إنجازها في بلادكم، إنهم عملاء لأمريكا والامبريالية أنظروا ها هي بلادهم مليئة بالقواعد العسكرية الأجنبية وبالجنود الأمريكان أطردوهم وغيرهم من العملاء من بلادكم".
وأردف الأشهب "كان الرئيس كيم إيل سونج يقصد بحديثه هذا الشركات الكورية الجنوبية والشركات الأوروبية التي كانت تنفذ بعض المشاريع التنموية في ليبيــا وهو ــ حسب اعتقاده ـ يعتبر العاملين في هذه الشركات بمثابة جواسيس للقوى الغربية".
وتابع " لقد وصل العداء بين الكوريتين بسبب وجود القواعد الأجنبية على أرض كوريا الجنوبية إلى درجة كبيرة ، حتى أن الشمال لا يقبل مطلقا بوضعه في خانة واحدة مع الجنوب، وإنني أتذكر ذلك الرجل الطيب المهندس محمد المنقوش عندما جاء في زيارة إلى كوريا الشمالية لتسليم رئيسها دعوة من القيادة الليبية لحضور حفل افتتاح النهر الصناعي وكانت جولته تشمل كوريا الجنوبية أيضا، وعندما وجد الكوريون الشماليون تأشيرة الدخول إلى كوريا الجنوبية على جواز سفر المنقوش اغتاظوا كثيرا وقالوا : لا ينبغي أن تشمل زيارته الشمال مع الجنوب في وقت واحد فهذا الجنوب عدو لنا وسيبقى كذلك حتى يتمكن من التخلص من الهيمنة الأمريكية".
ولفت الأشهب إلى أن "المهندس المنقوش رغم طيبته الواضحة إلا أنه حازم في مواقفه التفاوضية مع الدول الأجنبية، فقد كان يترأس وفدا ليبيا أتى إلى تركيا خلال ثمانينات القرن الماضي ( وكنت حينها في أنقرة) وذلك للتفاوض حول بيع ليبيا شحنة من النفط إلى تركيا أيام رئيس الوزراء ( تورغت أوزال ) فكان الخلاف بين الوفدين ينحصر ليس في المبلغ الأصلي بل في( السنتات ) فتركيا تريد إلغاءها من الاتفاق بحيث تبقي فقط على الرقم الصحيح من المبلغ أما المنقوش وهو الذي يتقن اللغة التركية كان مصرا على استيفــــاء هذه ( السنتات ) حتى وصل الأمر إلى مغادرة الوفد الليبي مقر إقامته متجها إلى المطار".
وأضاف "اضطرت السلطات التركية أمام هذا الإصرار الليبي إلى توقيع الاتفاق بالأسعار التي طلبها الوفد الليبي إلا أن المنقوش لم يوفق في زيارته لكوريا من مقابلة الرئيس، وتسليمه الدعوة مما اضطره للسفر بواسطة القطار متجها إلى الصين ومنها إلى كوريا الجنوبية ولكنه ترك الدعوة لدى وزير الخارجية الذي بعث بوفد للمشـــــــاركة في هذه المناسبة".
وتابع الأشهب "لم نعلق على ما قاله الرئيس حول هؤلاء ( الجواسيس ) لأننا ندرك أنه قد يكون محقا في حديثه هذا، فقد يكون من بين هؤلاء، أو من بين غيرهم، أو حتى من بيننا نحن من يعمل ضدنا ويقدم خدماته الرخيصة ضد وطنه وشعبه لهؤلاء الأجانب الذين يتربصون بنا ويتحينون الفرصة للانقضاض على بلدنا وثرواتنا ومستقبلنا، وقد اتضح ذلك جليا فيما بعد ، فالصورة الأولى قد تكون خادعة والوطن لا يساس بالعواطف أو بالنوايا الحسنة".