جاء مطلب رفع التجميد عن حسابات الليبيين المجمدة في تونس كشرط أساسي من حكومة عبد الحميد الدبيبة لبناء مستقبل اقتصادي مشترك، في وقت تحوّلت الجارة الجنوبية لتونس إلى ساحة سباق واسعة للشركات التي تسعى للمشاركة في إعمار البلد المنهك من الحرب والتوتر الأمني الذي دام نحو عشر سنوات.

وضعت حكومة ليبيا ملف رفع التجميد عن أموال مواطنيها في تونس واستعادة حساباتهم على رأس جدول أعمال الزيارة الرسمية لرئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي إلى طرابلس، على رأس وفد رفيع المستوى الأسبوع الماضي.

وقال رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، السبت، إنه طلب من تونس إعادة الأموال الليبية المحجوزة لديها، وأن تونس أبدت حسن النية في هذا الشأن.

وتظل أزمة الأموال الليبية المحجوزة في تونس من الملفات العالقة بين البلدين، حيث صدر حكم قضائي تونسي بتسليم الأموال الليبية إلى الحكومة الليبية، غير أن تقارير تونسية تحدثت عن أن شبهات فساد في حكومة الوفاق المنتهية ولايتها حالت دون ذلك.

والحكم القضائي التونسي صدر عن محكمة الاستئناف، وينص على ضرورة رفع تجميد عن أموال شركة ليبية تقدر بـ 60 مليون يورو أي ما يعادل 210 مليون دينار تونسي.

وفي 2019، نشرت صحيفة "الشروق أون لاين" التونسية تقريراً عن مراسلات ليبية تونسية، بين نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أحمد معيتيق، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، تنص على طلب من معيتيق للكبير بأن يراسل محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي لتغطية مماطلته منذ 10 أشهر في تطبيق قرار قضائي تونسي بشأن أموال ليبية مجمدة.

في ذات الصدد،كشف وزير الصحة السابق في حكومة الوفاق رضا العوكلي ، الخميس 6 جويلية 2017 ، أن الأموال الليبية المجمدة في تونس تبلغ 120 مليون دولار ، أي أنها تفوق بحوالي 10 بالمائة الديون الليبية لدى المصحات التونسية.

وأضاف العوكلي ، في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية ، أن الحكومة المؤقتة طلبت من البنك المركزي التونسي منذ عام 2015 تمكينها من الأموال المجمدة إلا أن المركزي التونسي لم يتجاوب مع طلبها إلى حد الان بالنظر إلى أن الحكومة المؤقتة غير معتمدة في الخارج وذلك بالرغم من أنها معتمدة في الداخل ، حسب تصريحه.

وشدد وزير الصحة في الحكومة المؤقتة على أن الأموال الليبية المجمدة في تونس تمكن من تسديد جميع ديون الليبيين لدى المصحات التونسية مبينا أن حكومته ستصبح قادرة على تسديد الديون المذكورة في حال حصولها على أموال بالعملة الصعبة.

من ناحية أخرى،استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد، أول   أمس، في الجناح الرئاسي بمطار قرطاج الدولي محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، الذي يقوم بزيارة رسمية إلى تونس.

ويعتبر  التعاون الاقتصادي والأمني بين تونس وليبيا هو محور زيارة المنفي إلى تونس التي جاءت بدعوة من الرئيس سعيد، فإن الأهداف المتوخاة منها بالنسبة للجانب الليبي تتعدى ذلك، ذلك أن هذا الأخير يسعى إلى فض ملف الأموال الليبية المجمدة في تونس، التي قدرتها بعض الجهات بنحو 200 مليون دينار تونسي، في حين أن تونس تعتبر هذه الزيارة أحد العوامل المساعدة على إطلاق عملية إعادة الإعمار في ليبيا وإمكانية اعتماد ليبيا على الكفاءات التونسية، خلال فترة تتسم بصعوبات جمة على المستوى الاقتصادي.

ففيما يتعلق بالأموال الليبية المجمدة، ذكرت مصادر إعلامية تونسية أنها موجودة في حسابات بنكية بعدد من البنوك المحلية، موضحة أنه تم إيداعها في بنوك تونس إثر أحداث  2011، وهروب عدد من الليبيين إلى تونس. 

وقد أكدت دراسة أعدتها لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي التونسي سنة 2016 أن تلك الأموال دخلت البلاد عبر عمليات مالية وتجارية مقعدة، كان الهدف منها المضاربة وتبييض الأموال، وقد تم اتخاذ قرارات بتجميد تلك الأموال، بناء على قرارات قضائية، وبإذن من البنك المركزي التونسي بعد إدراج تونس ضمن قائمة الدول المتهمة بتبييض الأموال. 

وقدرت بعض المصادر المالية التونسية قيمة الأموال الليبية المجمدة بين 140 و150 مليون دولار. أما ديون المصحات التونسية لدى الليبيين الذين تلقوا العلاج في تونس إثر أحداث 2011، فهي في حدود 218 مليون دينار تونسي خلال سنة 2017 (نحو 80.7 مليون دولار). ومن المتوقع أن تكون تلك المبالغ قد ارتفعت لتبلغ 250 مليون دينار تونسي.

من ذلك،يرى مراقبون إنّه لا يوجد جرد رسمي للحسابات الليبية المجمدة في تونس أو الأموال الليبية المحجوزة، إذ  أنّ قيمة هذه الأموال غير محددة و أغلب الحسابات الليبية المجمدة أو المحجوزة بمقتضى قرار قضائي أو جمركي تم رصدها من قبل المصارف التونسية التي كانت مكلفة من قبل البنك المركزي بتعقّب الحسابات المشبوهة وتحويل الأموال غير المؤيدة باعتمادات مستندية، حيث  أنّ البنوك التونسية لم تكن شفافة بالقدر الكافي في التعامل مع هذا الملف.