مع استمرار الرفض الدولي للتدخلات الخارجية في ليبيا والدعوات المستمرة لانهاء التوتر بين الفرقاء الليبيين والتمهيد للعودة الى طاولة المفاوضات،شهدت الساحة الليبية تطورا مهما مع اعلان الأطراف المتنازعة عن وقف لاطلاق النار ،فيما يواصل النظام التركي محاولاته اشعال المزيد من الانقسامات والصراعات ونشر الفوضى التي تغطي على اجنداته المشبوهة في البلد النفطي.
الى ذلك،أعلن كل من رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح ،ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، بشكل متزامن،الجمعة، وقفا شاملا لإطلاق النار، بكافة الأراضي الليبية.وقال عقيلة صالح في بيان نشرته البعثة الأممية في ليبيا،أن "وقف إطلاق النار يقطع الطريق على أي تدخلات أجنبية في ليبيا، وينتهي بإخراج المرتزقة وتفكيك الميليشيات".
من جهته،أصدر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بيانا قال فيه: "انطلاقا من مسؤوليته السياسية والوطنية، وما يفرضه الوضع الحالي الذي تمر به البلاد والمنطقة، وظروف الجائحة، يصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني تعليماته لجميع القوات العسكرية بالوقف الفوري لإطلاق النار وكافة العمليات القتالية في كل الأراضي الليبية".
وأكد المجلس الرئاسي أن "تحقيق وقف فعلي لإطلاق النار يقتضي أن تصبح منطقتي سرت والجفرة منزوعتي السلاح وتقوم الأجهزة الشرطية من الجانبين بالاتفاق على الترتيبات الأمنية داخلها".وأضاف البيان أن "رئيس المجلس الرئاسي إذ يبادر بالإعلان عن وقف إطلاق النار يؤكد أن الغاية هي استرجاع السيادة الكاملة على التراب الليبي وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة".
ووصفت البعثة الأممية هذه الخطوة بالمهمة، قائلة في بيان نشر على حسابها الرسمي على تويتر "نرحب بشدة بالتوافق الهام بين بياني رئيسي المجلس الرئاسي ومجلس النواب الرامي لوقف إطلاق النار وتفعيل العملية السياسية" في ليبيا.مشيرة الى أن بياني المجلس الرئاسي والبرلمان الليبي تضمنا قرارات شجاعة.
وتتالت بيانات الترحيب المحلية والدولية بقرار وقف اطلاق النار لكن هذا التفاؤل الكبير بانفراجة المشهد الليبي مازال يصطدم بالتحركات التركية المريبة.فبعد ساعات قليلة من اعلانه وقف اطلاق النار استقبل رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، سفير تركيا لدى ليبيا سرحات أكسن.
وجدد السفير التركي خلال الاجتماع التأكيد على موقف بلاده الداعم لحكومة الوفاق وخياراتها وحرصها على استقرار ليبيا.وقال المكتب الاعلامي لرئيس المجلس الرئاسي،أن الاجتماع تناول تطورات الأوضاع في ليبيا، والعلاقات الثنائية بين البلدين.وجدد خلاله السفير التركي التأكيد على موقف بلاده الداعم لحكومة الوفاق وخياراتها وحرصها على استقرار ليبيا.
وينظر البعض الى هذه الخطوة بعين الريبة خاصة أنها تأتي بعد أيام قليلة من زيارة قام بها وزير الدفاع التركي خلوصي آكار،رفقة وزير الدفاع القطري خالد العطية، إلى العاصمة طرابلس،حيث اجتمع الوزيران بعدد من المسؤولين الليبيين، وتم الاتفاق على تحويل ميناء مصراتة إلى قاعدة بحرية عسكرية للسفن التركية العاملة شرقي المتوسط، والقاعدة العسكرية التركية في قاعدة الوطية الجوية، جنوب طرابلس.
واعتبر الناطق باسم القائد العام للجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري، أن زيارة وزيري الدفاع التركي والقطري إلى العاصمة الليبيّة، طرابلس، تستهدف الإعداد لمهاجمة مدينة سرت.وأكد المسماري في مؤتمر صحفي، عقده مساء الأربعاء،أن الاجتماع الذي جمع وزيري دفاع تركيا وقطر في طرابلس هو اجتماع حرب بالاتفاق مع حكومة السراج.
ودفع النظام التركي خلال الاشهر القليلة الماضية بالآلاف من المرتزقة السوريين الى الأراضي الليبية لتحقيق أهدافه والسيطرة على موارد وخيرات ليبيا،مستغلا الدعم الذي قدمه لجماعات إرهابية مسلحة في حربها ضد الحكومة السورية في الضغط عليها لتجنيد المزيد من عناصرها وغيرهم من الشباب والأطفال السوريين في مناطق سيطرتهم، وإرسالهم إلى تركيا للتدريب ومن ثم نقلهم إلى الأراضي الليبية.
وعبرت تركيا عن أطماعها في السيطرة على مدينة سرت واشترطت في وقت سابق وقف اطلاق النار في ليبيا بانسحاب الجيش الوطني الليبي من المدينة والحقول الليبية ما كشف بوضوح أطماع نظام أردوغان في الثروات النفطية الليبية.لكن هذه الأطماع اصطدمت برفض مصر،الجارة القوية لليبيا والتي سبق أن أكدت أن منطقة سرت-الجفرة خط أحمر.
ويشير خبراء الى أن سرت هي مفتاح السيطرة على منطقة "الهلال النفطي" في ليبيا ، والتي تساهم بنسبة 60٪ من صادرات النفط الليبية.ومدينة سرت التي لديها حقول نفط مهمة ومرافق تحميل الناقلات،ذات أهمية عسكرية أيضًا،كونها مدينة حامية تسمح بالسيطرة على الساحل الليبي بين طرابلس إلى الغرب وبنغازي من الشرق.أما الجفرة،فتحتوى على قاعدة جوية تسمح بالسيطرة على المجال الجوي الليبي بأكمله،بالإضافة إلى كونها طريقًا رئيسيًا يربط جنوب البلاد بالساحل.وخلاصة القول ، إن السيطرة على الجفرة يعني السيطرة على كل ليبيا.
وبالرغم من الانفراجة الكبيرة التي يمثلها اتفاق وقف اطلاق النار الأخير في المشهد الليبي واعتباره خطوة هامة بعد أشهر من القتال والتصعيد المستمر بين الفرقاء الليبيين،فان هذا التفاؤل يبقى محفوفا بمخاطر عديدة لعل أبرزها انتشار المرتزقة والارهابيين الموالين لتركيا في الأراضي الليبية ناهيك عن الشكوك المحيطة بمدى قدرة حكومة الوفاق على الزام القوات الموالية لها بوقف اطلاق النار.ويؤكد بعض المتابعين أنه على المجتمع الدولي العمل على كبح التدخلات التركية لانقاذ السلام الليبي.