في الوقت الذي تتواصل فيه الجهود الدولية للبحث عن فرص لحلحلة الأزمة الليبية، والوصول إلى اتفاقات تفضي إلى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، خاصة مع ازدياد المأزق السياسي الذي تعيشه ليبيا منذ سنوات تعقيدا في ظل أجواء التصعيد بين أطراف الصراع، دخل الاتحاد الأفريقي على الخط، محذرا من خطورة الأوضاع في ليبيا، خاصة في ظل التدخلات الخارجية التي تعمل على تأجيج الصراع في البلاد.

وحذر رئيس النيجر، محمدو يوسوفو، الخميس، من خطورة مواصلة تدهور الأوضاع الأمنية في بعض البلدان الأفريقية على غرار ليبيا ومالي مؤكدا أن الحل يبدأ في ليبيا من إعادة بناء مؤسسات الدولة، وفي مالي من منح القوة المشتركةِ الصبغةَ الهجومية، وتفويضا أكبر لمواجهة الجهاديين. ولخص يوسوفو مسببات الأزمة الليبية؛ في غياب مؤسسات الدولة وما ترتب عليه من إدخال للسلاح، ما أغرق البلاد في الفوضى، داعيا إلى إشراك الاتحاد الأفريقي في مساعي حل النزاع.

وقال الرئيس النيجري ـ وهو الرئيس المباشر للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا حاليا ـــ إن "انعدام الأمن وغياب الدولة في ليبيا أديا إلى تدفق السلاح، هذا يشكل لنا مصدر قلق، الأزمة متواصلة منذ 2011، يتعين بذل كل جهد لحلها سريعا".ودعا يوسوفو الى "تعيين مبعوث خاص مشترك، ليس مبعوثا خاصا للاتحاد الأفريقي إلى جانب مبعوث خاص للأمم المتحدة، بل مبعوث خاص واحد للمنظمتين ومن المستحسن أن يكون أفريقيا، للاهتمام بالملف الليبي".

ويتصاعد الحديث حول صعوبة عقد مؤتمر ليبي أو تنظيم انتخابات في ظل التوترات المتتالية بين الأطراف السياسية والعسكرية وتواصل التدخل الخارجي الذي يؤجج الصراع في ليبيا ويحول دون الوصول لتسوية في هذا البلد الممزق. وأكد يوسوفو أن جميع المبادرات التي تطلق الآن تصب في خانة إجراء الانتخابات، مشيرا إلى استحالة ذلك، بسبب "الظروف الأمنية الحالية في ليبيا، نحن نضع العربة أمام الحصان، يتعين أولا ترميم الدولة ثم تنظم لاحقا الانتخابات".

وأدت المعارك التي تدور رحاها جنوب العاصمة الليبية طرابلس بين الجيش الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق، إلى سقوط أكثر من 1000 قتيل وجرح، وما لا يقل عن 5000 شخص. وأكد يوسوف أنه في السودان كانت الدولة "منهارة تقريبا"، لكنهم (في إشارة إلى مسؤولي الاتحاد الأفريقي والجهود المبذولة أفريقيًّا) صالحوا بين مختلف الأطراف "وأقمنا حكومة ولدينا الآن مؤسسات ستقود المرحلة الانتقالية للوصول إلى انتخابات، هذا ما يجب فعله في ليبيا".

من جانبه، دعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسي فكي، الخميس، مجلس الأمن الدولي، إلى إعادة النظر في الأوضاع الحالية بليبيا، والتطبيق الصارم لحظر تصدير السلاح إليها. جاء ذلك، خلال جلسة مجلس الأمن الدولي المنعقدة بمقر الأمم المتحدة بنيويورك حول السلم والأمن في القارة الأفريقية، ترأسها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي تتولى بلاده رئاسة أعمال مجلس الأمن للشهر الجاري.

وقال "فكي" للمشاركين في الجلسة: "يتعين تأسيس آلية مشتركة جديدة تعتمد على دور أفريقي في حل مشاكل ليبيا".ودعا إلى "تعزيز عملية تفاوضية شاملة على نحو فعال بما يؤدي إلى تأسيس هياكل ذات شرعية سياسية". وطالب رئيس المفوضية الأفريقية أعضاء المجلس بضرورة "إعادة النظر في الوضع بليبيا، مع تطبيق صارم لحظر الأسلحة".

بدوره، قال وزير الخارجية الروسي في إفادته خلال الجلسة، إن "سيادة الدول الأفريقية لا تزال للأسف تواجه تحديات".واعتبر أن "التدخل الخارجي في شؤون ليبيا أدى إلى إغراق البلاد في الفوضى، وتدفق الأسلحة والمجرمين في جميع أنحاء القارة". ومدد مجلس الأمن الدولي، بالإجماع، الإثنين، قرار حظر صادرات السلاح المفروض على ليبيا منذ 2011، لمدة عام كامل.

ومازالت ليبيا تدفع ثمن التدخلات الخارجية التي تدفع نحو تأجيج الصراعات،حيث  تواصل عدة دول وعلى رأسها تركيا تدخلاتها السلبية المتمثلة أساسا في إرسال الأسلحة مستغلة غياب سلطة الدولة وتواصل الصمت الدولي حيال تجاوزاتها التي تغذي الفوضى والعنف في هذا البلد الممزق بالإنقسامات.

وفي مايو الماضي خرج إلى العلن الدعم التركي لتسليح الميليشيات في طرابلس ومصراتة في المعركة المتواصلة لمنع قيام الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من استعادة العاصمة الليبية،حين أعلنت الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج عن وصول تلك الشحنات الجديدة من الأسلحة إلى ميناءي العاصمة طرابلس ومدينة مصراتة، على متن سفينتي شحن قادمتين من ميناء "سامسون" بشمال تركيا.

وتضمّنت هذه الشحنة من العتاد الحربي، مدرعات من نوع "بي.أم.سي كيربي" التركية الصنع، وكمية من الصواريخ المضادة للدبابات، بالإضافة إلى بنادق قنص ورشاشات هجومية، وكميات من الذخائر والمتفجرات وقطع الغيار، وذلك في خرق صارخ لقرار مجلس الأمن الدولي المُتعلق بحظر الأسلحة المفروض على ليبيا بموجب الفصل السابع الصادر عام 2011.

كما مثلت الأراضي الليبية مسرحا لتجريب تركيا لطائراتها المسيرة على غرار طائرات مقاتلة جديدة من نوع "بيرقدار تي بي 2"،التي كشف موقع أفريكا أنتلجنس -الوكالة المتخصصة في الأخبار السرية – مطلع يوليو الماضي،عن أن تركيا تستعد لمنح حكومة السراج ثماني منها،رغم استمرار الحظر على توريد السلاح إلى ليبيا الذي فرضه مجلس الأمن منذ 2011.

وتفاخر رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، في تصريح لصحيفة الإندبندنت البريطانية شهر أيار/ مايو الماضي، بأن "حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة حصلت على طائرات بدون طيار وعدلتها لمواجهة التأثير المدمر لطائرات السيد حفتر الحربية والمراقبة الجوية".دون أن يشير الى أن هذه الطائرات تسفك دماء الليبيين.

ويتهم الجيش الليبي، دولة تركيا، بقيادة المعارك في المنطقة الغربية لصالح الميليشيات المسلّحة المدعومة من حكومة الوفاق، عن طريق دعمها بالأسلحة والمعدات العسكرية وكذلك الطائرات المسيّرة، وأكد الجيش الليبي أن تركيا وفّرت غطاءً جوياً لميليشيا الوفاق خلال اقتحام مدينة غريان، وكان نقطة تحوّل أمالت الكفّة لصالح هذه المليشيات.

وسبق للاتحاد الافريقي أن حذر من التدخلات الخارجية التي تعمل على تأجيج الصراع في ليبيا،وأكد مفوض السلم والأمن الإفريقى إسماعيل شرقى،فى مؤتمر صحفى على هامش القمة الإفريقية،في فبراير الماضي، إن التدخلات الخارجية فى ليبيا تعقد الوضع وتكرس لعدم الاستقرار، موضحا أن القمة ناقشت الوضع الأمنى فى ليبيا وخاصة انتشار الميليشيات المسلحة والجماعات الأخرى.

الجدير بالذكر أن الاتحاد الأفريقي قد شكّل العام 2011 في قمته بأديس أبابا، لجنة للوساطة في أزمة ليبيا، تتكون من 5 رؤساء دول هم رؤساء مالي السابق، أمادو توماني توري وجنوب أفريقيا جاكوب زوما وموريتانيا محمد ولد عبد العزيز والكونغو دنيس ساسو نغيسو وأوغندا يويري موسيفيني.وبعد رفض وساطته فى فبراير/شباط 2011،إعتزل الاتحاد الإفريقى التدخل فى الأزمة الليبية.

وفي الوقت الذي تم فيه تهميش دوره من قبل فاعلين آخرين دوليين مثل ايطاليا وفرنسا، قرر الاتحاد الأفريقي، في قمته التاسعة والعشرين بأديس أبابا في يوليو 2017،تسريع جهوده في المساعدة على التفاوض للوصول إلى تحقيق السلام والإستقرر في ليبيا،حيث أعادت جمعية الاتحاد الأفريقي التأكيد على نيتها في الدعوة إلى حوار مصالحة وطني.ومنذ مؤتمر يوليو 2016 في كيغالي أعرب الاتحاد الأفريقي عن اهتمامه بإطلاق مثل هذا الحوار، إلا أنه لم يكن بإمكانه فعل ذلك،فيما تعددت المبادرات غلى غرار الفرنسية والايطالية.

وتعول أطراف ليبية واقليمية على الاتحاد الافريقي لتحقيق تسوية في البلاد ومنع أى تدخلات خارجية تخدم أجندة دول بعينها وتضر مصالح الشعب الليبى.ويرى مراقبون،أن جهود الاتحاد الافريقي قد تنجح في اختراق الأزمة القائمة من خلال تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين وانهاء الصراعات المتجددة في هذا البلد الافريقي.ويستدل هؤلاء بنجاح وساطة الاتحاد الأفريقي في أزمة أفريقيا الوسطى والتي أثمرت في فبراير الماضي توقيع اتفاق سلام في بانغي.