تواصل الميليشيات المسلحة في طرابلس تحدّي هدنة الأمم المتحدة،حيث يتجدد قتال الشوارع في المدينة، وسط حالة من الهلع والفزع انتابت السكان العالقين، فيما سقطت صواريخ وقذائف عشوائية على منازل سكنية ومقرات حكومية، وذلك في تصعيد جديد للحرب التي تشهدها ضواحي طرابلس الجنوبية، على الرغم من التهديد الدولي والأممي بمعاقبة المتورطين فيها.
ومنذ أسابيع لم تهدأ نيران الإشتباكات بين المييشيات المسلحة،وشهدت الجمعة 21 سبتمبر معارك عنيفة أسفرت عن مقتل 10 أشخاص، وجرح 59 آخرين،بحسب تصريح مدير المكتب الإعلامي لإدارة شؤون الجرحى مالك مرسيط،لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، لافتا إلى أن إجمالي عدد الوفيات والجرحى والمفقودين منذ بداية الاشتباكات من 26 أغسطس إلى 21 سبتمبر، بلغ عدد القتلى 106 قتلى، و365 جريحاً تراوحت إصابتهم ما بين الخطيرة والمتوسطة.
تصعيد متواصل
ويبدو أن الأحداث في طرابلس تتجه نحو الأسوأ في ظل التصعيد المتواصل بين الأطراف المتصارعة،حيث أعلنت قيادات كتائب مصراتة المدنية والعسكرية،السبت 22 سبتمبر 2018، حالة النفير القصوى، داعية جميع قواتها إلى الالتحاق بالقوة التي تحركت لتطهير جنوب العاصمة طرابلس.
وأعلنت المجموعة في بيان أصدرته، تأييدها لعمليات تطهير مؤسسات الدولة، محذرة كل من تسول له نفسه المساس بالقوات التي تحركت لتطهير العاصمة طرابلس، كما دعت باقي الكتائب للالتحاق بها في جبهات القتال.
يأتي ذلك،فيما توعدت ميليشيا "البقرة"،المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة بأمطار من الصواريخ على مطار معيتيقة، الذي تسيطر عليه ميليشيا "قوة الردع الخاصة" التابعة لحكومة الوفاق.
وقالت الميليشيا، التي تتخذ من مدينة "تاجوراء" (18كم شرقي العاصمة طرابلس) مقرًا لها ويقودها المدعو بشير خلف الملقب بـ"البقرة"، في بيان صدر صباح السبت:"ردها يا غسان سلامة إن استطعت ووالله لن تستطيع، حتى لو قصفت طائرات الغرب، لن نستسلم وسنحولها إلى جحيم.. الله أكبر انتظروا أمطارًا غزيرة بصواريخ الكاتيوشا يا عملاء".
وكان المبعوث الأممي غسان سلامة هدد في مؤتمر صحافي بكشف المسؤول عن قصف المطار الوحيد في العاصمة طرابلس قبل أيام قائلا:"نحن نعلم تمامًا من قام بقصف مطار معيتيقة مرتين، مرة منذ أربعة أيام ومرة مساء أمس. نحن نعلم بهذا الطرف وهو يعلم أننا نعلم. ولذلك أستفيد من هذه اللحظة لأقول له: المرة المقبلة سنسميه بالاسم"، الأمر الذي فهم باعتباره تهديدًا مبطنًا.
وسبق أن شنّت ميليشيا "البقرة" عدة هجمات على المطار الذي يضم سجنًا يقبع فيه نحو 800 من المنتمين إلى التيارات المتشددة وعناصر تنظيم "داعش"، في محاولة لإطلاق سراحهم. وشكل إطلاق الميليشيا صواريخ على المطار خرقًا للهدنة التي جرى التوصل لها برعاية البعثة الأممية بين الفرقاء المتحاربين في العاصمة طرابلس، كما أدى إلى إغلاق المطار.
وكانت قوة الردع والتدخل المشتركة أبوسليم أعلنت، صباح الجمعة، انطلاق العملية الكبرى لقوات حماية طرابلس "عملية بدر"، لطرد من وصفتهم بـ"المجرمين والخوارج المارقين" من العاصمة طرابلس في إشارة إلى اللواء السابع مشاة ولواء الصمود.وقالت قوة الردع إن العملية أسفرت عن انهيار تام، وهروب كبير لمن وصفتهم بـ"العصابات المعتدية على العاصمة"، مشيرة إلى أن هناك مجموعة قاموا بتسليم أنفسهم، وفق قولها.
أزمة متفاقمة
على صعيد آخر،وبسبب حدّة الاشتباكات،يعيش المواطن في طرابلس على وقع أزمة معيشية صعبة مع نقص حاد في المواد الأساسية،وأزمة وقود غير مسبوقة كشفت عنها طوابير طويلة أمام محطات الوقود التي أغلقت معظمها بعد نفاد المخزون، وعجزها عن التزود بإمدادات إضافية؛ بسبب حدّة الاشتباكات، وفق ما أكّده الصحفي الليبي، صالح نشوني، في تصريح لموقع "إرم نيوز".
ووصف النشوني الوضع بأنّه "كارثي، ولم يسبق أن عرفته ليبيا على مرّ تاريخها"، قائلًا: "بعد الماء والكهرباء، أصبحنا اليوم بلا وقود رغم أننا في بلد ينام على ثروة نفطية هائلة".و أضاف:"في الليل ننام على أصوات القذائف والأسلحة التي تدوّي في كل أرجاء المدينة، ومع الفجر يبدأ المواطن الليبي رحلة العذاب، بحثًا عن الوقود والماء، وقوته اليومي"، موضّحًا:"حتى الخبر صار مفقودًا.. إنها مأساة يومية".
يأتى ذلك،فيما حذّر رئيس المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، مصطفى صنع الله،السبت 22 سبتمبر 2018، من تعرض العاصمة الليبية إلى أزمة وقود خانقة، بعد تدمير الميليشيات المتقاتلة لمعظم المخازن النفطية خلال المعارك الأخيرة.وقال صنع الله، في رسالة بالفيديو على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك":"لا يوجد سوى ثلاثة مرافق لتخزين الوقود بالكامل في طرابلس بأكملها، والوضع معقد للغاية، ويمكن أن تبقى المدينة بدون البنزين والديزل والغاز".
و أضاف قائلًا:"سيكون من الصعب للغاية على شركات النفط توفير الوقود إلى العاصمة الليبية في مثل هذه الظروف"، مشيرًا إلى أن "في الوقت نفسه، فإن موظفي الشركة يظلون في أماكن عملهم، رغم شراسة القتال".ودعا صنع الله، المتحاربين في طرابلس لوقف عملياتهم العسكرية، قائلًا:"أدعو جميع المتحاربين في ضواحي طرابلس إلى التوقف فورًا عن كل عملياتهم العسكرية"، مشيرًا إلى أن "الوضع كارثي ومأساوي جدًا في مستودع شركة البريقة في طريق المطار".
وتعرضت مخازن النفط والمباني الإدارية التابعة لمؤسّسة النفط الوطنية الليبية خلال الساعات الماضية إلى هجمات، فيما لا يزال القتال مستمرًا على أشدّه وفق ما أكّدته مصادر محلية. ومع تصاعد وتيرة الحرب في عدد من المدن والمناطق في ليبيا، باتت حقول وموانئ النفط في البلد الذي تسوده الفوضى حاليًا، أهدافًا رئيسية للصراع بين الميليشيات الليبية.
على جانب آخر،نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن مصادر ميدانية تأكيدها أن مئات الأسر تواصل نزوحها اليوم السبت 22سبتمبر/ أيلول من العاصمة طرابلس باتجاه مدن أطراف المدينة بعيدا عن مناطق الاشتباكات، فيما نزحت بعض العائلات إلى مدن أخرى نظرا لسقوط القذائف والصواريخ على مناطق متفرقة من العاصمة.
تدخل دولي
تطورات الأحداث فى العاصمة طرابلس دفعت إلى الحديث عن تدخل دولي لإيقاف العنف،حيث دعا المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فائز السراج، المجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة، إلى اتخاذ "إجراءات عملية أكثر حزماً وفاعلية لإيقاف الحرب وحماية المدنيين، ووضع مجلس الأمن أمام حقيقة الأحداث الدامية في ليبيا ليتحمل مسوؤليته التاريخية لحماية أرواح وممتلكات المدنيين".
وقال المجلس في بيان نشر على صفحته الرسمية، إن "المجلس يستنكر ويدين بشدة كل أعمال الهجوم والعنف وإرهاب الليبيين والتعدي على أرواحهم وممتلكاتهم، ويدعو جميع عمداء البلديات والمشايخ والأعيان في كل مدن ليبيا لبذل المزيد من الجهد لوضع اتفاق مدينة الزاوية لوقف إطلاق النار موضع التنفيذ، والضغط على جميع الأطراف للالتزام بما ورد في بنود الاتفاق".
كما دعا المجلس في بيانه "جميع أطراف الهجوم إلى التوقف الفوري عن التصعيد وزيادة الموقف تأزما".وكانت إدارة شؤون الجرحى التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس قد قالت أمس إن 96 شخصا لقوا حتفهم منذ اندلاع الاشتباكات نهاية أغسطس (آب) الماضي، والتي أسفرت أيضاً عن جرِح 444 شخصاً".
ومن جهتها،وجهت كل من المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع ليبيا، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،في بيان مشترك السبت 22 سبتمبر، "نداءاً عاجلاً لمجلس الأمن الدولي بسرعة التدخل لوقف التصعيد الخطير للعنف الذي تقوده الجماعات المسلحة وتداعياته الخطيرة علي حياة وسلامة المدنيين، والالتزام بتعهداتهم بحماية المدنيين بموجب قرارات المجلس رقم 1970_1973_2011.م بمقتضى الحماية الإنسانية العاجلة للمدنيين أثناء النزاعات والحروب الداخلية".
وناشد البيان، بضرورة اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين والمناطق السكنية التي تواجه تهديداً و الالتزام بتعهداتهم بحماية المدنيين في ليبيا، مطالبا المجتمع الدولي والأمين العام للأمم المتحدة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، بأخذ خطوات و إجراءات أكثر حزمًا وفاعلية وجدية لإيقاف الحرب و ضمان حماية المدنيين ، ووضع مجلس الأمن أمام حقيقة الأحداث الدامية في ليبيا لكي يتحمل مسؤولياته القانونية والإنسانية تجاه حماية أرواح وممتلكات المدنيين.
وجددت المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع ليبيا واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، مطالبتها لمحكمة الجنايات الدولية ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بفرض عقوبات دولية، وملاحقة الأطراف المتورطة في التصعيد العسكري وإثارة أعمال العنف واستهداف المدنيين بالقصف العشوائي والأسلحة الثقيلة والصاروخية.كما طالبت الأمم المتحدة بضرورة تعيين مقرر خاص لحقوق الإنسان بليبيا ، تتم من خلاله عملية توثيق ومتابعة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وملاحقة الجناة من خلال الآليات الدولية.
وبدأت الاشتباكات بالعاصمة الليبية طرابلس في 26 أغسطس/آب الماضي، ودارت لنحو 9 أيام قبل أن تتوقف على إثر التوصل لاتفاق وقف النار برعاية البعثة الأممية للدعم بليبيا، وتم التوقيع عليه بمدينة الزاوية غرب طرابلس.وتجددت الاشتباكات الثلاثاء الماضي بعد خرق الهدنة، وازدادت حدِتها منذ مساء الأربعاء الماضي، وهي تدور بشكل أساسي بمناطق "طريق المطار" و"مشروع الهضبة" جنوب طرابلس، وكذلك مناطق "خلة الفرجان" و"وادي الربيع باتجاه جنوب الشرق".
وفي ظل عدم الالتزام بالاتفاق هدد المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة،في وقت سابق،باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات على المجموعات المسلحة التي تستخدم الأسلحة الثقيلة بطرابلس، متهما أعضاء في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بالتقصير تجاه التصعيد العسكري بالعاصمة الليبية.