تقلبات سياسية متواترة تعيشها الساحة التونسية خلال المحطة الجديدة للمسار الانتقالي، تنضاف اليها مؤشرات اقتصادية خطيرة تضع البلاد على حافة الافلاس، وفق معطيات ونسب صرح بها رئيس الحكومة المكلف المهدي جمعة. بالاضافة الى ذلك ، تتبادل أطياف المجتمع السياسي التهم بشأن المحاكمات التي شملت عسكريين وأمنيين متهمين في قضايا الشهداء والجرحى.

هذه المسائل كانت محور لقاء جمعنا بالأمين العام لحزب حركة الشعب في تونس زهير المغزاوي، فكان هذا الحوار.

* بوصفكم أمينا عاما لحزب له حضور كبير في المشهد السياسي التونسي كيف تتفاعلون مع حالة الإفلاس التي تقدم عليها البلاد بعد تصريحات الحكومة الأخيرة ؟

الجواب : أودّ الإشارة أولا الى أن التصريحات الصادرة أخيرا عن رئيس الحكومة و وزير الإقتصاد و الماليّة لم تقدّم جديدا . أي أنها لم تكشف حقيقة كانت خافية عن عموم التونسيّين  ، حيث كانت كل المؤشرات تدلّ على أن البلاد تسير في إتجاه أزمة حقيقيّة نتيجة الأخطاء الفادحة التي إرتكبتها حكومة الترويكا ، والتي كان رئيس الحكومة الحالية عضوا أساسيا فيها .

هنا أودّ أن أسأل السيد رئيس الحكومة هل أن الأزمة التي يتحدّث عنها جديدة حتى يكون من حقّه إبداع حلول "إستثنائيّة" متمثّلة في مزيد الإقتراض الذي يعني مواصلة رهن مصير البلاد لدى الجهات الدوليّة المقرضة ؟ أم هي مجرّد مناورة لإقناع الرأي العام أنه لا مجال للحديث عن منوال تنموي بديل و لا مكان لمقولات من قبيل التنمية العادلة و إستقلالية القرارين السياسي و الإقتصادي ؟

كلّ ما اخشاه أن يكون الحديث عن إفلاس محدّق بالبلاد هومجرّد مقدّمة لإعداد المواطنين لتقبّل الخيارات و الإجراءات اللاشعبيّة و اللاوطنيّة التي ستقدم عليها الحكومة تحت ضغط الجهات التي منحتها الضمانات و القروض و هي إجراءات خبرها شعبنا و عانى منها طويلا في ظلّ النظام السابق ، من قبيل رفع الدعم عن السلع الأساسيّة الموجّهة أساسا إلى الشرائح الفقيرة و تجميد الأجور و وقف التشغيل في القطاع العام و خصخصة المؤسّسات التي يقال عنها أنها تشكّل عبئا على إقتصاد البلاد و تقديم تسهيلات أكبر للإستثمار الأجنبي .... ونحن في حركة الشعب كنّا قد حذّرنا من مغبّة السير في مثل هذا الإتجاه لأن النتيجة معلومة مسبقا و ليس أدلّ على ذلك من حالة الإحتقان الإجتماعي التي أخذت رقعتها تتّسع في الأسابيع الأخيرة ..

*هل تدعو الوضعيّة الإقتصاديّة الحرجة للبلاد إلى ضرورة محاسبة المسؤولين عنها أم هي مسألة ليست ذات أولويّة ؟

الجواب : لا طبعا ، هذه مسألة ذات أولويّة مطلقة . و محاسبة المسؤولين لا تعني بالضرورة محاسبة أشخاص بل محاسبة خيارات و توجّهات سياسيّة و إقتصاديّة كتب شعبنا شهادة وفاتها خلال ثورة 17 ديسمبر لكنّ الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لم تفهم ذلك و لم تستجب له .

القطع مع هذه الخيارات و الشروع في إجراءات عاجلة تخفّف العبء عن الشرائح المفقّرة و الجهات المهمّشة هو المدخل الحقيقي لإنهاء هيمنة وكلاء المصالح الأجنبيّة على مقدّرات البلاد . وهنا يستوي النظام السابق مع الحكومات التي تشكّلت بعد إنتخابات 23 أكتوبر 2011 بقيادة حركة النهضة الإخوانيّة التي حرصت على التمكين لمشروعها الخاص بدل المساهمة في تحقيق أهداف الثورة في التشغيل و التنمية العادلة و القطع مع سياسة الإقتراض .

أظنّ أن المحاسبة الحقيقيّة بدأت بالفعل و هو ما نلمسه من عزوف أعداد متزايدة من التونسيّين عن الشأن السياسي خاصّة أولئك الذين صدّقوا وعود النهضة و تعهّداتها سابقا . الحساب العسير سيكون أكثر وضوحا في المحطّة الإنتخابيّة القادمة و كلّ طرف سيجني ثمار ما إقرفت يداه من جرائم وأخطاء في حقّ شعبنا .

 * نأتي الى الجانب السياسي،إلى أي حدّ تأثّرت الأحزاب ذات المرجعيّة القوميّة في تونس و سائر الوطن العربي بتفكّك البيت العربي في مغرب البلاد ومشرقها ؟

الجواب : نحن في حركة الشعب بمرجعيّتنا القوميّة ، كنّا منذ البداية ندرك أنّ الزلزال الذي شهده الوطن العربي منذ سنة 2011 كان يهدف أساسا الى الإجهاز على المشروع القومي بأفقه التوحيدي و مضمونه الإجتماعي و إنحيازه اللامشروط لخيار المقاومة .

العلامة المميّزة لما حدث في أغلب أرجاء الوطن العربي هو طغيان النزعة الطائفيّة بأفقها التفكيكي . لذلك بادرنا بإعلان رفضنا للخلط المقصود الذي أريد تمريره من خلال تصنيف ما حدث في ليبيا و ما يحدث في سوريا على أنّه "ثورة" .

لكنّ هذه الهجمة الممنهجة على وجود الأمة العربيّة و مقوّماتها الحضاريّة من ناحية وعلى المشروع القومي من ناحية أخرى لم تنجح في تحقيق الغرض المنشود منها بل على العكس ، شكّلت مناسبة مثاليّة لخروج الأحزاب القوميّة من نمط نشاطها التقليدي الذي تغلب عليه السريّة إلى نمط العمل السياسي العلني القانوني الملتحم بهموم الناس اليوميّة .

هذا التحوّا أتاح للأحزاب القوميّة إيجاد الحاضنة الشعبيّة الكفيلة بحماية المشروع القومي من كلّ المخاطر التي تستهدفه , سواء من أعداء الخارج و أقصد بهم الإستعمار و الصهيونيّة أو من عملائهم في الداخل و أقصد بهم بقايا النظم الإقليميّة المهترئة و الجماعات الإخوانيّة والتكفيريّة على حدّ السواء .

*ثمّة أصوات عديدة تتذمّر من تشتّت العائلة القوميّة في تونس . هل لديكم مشروع توحيدي لهذه العائلة ؟

الجواب : كنت أؤكّد و لا أزال أن التعدّد التنظيمي ليس حالة خاصّة بالقوميّين . ومع ذلك أجيب بإختصار و دون الخوض في التفاصيل . أن حركة الشعب تعمل بشكلّ دؤوب على التقليص الى الحدّ الأدنى من هذه الحالة المقلقة . وأعدكم أن الأيام القادمة ستحمل أخبارا سارّة في هذا المجال .

*لاحظنا في المدّة الإخيرة تقاربا بين حزبكم وأحزاب تختلفون معها من حيث المرجعيات والعناوين القوميّة التي يقوم عليها حزبكم . هل يمثّل هذا التقارب ميلا براغماتيا جديدا في علاقة بالأستحقاقات الإنتخابيّة القادمة ؟ هل هي نتيجة مراجعات في إتجاه القطع مع الإلتزام الأيديولوجي القومي الذي يقزم عليه حزبكم ؟

الجواب : يتعلّق الأمر في هذا السياق بمجرّد لقاءات تشاوريّة تهدف إلى تقييم الوضع السياسي الراهن في تونس و إستكشاف نوايا سائر الأطراف بشأن الإستحقاقات السياسية و الإنتخابية القادمة .

القاعدة الثابتة التي تنطلق منها حركة الشعب في مشاوراتها هي تفعيل المشروع الوطني الشعبي لثورة 17 ديسمبر و التصدّي للإستقطاب الثنائي المغشوش الذي نعتبره في حركة الشعب دفعا في إتجاه مضادّ لخيار الثورة لأنّه لن يفضي الّا إلى إعادة إنتاج النظام السابق بخياراته السياسيّة و الإقتصاديّة اللاوطنيّة . أمّا عن الأطراف التي نتشاور معها فمن الصعب تصنيفها أنها على أنها مختلفة عنّا جوهريّا في الأبعاد العامة لمشروعنا السياسي .

* يثير موضوع العزل السياسي  تجاذبا كبير في الساحة السياسيّة . ما موقفكم منه ؟

الجواب : دعنا نؤكد أولا ان شعب تونس استفاق على منظومة فساد استمرت لعقود في البلاد وكان على رأس هذه المنظومة مسؤولون الى جانب بن علي وفئة هندست ونظرت واستفادت من حكم بن علي .هذه الفئة هي قيادات التجمع المنحل وهنا افتح قوسا لأشير لاننا دوما نتحدث عن التجمع ولكن لا نقصد ثلاثة ملايين منخرط في هذا الحزب المنحل لان اغلبهم بالنسبة الينا  انخرطوا تحت ضغط الخوف او الحاجة او الفقر، نحن نتحدث عن القيادات التي كانت تتحمل المسؤوليات في عهد بن علي. هؤلاء كانوا مسؤولين واجرموا كما اجرم بن علي في حق الشعب وهم مسؤولون عن حقبة عاش خلالها التونسيون كل انواع الاستبداد والفساد والتجويع والتفقير ,... هؤلاء يتحملون المسؤولية في كل الماسي التي لحقت بافراد الشعب.

ولا يجب ان نغفل عن معطى هام وهو ان التونسيين خلال ثورتهم رفعوا شعارات مركزية على غرار يسقط حزب الدستور يسقط جلاد الشعب .

 نحن كحركة نؤمن بانتماءنا لحضارة التوبة والعفو عند المقدرة ومن المفروض ان يقوم هؤلاء المسؤولين عن هذه الحقبة باكملها بنقدهم الذاتي عن طواعية ويبتعدون اثر ذلك عن المشهد السياسي  فقد مارسوا الحكم طيلة سنين وفشلوا وقامت عليهم ثورة.

من جانب اخر يتخذ هذا الملف منحى اخر فكأنه كلمة حق اريد به باطل فحركة النهضة ملأت الدنيا ضجيجا طيلة اكثر من عامين بانها ستصدر قانونا لتحصين الثورة وبان نداء تونس ليس سوى رسكلة للتجمعيين ولكن بمجرد ان التقى الشيخان بباريس خرج الشيخ راشد الغنوشي ليعلم انه اسقط قانون تحصين الثورة مما يدل على ان حركة النهضة لم تتعامل مع هذا الملف ولا مع غيره من الملفات الاستراتجية كملف فساد والمحاسبة والعدالة الانتقالية لم تتعامل تعاملا مبدئيا بل تعامل انتهازيا وفق مقولة من دخل بيت ابي سفيان فهو امن

نحن عموما في حركة الشعب نقول بان حق التونسيين والفاعلين السياسيين ان يسنوا قانونا يحصن من خلاله هذه الثورة ويمنع الذين تحملوا مسؤوليات بارزة  في التجمع والذين اجرموا في حق الشعب من قيادة البلاد في المرحلة القادمة نحن لا نعتبر هذا اقصاء ولا نصبا للمشانق بل نراه حرمانا من حقا لفترة زمنية محددة للذين استفادوا وزينوا الوجه القبيح لبن علي  ويبقى باب التوبة مفتوح للجميع

* المعضلة السياسيّة المصريّة تلقي بضلالها على العائلة القوميّة العربيّة بالنظر الى الصراع بين السيسي الذي يقدّم نفسه إبنا للخطّ الناصري و حمدين صباحي الذي يتزعّم حزبا ناصريا صريحا . كيف تتفاعلون مع هذا المشهد المركّب ؟

الجواب :. نحن كحركة قوميّة كنّا دائما ننظر الى الدور الإستراتيجي لمصر في الوطن العربي فإذا تقدّمت مصر تقدّمت معها حركة التحرّر الوطني العربيّة و إذا تراجعت مصر تضرّر المشروع التحرّري برمّته هذا أوّلا ، ثانيا  الثورة المصريّة و الثورة التونسيّة في علاقة تأثير وتأثّر لذلك فما يشغلنا في حركة الشعب هو سلامة المسار الثوري في مصر وخروجه من الأزمة التي فرضها حكم الإخوان المسلمين . ومع إحترامنا الكبير للأخ حمدين الصباحي الذي نعتبر أنفسنا و إيّاه أبناء لنفس المدرسة و تقديرنا الكبير للدور التاريخي للجيش المصري فالمهم بالنسبة لدينا هو نجاح الثورة المصريّة في تحقيق أهدافها بغضّ النظر عمّن سيحكم بإسمها و ان تستردّ مصر دورها الطليعي في قيادة حركة التحرّر العربي .

  *التحقت حديثا بقائمة السياسيين المستهدفين من عناصر التطرف الديني واصبحتم تعيشون تحت حماية امنية رسمية . ماهو  المتغير السياسي والمعيشي بعد هذا التهديد ؟

اولا أشكر وزارة الداخلية على اعلامي بهذه التهديدات وعلى توفير الحماية لتأمين حياتي .

ثانيا نحن ابناء مشروع قومي ووطني كان دائما عرضة للاستهداف السياسي والاعلامي والامني لكن رغم ذلك نحن لا نخشى هذه التهديدات بل ان  هذه التهديدات مثلت حافزا لمناضلي ومناضلات حركة الشعب لمزيد الانتصار للمشروع الوطني الشعبي لثورة 17ديسمبروللتعريف بالحركة وبرامجها لدى عموما شعبنا وما نشاطاتنا المتواصلة في كل الجهات الا دليلا على ذلك .

نعم لهذه التهديدات بعض التأثير السلبي على المحيط الاسري لكنها لن تثنينا على مواصلة مسيرتنا.

* أخيرا كيف تقبلتم الاحكام الصادرة في ملف شهداء الثورة؟

مثلت هذه الاحكام فضيحة قضائية واخلاقية باتم معنى الكلمة واثبتت ان القضاء مازال يخضع للتعليمات السياسية وان هذه الاحكام جاءت نتيجة لتسويات رخيصة بين عديد الاطراف لؤد هذا الملف ولكننا نؤكد ان حركة الشعب وعموم القوى الوطنية لن تصمت وستواصل نضالها من اجل انصاف الشهداء والجرحى وعائلاتهم.