في الوقت تتواصل فيه الاشتباكات المسلحة بين الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق والتي تقترب من شهرها العاشر،مازالت عمليات الاختطاف والاخفاء القسري على أيدي المجموعات المسلحة تلقي بظلالها على العاصمة الليبية طرابلس في ظل استمرار مسلسل الانتهاكات التي تمارسها هذه الجماعات منذ سنوات مستغلة في ذلك غياب سلطة الدولة والقانون.
وتعد حوادث الاختطاف شائعة في العاصمة طرابلس،التي تسيطر عليها المليشيات المسلحة وتخضع لحماية الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوفاق الوطني،وتطال عمليات الاختطاف هذه الجميع،حيث أعربت منظمة رصد الجرائم الليبية، الثلاثاء، عن قلقها إزاء تزايد عمليات الخطف والإخفاء القسري للمدنيين في مدينة طرابلس والتي طالت رجال القانون والسياسيين والصحفيين.
وحمّلت المنظمة الحقوقية الدولية،حكومة الوفاق الليبية مسؤولية ارتفاع جرائم الخطف والاختفاء القسري في العاصمة طرابلس،مطالبة في بيان لها، حكومة السراج التي تسيطر على طرابلس بإطلاق سراح المختطفين قسريا من قبل الميليشيات التابعة للحكومة.واستنكرت المنظمة الانتهاكات الجسيمة المتكررة لحقوق الإنسان في طرابلس، مشددة على ضرورة احترام المواطنين في العاصمة ومسؤولية وسلامة كافة المختطفين والمخفيين قسريا.
وقالت المنظمة انها رصدت  العثور على جثة المحامي "ياسر يوسف عثمان" العمر 60 سنة، بأحد شوارع منطقة عين زاره من قبل الهلال الأحمر بتاريخ 15 ديسمبر 2019، بعد قرابة شهر من اختطافة من منطقة خلة الفرجان بطرابلس من قبل أربع أشخاص ملثمين حسب شهود عيان، وحسب تقرير الطب الشرعي سبب الوفاة هو سكتة قلبية نتيجة التعذيب، إضافة إلى كسور في العمود الفقري والكتف.
كما رصدت المنظمة اختطاف "عبد المنعم السنوسي الشريف" 62 سنة، رئيس الهيئة الفزانية، من مقر إقامته بفندق التوفيق طرابلس يوم الأحد 15 ديسمبر 2019 بعد منتصف الليل، من قبل مسلحين ملثمين.ودعت المنظمة إلى فتح تحقيق فوري في كافة الانتهاكات الواقعة في طرابلس وتقديم المسؤولين إلى العدالة.
ومنذ ايام قليلة،أختطف الصحفي الليبي رضا فحيل،فور وصوله إلى مطار معيتيقة الدولي،قادمًا من تونس، على متن الخطوط الجوية الإفريقية.وقالت منظمة مراسلون بلا حدود، أن "صور كاميرات المراقبة في المطار أظهرت رجلين بالزي المدني يعتقلان فحيل البوم، حيث كان الصحفي والمدافع عن حقوق الإنسان قد مر للتو من نقطة مراقبة الجوازات لدى عودته من تونس، ومنذ ذلك الحين، لم ترد أية معلومات عن مصيره.
وأثار الإختفاء القسري للصحفي المعروف بنشاطه الحقوقي والإعلامي المكثف،وبكثرة الجوائز المحلية والدولية التي حصل ، غضبا  في الأوساط الصحفية والحقوقية داخل ليبيا وخارجها،ودعا نشطاء وصحفيون وحقوقيون،الجهات ذات الاختصاص بالعاصمة طرابلس، الى كشف مكان احتجاز الناشط الحقوقي والصحفي، وإطلاقه فورًا دون قيد أو شرطك.فيما شددت البعثة الأممية على ضرورة إطلاق سراح  فحيل وإحالته إلى سلطة قضائية مختصة على الفور.وقالت  إن احتجاز فحيل قد يكون على خلفية عمله الصحفي والحقوقي، مشيرة إلى أن ذلك يعدّ خرقا لالتزامات ليبيا بموجب القانون الدولي.
وبعد اختفائه لأكثر من أربعة ايام اعترفت هيئة المخابرات، التي لا تزال تحت سلطة حكومة الوفاق، باعتقالها الصحفي الليبي وذلك بالرغم من نفيها ذلك في وقت سابق.واعتبر مراقبون أن جهاز المخابرات الذي تسيطر عليه الميليشيات قام بإخفاء فحيل قسريا بسبب الى دفاعه عن ثوابت الدولة المدنية الحداثية ورفضه للمشروع الإخواني المهيمن على العاصمة طرابلس.
وشهد العام الماضي إدانات عديدة من قبل منظمات حقوقية بشأن ظاهرة الاختطاف والاختفاء القسري الذي تقوم به المليشيات المسلحة.ومنذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي،عندما أطلقت قوات الجيش الليبي عملية عسكرية في العاصمة الليبية طرابلس، بهدف تطهيرها من الميليشيات المتطرفة والمسلحين المتحالفين معها،تحدثت تقارير اعلامية عن أن عمليات الاختطاف تسارعت مستهدفة كل من تشك المليشيات المسلحة في تأييده الجيش الليبي.
تقارير أكدتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،التي أعربت في مايو الماضي عن قلقها العميق إزاء تزايد حالات الاختطاف والاحتجاز التعسفي وحالات الاختفاء القسري منذ اندلاع القتال في طرابلس، لافتة إلى أنّ تلك الحالات تطال مسؤولين وناشطين وصحفيين، حيث تنذر هذه الحالات بتدهور سيادة القانون في ليبيا.
وشددت البعثة، وفق بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني،على أن "القانون الدولي لحقوق الإنسان ينص على أن لكل شخص الحق في الحرية والأمن الشخصي، ولا يجوز إخضاع أي شخص للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي. كما يحظر القانون الدولي الإنساني حالات الاختفاء القسري، شأنها شأن عمليات الخطف والاختطاف".
وشهدت الاشهر الماضية عمليات اختطاف واحتجاز تعسفي لمسؤولين على غرار يام إحدى الميليشيات باختطاف رئيس مركز طرابلس الطبي، نبيل العجيل، في محاولة لإجباره على الاستقالة، ليتم إطلاق سراحه بعد ثلاثة أيام.كما قامت ميليشيات باختطاف مستشار وزير الصحة بحكومة الوفاق ناجي جبريل، واتهمته بـ"الخيانة"، بعدما وفر الدم لمستشفيات مدينة غريان التي يسيطر عليها حينها الجيش الليبي.
كما تم اختطاف وكيل وزارة الدفاع بحكومة الوفاق، أوحيدة نجم،وأطلق سراحه بعد قرابة الشهر ونصف من اختطافه ، من قبل مجموعة مسلحة بطرابلس.بالاضافة إلى اختطاف رئيس المخابرات الليبية، عبدالله الإدريسي، ونائبه، عبدالمجيد الضبع، ونائب رئيس المخابرات العسكرية بتهمة المخابرة مع القيادة العامة للجيش الليبي،وفق تقارير اعلامية.
وطالت عمليات الاختطاف المدنيين، فبعد اقتراب الجيش من العاصمة بدأت الميليشيات في شن حملات تفتيش عشوائية، إذ أنها تقوم باختطاف كل من يشكون في تأييده الجيش الليبي.وكان المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الليبى،أعلن في مايو الماضي إن المليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق اعتقلت تعسفيا وأخفت قسرًا مئات الأشخاص من مؤيدى القوات المسلحة الليبية فى طرابلس.وأفاد المركز فى بيان له أن مليشيات مصراتة ألقت القبض على نحو 180 شخصًا من مؤيدى الجيش الليبى وقامت باحتجازهم بإحدى المزارع الواقعة على طريق السدرة.
وأشار المركز الإعلامى التابع للجيش الليبى إلى أن المحتجزين جرى سجنهم داخل ما يعرف بـ "مزرعة المجدوب" والموجودة فيها غرفة عمليات لبعض مليشيات مصراتة، هذا إن لم يتم نقلهم لجهة أخرى، مؤكدا أن عمليات القبض والاحتجاز ليست الأولى من نوعها، حيث سبق اقتياد الكثيرين لمجرد الاشتباه بتأييدهم للقوات المسلحة الليبية.
وتواجه المظاهرات السلميّة في العاصمة الليبية طرابلس،بالرصاص الحيّ، لاسيّما إذا ما تجرّأت جموع المتظاهرين على المطالبة بإخراج جميع التشكيلات المسلحة غير الشرعية من العاصمة طرابلس.ويتعرض كل من يخالف المليشيات للإختطاف أو الإعتقال التعسفي أو القتل دون رادع في ظل غياب سلطة الدولة والقانون.
وأعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،في وقت سابق عن قلقها البالغ والكبير حيال ما تشهده العاصمة طرابلس من تصاعد لجرائم الاختطاف والاعتقال القسري الذ تقوم بها عصابات الجريمة والجريمة المنظمة وكتائب وتشكيلات مسلحة بحق المواطنين بداخل المدينة.ووفق مراقبين فإن حوادث الاختطاف والاعتقالات التعسفية وسياسة تكميم الأفواه في ظل الانفلات الأمني التي تشهده العاصمة الليبية،باتت تؤكد على ضرورة تحريرها من قبضة الميليشيات المسلحة  التي مثلت كابوسا أرهق الليبيين طيلة سنوات والتي ساهمت في اطالة أمد الأزمة في البلاد.