في أعقاب سقوط نظام الراحل معمر القذافي، أصبحت معظم ترسانات الأسلحة خاضعة لسيطرة جماعات مسلحة غير تابعة للدولة وليس في مقدور مؤسسات الحكم أن تفرض سيطرة تامة على حدود ليبيا وموانئها ومطاراﺗﻬا، مما أسهم في انعدام الأمن عموماً داخل ليبيا وفي المنطقة المحيطة ﺑﻬا. وحال عدم الاستقرار والجمود السياسي دون تحقيق نمو اقتصادي، فقد ظلت معدلات إنتاج النفط دون المستويات التي كانت عليها قبل العام 2011 بسبب المشاكل التقنية، ومحاصرة الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة لمنشآت النفطية. هذه الفوضى فسحت الطريق لتعاظم قوة الجماعات الإرهابية وعصابات تهريب البشر التي تنشط على السواحل في تهريب المهاجريين غير الشرعيين إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط. تحولت ليبيا إلى قاعدة كبيرة للنشاط الإرهابي والإجرامي، الذي لم يتوقف نشاطه عند الجغرافيا الليبية ودول الجوار، بل أصبحت تهدد أمن أوروبا شمالاً والمصالح الأمريكية والبريطانية والفرنسية، الأمر الذي دفع الحكومات الغربية لوضع خطط لتدخل عسكري لم تتوضح بعد معالمه. لكن الواضح أن الحكومات الأوروبية (إيطاليا، فرنسا، بريطانيا) أصبحت أكثر سعياً للتدخل من نظيرتها الأمريكية، لجهة أن الأخطار المشار إليها باتت تهددها بشكل مباشر وأكثر خطورة.
فخلال الأيام الأخيرة أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (الأفريكوم)، مقتل 7 إرهابيين في غارة جوية جنوبي ليبيا.وقال اللواء ويليام جايلر، مدير عمليات القيادة الأمريكية في أفريقيا، الإثنين: "سعينا وراء تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى في ليبيا يقلل من قدرتها على القيام بعمليات ضد الشعب الليبي بفعالية".وتابع جايلر، في بيان اطلعت صحفي، أن ضربات الأفريكوم تعمل على تعطيل تخطيط الإرهابيين وتدريبهم وأنشطتهم، مضيفاً "نضعف أيضاً من قدرتهم على تهديد مصالح الولايات المتحدة والشركاء في المنطقة".ولفت البيان إلى مواصلة القيادة الأمريكية الأفريقية لدعم الجهود الدبلوماسية الرامية إلى استقرار الوضع السياسي في ليبيا، من أجل تعطيل المنظمات الإرهابية التي تهدد الاستقرار الإقليمي.وأشار البيان إلى مقتل 7 إرهابيين نتيجة الغارة الجوية، نافياً إصابة مدنيين.وكانت الأفريكوم أعلنت، الجمعة، عن مقتل 17 إرهابياً من تنظيم داعش الإرهابي بعد استهدافهم بغارة جوية جنوبي ليبيا.وتعد غارة أمس هي الرابعة التي تنفذها القيادة الأمريكية في أفريقيا في أقل من أسبوع، إذ سبق وأعلنت، الأربعاء، مقتل 11 داعشياً في غارة جوية بمدينة مرزق.كما أعلنت الأفريكوم في 20 سبتمبر الجاري، مقتل 8 إرهابيين من تنظيم داعش الإرهابي؛ إثر قصف جوي نفذته بضواحي مدينة مرزق.وفي نهاية العام الماضي، استهدفت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا المنطقة بين مرزقوأوباري ، ما أدى إلى مقتل 11 عنصراً من تنظيم القاعدة الإرهابي.
لا تجد دعوات وتهديدات التدخل العسكري الخارجي، تجاوباً في الداخل الليبي. القبائل الليبية وعلى الرغم من التناقضات والخلافات التي تشقها، تُجمع كلها على رفض هذا التدخل، بل يذهب البعض للتلويح بالمقامة العسكرية لأي تدخل خارجي معتبراً إياه "احتلالاً مقنعاً" وكذلك الجيش الليبي، بقيادة خليفة حفتر، يعارض التدخل ويطالب بدعمه لمكافحة الإرهاب. دول الجوار تستشعر خطراً من هذا التدخل، وتعتقد أنه سيزيد تعقيد الأوضاع وسينهي أي أمل في الحلول السلمية التي تقودها الأمم المتحدة منذ سنتين. في المقابل تعلق القوى الغربية تدخلها بموافقة حكومة الوفاق الوطني، المنبثقة عن المجلس الرئاسي الذي أقره اتفاق الصخيرات المغربية، أواخر العام 2015
.
هذا الاتفاق لم يحظى بإجماع الفرقاء في ليبيا، بل إن عدداً كبيراً من ـعضاء مجلس النواب، المعترف به دولياً بما فيهم رئيس المجلس، عقيلة صالح، يطالبون بتعديل فصوله ويعتبرونه مدخلاً لإعادة هيمنة الجماعات الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين على السلطة وكذلك يلقى معارضةً من الجيش الليبي وقائده خليفة حفتر. لكن القوى الغربية الراغبة بشدة في تشكيل حكومة وفاق وطني من أجل الحصول على الضوء الأخضر للتدخل، ضغطت بشدة من أجل التوصل إلى حلً قبل موفي العام 2015، مهما كانت العواقب، بل إن البيان الختامي لمؤتمر الصخيرات، قد اعتبر حكومة الوفاق، ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الليبي، حتى قبل تشكيلها. هذا الاتفاق الذي ينص فصله الـ ـ39 على أن من حق الحكومة الجديدة طلب المساعدة من الأمم المتحدة أو المجموعة الدولية في المجال الأمني، الأمر الذي يفتح باب التأويل واسعاً أمام فرضيات تدخل عسكري قادم إما برعاية الأمم المتحدة تحت الفصل السابع أو بمبادرة من "المجموعة الدولية" وبطلب من الحكومة الليبية الجديدة. لكن هذا التدخل، وإن حدث بطلب من حكومة الوفاق الوطني، سيفقد الحكومة الجديدة الكثير من مصداقيتها في الشارع الليبي، الحساس جداً أمام أي تدخل أجنبي، فحقبة الاستعمار الإيطالي الشديد وما رافقها من سنوات دامية في الكفاح المسلح، شيدت حاجزاً نفسياً كبيراً للفرد الليبي تجاه أي تدخل أجنبي. وفضلاً عن ذلك فإنه "سيقوض لفترة طويلة فرصة إعادة بناء الدولة الليبية، ولن يؤدي سوى إلى تغذية دعاية داعش التي تقول:" ها هو الغرب يقصف من جديد الشعوب العربية. سوف تجد هذه الدعاية صدى داخل جماهير معادية إلى حد كبير لهذه الفرضية، وتغذي بذلك فرضية فرص التجنيد في صفوف داعش."
لا يُخفي الساسة الغربيون أهداف أي تدخل عسكري في ليبيا. فملفي الإرهاب والهجرة غير الشرعية أصبحا يشكلان خطراً أمنياً واقتصاديا وجودياً على أوروبا، التي تعاني أصلاً من هذه المشاكل، خاصة مع أزمة الاتحاد الأوروبي واليورو ومشاكل الجاليات. فمنذ الإعلان عن تأسيس فرع لتنظيم "الدولة الإسلامية – داعش" في ليبيا خريف العام 2014، تصاعدت وتيرة التهديدات الغربية بالتدخل، بعد أن استشعر الغرب أن التنظيم يحاول تحويل ليبيا إلى قاعدة لعملياته في أوروبا، خاصة وأن المصالح الغربية قد تعرضت لهجمات عديدة في الداخل الليبي، من خلال استهداف البعثات الديبلوماسية والشركات التجارية والنفطية والأفراد. في مارس 2016، هدد زعيم تنظيم داعش في ليبيا، عبد القادر النجدي، في حديث إلى صحيفة "النبأ" التابعة للتنظيم، بغزو إيطاليا و"فتح روما" داعياً في هذا الإطار المهاجرين، خصوصاً من أفريقيا، إلى الالتحاق بتنظيمه في ليبيا، "استعداداً لهذا الفتح". قبل ذلك، وفي يناير2016، هدد الرجل الثاني في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ورئيس مجلس الأعيان فيه، الجزائري أبو عبيدة يوسف العنابي، إيطاليا متوعداً إياها بالغزو. وتوصلت إيطاليا والولايات المتحدة، في يناير 2016، إلى اتفاق يسمح للطائرات الأمريكية بدون طيار بالانطلاق من قاعدة "لسيغونيلا" البحرية والمحطة الجوية في صقلية. وقال قائد القوات الأمريكية في أفريقيا، الجنرال ديفيد رودريجيز، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في مارس 2016، إن تنظيم "داعش" في ليبيا يمثل تهديدًا خطيرًا ومتزايدًا لأمن ومصالح أمريكا وحلفائها في جميع أنحاء المنطقة. أما فرنسا فقد طالبت مبكراً بتدخل عسكري في الجنوب الليبي لمواجهة الجماعات الإرهابية التي فرت من شمال مالي في أعقاب التدخل الفرنسي. وتزايد الحرص الفرنسي على التدخل بعد هجمات باريس في 13 نوفمبر 2015، والتي تبناها تنظيم داعش.
بالتوازي مع تصاعد الأخطار الإرهابية، التي تتخذ منها القوى الغربية ذريعةً للتدخل العسكري في ليبيا، فأن ملف الهجرة غير الشرعية بات يمثل هاجساً لدول الضفة الشمالية للبحر المتوسط وخاصة فرنسا وإيطاليا. في يونيو 2015 أطلق الاتحاد الأوروبي عملية "صوفيا" وساهمت فيها 22 دولة من الاتحاد للقيام بمهمات مراقبة لشبكات الهجرة غير الشرعية التي تعمل من السواحل الليبية. فوفقاً لتقارير المنظمة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس" فإن "أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى دول الاتحاد الأوروبي قد ارتفعت بـ 250 في المئة، وذلك خلال أول شهرين من عام 2016 مقارنة بالفترة نفسها من 2015." بما يعنه ذلك من مشاكل اقتصادية وأمنية.
وقد كشف تقرير لصحيفة "التايمز" أعدته الكاتبة بيل ترو، من مدينة مصراتة الليبية ، عن أن "عدد المهاجرين الذين يختارون العبور إلى أوروبا عبر البحر المتوسط قد يتضاعف هذا العام، بعدما أغلق معبر البلقان من تركيا إلى اليونان والبلقان ومنها إلى غرب أوروبا، وبعد الاتفاق الذي وقعه الاتحاد الأوروبي مع الحكومة التركية، ويقضي بإعادة اللاجئين من اليونان إلى تركيا مرة أخرى، وهو ما سيجبر عددا من اللاجئين إلى التفتيش عن معابر أخرى من شمال أفريقيا، المنطقة التي ينشط فيها تنظيم الدولة، الذي يعتمد على اللاجئين وتهريبهم، كي يحصل على موارد مالية من أجل عملياته". ويشير التقرير إلى أن المقاتلين الجهاديين يسيطرون على منطقة مساحتها 130 ميلا في مدينة سرت، الواقعة على البحر المتوسط، ويدير التنظيم معسكرات تدريب في صبراتة الواقعة غربي سرت، ويقوم الجهاديون بتجنيد أعداد من المهاجرين الذين يمرون من أراضيهم. وتختم تقريرها بالإشارة إلى أنه يمكن للمهرب أن يحصل على كل رحلة ينظمها على حوالي 380 ألف يورو، مشيرة إلى أن سوق التهريب الدولي يعد مربحا، خاصة أن أكثر من 153 ألف شخص، معظمهم من إثيوبيا والصومال ونيجيريا وإريتريا، عبروا البحر من ليبيا باتجاه إيطاليا، وقد يرتفع العدد مع إغلاق معابر البلقان واستمرار الفوضى في ليبيا.
بالرغم من الحديث المتواتر عن التدخل العسكري في ليبيا، فإن شكل هذا التدخل مازال غير واضح. فالصورة غائمةً حتى بالنسبة للقوى الملوحة بالتدخل. فمنذ سنتين، نشهد تضارباً في التصريحات عند المسؤولين الأوربيين حول طبيعة هذا التدخل وحدوده على الجغرافيا الليبية الممتدة وأهدافه الميدانية، ما يطرح العديد من التساؤلات حول فرضيات التدخل: هل سيكون تدخل عسكري بري؟ أما سيأخذ طابعاً جوياً كما حدث في العام 2011عندما ساعدت طائرات حلف شمال الأطلسي قوات "الثوار" على الأرض في مواجهة الجيش النظامي؟ أم سيأخذ أشكالاً جديدة غير تقليدية؟ فماهي هذه الفرضيات:
** العمليات الخاصة: تعتمد على القوات الخاصة وتركز على اصطياد القيادات الجهادية الخطيرة، بالقتل أو الاعتقال من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية والرصد. فمنذ الهجوم على السفارة الأمريكية في بنغازي، في سبتمبر 2012، والذي أودى بحياة السفير، كريستوفر ستيفنز، وجنديين من مشاة البحرية الأمريكية وموظف في السفارة. أصبحت الولايات المتحدة تعتمد أسلوب "العمليات الخاصة" في ليبيا، لضرب القيادات والجماعات الجهادية التي تهدد مصالحها. ففي شهر أكتوبر من سنة 2013 تمكنت القوات الأمريكية من إلقاء القبض على أبو أنس (نزيه الرقيعي) الليبي الذي تلاحقه الولايات المتحدة بعدما نسبت إليها تهماً عديد من بينها التخطيط لتفجير السفارة الأمريكية. وفي شهر يونيو من سنة 2014، تمكنت الولايات المتحدة من اختطاف أحمد أبو ختالة، أبرز المتهمين في التخطيط للهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي في 2012. العمليات الأمريكية السرية التي تستهدف قيادات تابعة لتنظيمات إرهابية في ليبيا بناء على المعطيات الاستخباراتية للولايات المتحدة، التي أعلنت في شهر يونيو من سنة 2015، عن استهداف القائد في تنظيم القاعدة، مختار بلمختار الذي أصبح حليفا مقربا من تنظيم داعش في ليبيا عن طريق غارة جوية في مدينة أجدابيا. وفي شهر نوفمبر من نفس السنة، قامت القوات الأمريكية باستهداف أمير تنظيم داعش في ليبيا، أبو نبيل عن طريق غارة جوية شنتها الطائرات الأمريكية على مدينة درنة. وفي فبراير 2016، شنت طائرات أمريكية غارةً دمرت خلالها معسكر تدريب رئيسي تابع للمجموعات الإرهابية في المنطقة الحدودية مع تونس،بعد أن عملت القوات الأمريكية على مراقبة تحركاتها في غرب ليبيا منذ أشهر.
تستفيد الولايات المتحدة الأمريكية من هذه العمليات، من خلال التخلص من كل العناصر والجماعات التي يمكن أن تشكل تهديداً للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، ويعتقد أنها ستواصل تنفيذ هذه العمليات. لكن إيطاليا وفرنسا، الدولتان الأكثر تضرراً من الوضع في ليبيا، سواء على مستوى الجماعات الإرهابية أو عصابات تهريب البشر، لا تعتقد بجدوى هذه العمليات الجزئية والتي لا يمكن أن تحول والتهديدات التي يمثلها الضوع الليبي على أمنها، وخاصة ملف الهجرة غير الشرعية.
**الضربات الجوية والبحرية : يرجح المراقبون، أن يكون التدخل العسكري المزمع القيام به في ليبيا، في شكل ضربات جوية مركزة ومتواترة، تماماً كما يحدث في سورية بطائرات التحالف الدولي. وتستهدف هذه الضربات مواقع تنظيم "داعش" في سرت ودرنة جواً وبحراً من خلال الأساطيل الأوروبية والأمريكية المتمركزة في عرض المتوسط. إلى جانب عملية بحرية واسعة تستهدف زوارق الهجرة غير الشرعية وخاصة العصابات التي تقف خلفها على السواحل الليبية. والأرجح أن يتم توسيع عملية "صوفيا" التي أقرها الاتحاد الأوروبي، لتشمل المياه الإقليمية الليبية. من المهم الإشارة إلى فرنسا، وفي أعقاب الهجمات التي تعرضت لها باريس في نوفمبر 2015، أرسلت طائرات استطلاع فوق ليبيا، لتقييم زيادة خطر الجماعات الإرهابية هناك. وقبلها مصر، التي قصفت مواقع التنظيم في مدينة درنة، أقصى الشرق، بعد عملية ذبح 21 عاملاً قبطياً مصيراً على ساحل مدينة سرت. وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد قدمت في مارس 2016، خطتها العسكرية المفصلة لمحاربة مواقع تنظيم "داعش" في ليبيا إلى البيت الأبيض، وتتضمن الخطة استخدام ضربات جوية مكثفة لاستهداف مراكز التدريب ومراكز القيادة ومخازن أسلحة تابعة للتنظيم. ونقلت جريدة "نيويورك تايمز" عن خمسة مصادر على الأقل اطلعت على تفاصيل الخطة الأميركية أن الخطة العسكرية للبنتاغون تتضمن استهداف نحو 30 إلى 40 موقعًا تابعًا لـ "داعش" في أربع مدن ليبية، وذلك لمنع التنظيم من التوسع. لكن تبقى نتائج الضربات الجوية غير مضمونة النجاح، خاصة وأنها تتعامل مع جماعات تعتمد تكتيك "حرب العصابات" فهي لا تقصف جيشاً نظامياً يملك ثكنات ومقرات عسكرية، بل عناصر خفيفة التسليح وسريعة الحركة تتمركز في وسط المناطق التي يسكنها المدنيون مما يُصعب المهمة. ولعل هذا النموذج المعتمد في محاربة تنظيم داعش اليوم في سورية قد أثبت محدودية نتائجه حتى الأن.
** التدخل البري: على الرغم من أن كثيراً من المحللين يستبعدون التدخل العسكري البري في ليبيا، والرفض الكبير الذي أبدته دول الجوار، مصر وتونس والجزائر تحديداً، فإن العديد من المؤشرات توحي بقُرب هذا الشكل من التدخل. فيما يذهب البعض إلى أن وجود قوات غربية على الأراضي الليبية لن يكون إلا بشكل محدود وستنحصر مهمتهم في تدريب قوات الجيش الليبي. ولكن تقارير أخرى تشير إلى أن التدخل البري سيكون لمهام قتالية ضد تنظيم داعش. في 15 مارس 2016، قالت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني، إن بريطانيا قد ترسل إلى ليبيا ألف جندي في إطار قوة دولية مؤلفة من ستة آلاف جندي، لكن الحكومة البريطانية نفت هذه المعلومات. وقبل ذلك، كشفت صحيفة "ديلي ميرور" البريطانية، في يناير 2016، أن قوات دولية بقيادة إيطاليا قوامها ستة آلاف جندي تستعد للتوجه إلى ليبيا لوقف تقدم تنظيم "داعش" داخل البلاد. لكن هذا الشكل من التدخل، يصدم حالياً برفض كبير من قطاعات واسعة من المجتمع الليبي والجيش الليبي إلى جانب دول الجوار. فكل هذه الأطراف ما زلت حتى الأن تدفع ثمن التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي في العام 2011.
خمس سنوات كانت كافية للتحول فيهم ليبيا إلى ساحة كبيرة للفوضى والسلاح وقاعدةً للجماعات الإرهابية بمختلف توجهاتها. وكانت كافية أيضاً لشق المجتمع الليبي المنسجم قبلياً وطائفياً وعرقياً وزرع النزعات الإقصائية داخله. لكن وعلى الرغم من قتامة المشهد، فإن أملاً مازال يحدو الليبيين لتجاوز الأزمة. فالعديد من القوى الفاعلة ما زلت تؤمن بضرورة إعادة بناء الدولة وتسعى لإنقاذ البلاد من أن تتحول إلى دولة" فاشلة".