يعتبر الأمن مطلب أساسي في العلاقات الدولية، ليس فقط في المقاربات النظرية المفسرة للعلاقات ما بين الدول، الأكثر من ذلك أنه أصبح من الضروريات التي تسعى لتحقيقها السياسات الخارجية للدول.
ويصنّف الملف الأمني بدرجة بالغة الأهمية إذ يعتبر من أبرز التحديات أمام عملية استئناف البناء المغاربي المشترك إلا أن هذ الملف يطرح عديد الإشكالات خاصة في مناخ يتّسم بالصراع وغياب منطق الحوار الحقيقي.
ويعد النظام الأمني في منطقة المغرب العربي بشمال إفريقيا تحت ضغط كبير بسبب عدة تحديات، أهمها الهجمات الإرهابية التي تنوعت في امتدادها الإقليمي وازدادت بشكل مأسوي.
ويعاني المغرب العربي من التصعيد في سباق التسلّح و التوترات السياسية بين الجزائر و المغرب جرّاء الشكاوى المتبلورة منذ ثلاثة عقود حول الصحراء الغربية.
في ذات الصدد،حذر خبراء في منطقة المغرب العربي من تصاعد نشاط الخلايا النائمة لـ"داعش" في دول المنطقة خلال الفترة المقبلة.
وبحسب الخبراء فإن الخلايا النائمة في دول المغرب العربي تتواصل فيما بينها، كما أنها تعمل وفق استراتيجية متفرقة حسب الظروف والأوضاع، التي تراها الخلايا في كل دولة.
خلال الأشهر الأخيرة شهدت معظم دول منطقة المغرب العربي عمليات إرهابية أو استباقية ألقي فيها القبض على بعض الخلايا.
في الأول من أبريل الجاري، قتل ثلاثة"إرهابيين" بينهم قيادي محلي في تنظيم "داعش" الإرهابي وامرأة آسيوية فجرت نفسها في مناطق جبلية بالقصرين التونسية قرب الحدود مع الجزائر.
وقال المتحدث باسم الحرس الوطني حسام الدين الجبابلي، لوكالة رويترز "تمكنت قوات الحرس من قتل إرهابي في جبل سمامة، وفجرت امرأة آسيوية كانت معه نفسها لتقتل أيضا رضيعا كان بين يديها".
وأضاف أنه في عملية ثانية بجبل المغيلة قتلت قوات الحرس والجيش في كمين الإرهابي حمدي ذويب القيادي بجند الخلافة المؤيد لتنظيم "داعش".
وتواصل السلطات الأمنية المغربية تعقبها الجماعات الراديكالية في ظل استمرار وجود الخطر الإرهابي، وعلى الرغم من اعتمادها سياسة استباقية أدت إلى الحد من وقوع هجمات، إلا أن الوضع الحالي في أفغانستان من شأنه رفع مستوى هذا الخطر.
ويرى مراقبون أن التنظيم يكثف نشاطه في الفضاء المغاربي-الساحلي، ويعتمد في ذلك على عدة نظريات منها منطق المبايعة والولاء الخاص بنظرية الذئاب المنفردة، بحيث يمارس الإرهاب عبر الأفراد الذين يعلنون ولائهم للتنظيم الأم (داعش).
عمليات التجنيد تتم حتى الوقت الراهن عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، سواء في تونس، أو المغرب والجزائر الذي يؤكد على أن بلاده مستهدفة من قبل الإرهاب والأطراف الداعمة له.
وانعدام الثقة وقلة التعاون بين البلدان المغربية في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب يزيدان من تعقيد مواجهة مثل هذه التهديدات، وهذا من شأنه أن يجعل أمن المنطقة أكثر خطورة مما سبق، وأن يطيل أمد المعركة ضد التطرف.
في نفس الإطار، يؤكد مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية في المغرب حبوب الشرقاوي، أن تنظيم "داعش" الإرهابي" عرف "ولادة جديدة بمنطقة الساحل" التي يحذر من كونها "تسير في اتجاه أن تصير بؤرة من بؤر التوتر".
ويشدد المتحدث في حوار صحفي على ضرورة التعاون بين مختلف الدول لدرء خطر التهديدات الإرهابية، ويشيد في السياق بمستوى التعاون الأمني مع الولايات المتحدة الأميركية.
في وقت سابق،أكد الطيب البكوش الأمين العام لاتحاد المغرب العربي في حوار صحفي مع وكالة الأنباء الاسبانية بأن هنالك قضايا شديدة الأهمية تتطلب التنسيق والتعاون الجدي بين الدولتين الجارتين من قبيل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
ودفع التخوف من عدوى الفوضى والإرهاب وانتقاله عبر الحدود، الدول الخمس الأعضاء في اتحاد المغرب العربي إلى تعزيز المراقبة الأمنية والعسكرية على الحدود المشتركة. كما أعلنت تونس في سنة 2016 عن مشروع لبناء سور على طول الحدود مع ليبيا لتمكينها من السيطرة ومراقبة تسلل المقاتلين والمهاجريين غير الشرعيين، والأسلحة والمخدرات إلى تونس.
إلى ذلك، يرى متابعون للشأن المغاربي أن الواقع الأمني المتأزم في المنطقة، والمتأثر بالأزمات قد خلق نوعا من الفراغ الأمني في المنطقة هو في الحقيقة نتاج أساسي لغياب التنسيق الأمني المغاربي المشترك رغم وجود بعض الإجراءات التي تفتقر إلى هيكلة حقيقية.
ويستوجب الوضع الراهن الذي تعيشه المنطقة أن تتظافر جهود حكومات هذه الدول لتبنى استراتيجية موحدة ومنسقة لمواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف، وتفادى سياسة الانغلاق والتقوقع التي لا تخدم بشكل فعال نظام الأمن الجماعي الذي كان الاتحاد المغاربي يستهدف تقويته.
من جانب آخر،تعتبر مسألة الحدود من أكثر الملفات التي تزيد في تعقيد الوضع الأمني في المنطقة حيث أغلقت تونس رسمياً معبر رأس جدير الحدودي في شباط/فبراير 2016، بعد تدهور الوضع الأمني في ليبيا غداة سلسلة من القصف الأميركي لمعسكر تدريب يديره تنظيم الدولة الإسلامية المعلنة ذاتياً في مدينة صبراتة الشمالية الليبية.
وكانت للإجراءات الأمنية التونسية المطّردة تبعات سلبية على المجتمعات المحلية الحدودية المعتمدة على كلٍّ من التجارة عبر رأس جدير والتهريب للحفاظ على البقاء. فمع كل حادث أمني يحمل بصمة العلاقة مع ليبيا، كانت السلطات التونسية تفرض مزيداً من القيود على النشاطات عبر الحدود. فعلى سبيل المثال، حفّزت سلسلة من الاغتيالات التي طالت في العام 2013 شخصيات سياسية تونسية على يد جناة تونسيين كانوا يفرون إلى ليبيا، تونس العاصمة على تشديد قبضة إجراءات الأمن في المناطق الحدودية. لا بل خُوّل الجيش التونسي إقامة منطقة عازلة حول الحَيد الحدودي الجنوبي لتونس، حيث تتقاطع الحدود مع ليبيا والجزائر.
في ذات الصدد،أعلن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة أن بلاده قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب.
وقال لعمامرة إن الجزائر قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب بسبب ما وصفها بـ"أفعال عدائية متواصلة" من المغرب ضد الجزائر.
وأضاف أن "قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني بأي شكل من الأشكال أن يتضرر المواطنون الجزائريون المقيمون بالمغرب والمغاربة المقيمون بالجزائر من هذا القرار".
خلف قرار القطيعة الدبلوماسية بين الجارتين صدمة وسط الشعبين معا، وأجمعت أكثر من جهة عربية ودولية على موقف الأسف العميق والنداء إلى ترجيح صوت العقل والمصلحة العليا للشعبين الشقيقين أولا، والتشبث بمبادئ وأسس الحوار الدبلوماسي. وأعرب الاتحاد الافريقي عن استعداده لدعم أي مبادرة لاستئناف العلاقات بين الجزائر والمغرب.
خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة تسارعت الأحداث بشكل متواتر، ثم ترقبت الأنظار الجواب الجزائري على نداء ملك المغرب محمد السادس ودعوته إلى المصالحة وطي صفحة الماضي، عبر "إقامة علاقات قويّة، بنّاءة ومتوازنة" بين البلدين، وإعادة فتح الحدود المغلقة منذ صيف 1994.
إلى ذلك، يرى مراقبون أن الواقع الأمني المتأزم في المنطقة، والمتأثر بالأزمات قد خلق نوعا من الفراغ الأمني في المنطقة هو في الحقيقة نتاج أساسي لغياب التنسيق الأمني المغاربي المشترك رغم وجود بعض الإجراءات التي تفتقر إلى هيكلة حقيقية.
ويستوجب الوضع الراهن الذي تعيشه المنطقة أن تتظافر جهود حكومات هذه الدول لتبنى استراتيجية موحدة ومنسقة لمواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف، وتفادى سياسة الانغلاق والتقوقع التي لا تخدم بشكل فعال نظام الأمن الجماعي الذي كان الاتحاد المغاربي يستهدف تقويته.
وإذا ما توافرت الإرادة السياسية، يمكن للاتحاد المغاربي أن يعمل على توفير الأمن الشمولي والمجتمعي بدل الاقتصار على المفهوم الضيق للأمن والانتقال إلى دعم السياسات الاقتصادية والاجتماعية من خلال توفير فرص عمل للشباب وفتح آفاق للاستثمار وإنعاش المبادلات التجارية البينية داخل منظومة السوق المغاربية المشتركة. ومن ثم، يجب معالجة تلك القضايا في جميع أنحاء المنطقة المغاربية، ويمكن لنموذج الاتحاد، إذا ما تم دعمه، أن يوفر حلولا أكثر فعالية من أي حكومة بمفردها.