مازالت فرص حلحلة الأزمة الليبية والوصول إلى اتفاقات تفضي إلى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين،تواجه تعقيدات وعقبات كثيرة خاصة في ظل أجواء التصعيد بين أطراف الصراع  والتي تغذيها التدخلات الخارجية وعلى راسها التدخل التركي ما يهدد باعادة البلاد الى مربع الاقتتال من جديد والذي يمثل خطرا يتجاوز حدود ليبيا ليصل الى المنطقة عموما.
ونتيجة لهذه الأوضاع المتفجرة في البلاد،تتكثف الجهود على أكثر من جبهة لاحتواء التوتر المتصاعد في ليبيا والبحث عن حلول تنهي الصراع الدائر فيها.ودخل الاتحاد الإفريقي مؤخرا على خط الأزمة الليبية حيث تعهد في ختام قمته السنوية ليل الإثنين الثلاثاء في أديس أبابا، بأن يكون أكثر حيوية وفاعلية في التوسط في نزاعات القارة، وخصوصا في الملف الليبي الذي استبعد منه إلى حدّ كبير.


وقال مفوض الاتحاد الإفريقي للسلام والأمن اسماعيل شرقي، إن الأمم المتحدة، الوسيط الرئيسي في ليبيا "تحتاج إلينا الآن".وأضاف "إنها مشكلة إفريقية ولدينا حساسية قد لا تتوفر لدى آخرين"، مذكرا بـ"الصلة" بين غياب الأمن في ليبيا وصعود الجماعات الجهادية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو في السنوات الأخيرة، وهي قضية شائكة أخرى يواجهها الاتحاد.
وسيتولى رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا الأحد رئاسة الاتحاد لمدة عام، خلفا للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.وصرّح وزير خارجية جنوب أفريقيا ناليدا باندور أن الاتحاد الأفريقي "يجب أن يكون أكثر حيوية" في تصدّيه للنزاعات بدلا من ترك هذه المهمة لأطراف خارجية. وقال "يجب أن نتحرك بسرعة أكبر".
الجدير بالذكر أن الاتحاد الأفريقي قد شكّل العام 2011 في قمته بأديس أبابا، لجنة للوساطة في أزمة ليبيا، تتكون من 5 رؤساء دول هم رؤساء مالي السابق، أمادو توماني توري وجنوب أفريقيا جاكوب زوما وموريتانيا محمد ولد عبد العزيز والكونغو دنيس ساسو نغيسو وأوغندا يويري موسيفيني.وبعد رفض وساطته فى فبراير/شباط 2011،إعتزل الاتحاد الإفريقى التدخل فى الأزمة الليبية.
وفي الوقت الذي تم فيه تهميش دوره من قبل فاعلين آخرين دوليين مثل ايطاليا وفرنسا، قرر الاتحاد الأفريقي، في قمته التاسعة والعشرين بأديس أبابا في يوليو 2017،تسريع جهوده في المساعدة على التفاوض للوصول إلى تحقيق السلام والإستقرر في ليبيا،حيث أعادت جمعية الاتحاد الأفريقي التأكيد على نيتها في الدعوة إلى حوار مصالحة وطني.ومنذ مؤتمر يوليو 2016 في كيغالي أعرب الاتحاد الأفريقي عن اهتمامه بإطلاق مثل هذا الحوار، إلا أنه لم يكن بإمكانه فعل ذلك،فيما تعددت المبادرات غلى غرار الفرنسية والايطالية والألمانية.
واشتكت قيادة الاتحاد الإفريقي من تغييب التكتل عن جهود السلام المتعلقة بليبيا، والتي قادتها الامم المتحدة بمشاركة كثيفة من الدول الأوروبية.وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تفهمه لـ"إحباط" الاتحاد الأفريقي الذي “استُبعد” حتى الآن عن الملف الليبي، ووعد بدعم مبادرة لعقد منتدى للمصالحة اتخذت خلال قمة لجنة الاتحاد الأفريقي حول ليبيا الأخيرة.
وقال غوتيريش في كلمة ألقى بها خلال مشاركته بالقمة الإفريقية العادية الـ33، تحت شعار "إسكات صوت البنادق وتهيئة الظروف للتنمية في إفريقيا"، في إثيوبيا،"أدعم بشكل كامل فكرة تنظيم اجتماع في أفريقيا لمصالحة الفصائل المتحاربة بليبيا، وأريد أن أؤكد أن الحلّ السياسي وحده من قبل الليبيين كفيل بتحقيق السلام للشعب الليبي"، مشددا على ضرورة وقف إطلاق النار في ليبيا.
ويحتدم الصراع في ليبيا منذ نيسان/ابريل 2019، إذ تدور معارك جنوب طرابلس (غرب) بين قوات حكومة الوفاق، والجيش الوطني الليبي.ودخلت هدنة هشّة حيز التطبيق يوم 12 كانون الثاني/يناير، وتجري جهود لتحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار.لكن التحركات التركية تسعى لتأجيج لصراع في ليبيا من جديد بهدف استمرار الفوضى في هذا البلد الافريقي.


وانخرطت أنقرة في الصراع الدائر في طرابلس لدعم الميليشيات المسلحة بالسلاح والمرتزقة الأجانب القادمين من سوريا، والتي قالت تقارير منظمات دولية إن عدد منهم ينتمي إلى تنظيمات متشددة مثل القاعدة وداعش وهو ما بات يثير مخاوف كبيرة لدوول الجوار من تحول الأراضي الليبية الى ملجأ للتنظيمات الارهابية التي عانت منها خلال السنوات الماضية.
وفي الفترة الماضية، عزز الاتحاد الأفريقي جهوده من أجل لعب دور أكبر في عملية المفاوضات للوصل إلى تسوية بين أطراف النزاع في ليبيا،لكن التفاؤل بدور كبير للاتحاد الافريقي يصطدم بمعوقات كبرى تهدد باخفاق جديد على غرار اخفاقه في تنفيذ التعهد الذي قطعه في 2013 بإنهاء كل الحروب في أفريقيا بحلول 2020.
وقال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي،أن الوقت الذي مرّ منذ 2013 سمح بكشف "مدى تعقيد الإشكالية الأمنية في أفريقيا" أكثر مما أتاح تسوية النزاعات.وأكد فكي إن "أفريقيا تحتاج إلى تعاون جميع الشركاء الدوليين لحل الأزمة في ليبيا". وأضاف "نقدر انطلاق مبادرة السلم والمصالحة في ليبيا بالتزامن مع مسار مؤتمر برلين".
ويشكك مراقبون في قدرة الاتحاد الافريقي على أداء دور محوري في الوساطة الليبية،مشيرين الى أنه  على الاتحاد اولا إنهاء الانقسام الداخلي وتبني موقف مشترك من ليبيا.وقالت الخبيرة في مجموعة الأزمات الدولية كلوديا غازيني،"لفرانس24" أنه "لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة قدرة الاتحاد الإفريقي على العمل مع دور الأمم المتحدة، في جوانب ليس أقلها المعرفة والحضور الميداني.


وتواجه افريقيا تحديات كبرى على رأسها الملف الأمني خاصة في ظل انتشار التنظيات الارهابية واستغلالها للصراعات على غرار ليبيا.وأكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي استعداد مصر لاستضافة قمة أفريقية تكون مخصّصة لبحث تشكيل قوة أفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب. ودعا إلى اتخاذ كافة الترتيبات اللازمة لنجاح هذه القمة.
وعلى هامش القمة الأفريقية، تباحث الرئيس المصري مع نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون بشأن مواجهة الإرهاب والأوضاع في ليبيا.وأشار بيان للرئاسة المصرية إلى "تشابه الظروف والتحديات التي تواجه البلدين"، ولفت إلى "ضرورة تدعيم التنسيق الأمني وتبادل المعلومات بشأن الجماعات الإرهابية التي تمثّل تهديدا مشتركا للبلدين والمنطقة بأكملها".
وتتشارك دول جوار ليبيا المخاوف ذاتها بشأن التوتر الأمني المتصاعد لاسيما بعد تدخّل تركيا ونقلها للمرتزقة والعناصر الارهابية من بؤر التوتر ناهيك عن اغراقها لهذا البلد بالاسلحة.وينعكس تدهور الامن في ليبيا سلبا على دول الجوار التي تسعى جاهدة للوصول الى تسوية سياسية في ليبيا تنهي الازمة المستمرة منذ سنوات.
وتتواصل المبادرات الهادفة لحل الأزمة الليبية، وفي الوقت الذى يتفاءل فيه البعض بإمكانية نجاح الدول الإفريقية في التأثير على الأطراف الفاعلة على الساحة الليبية،والوصول إلى توافق بينها يسرع في إنهاء الأزمة،يخشى آخرون أن لا تختلف حظوظ هذه التحركات عن عشرات غيرها،ظلت توصياتها حبراً على ورق ولم يتم الالتزام بها أو تفعيلها.