بعد سنة من المظاهرات الحاشدة بتاريخ 30 يونيو ضد الإخوان المسلمين وتنحية الجيش للرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو، تواجه حركة الإخوان المسلمين المصرية تحديات خطيرة ستشكل مستقبل المجموعة ومستقبل الإسلام السياسي. وبينما لم تُعرف بعد نتيجة الصراع من المستبعد أن يحافظ الإخوان المسلمون –والاسلام السياسي في المنطقة وحتى خارجها– على نفس الملامح.

أضعفت اعتقالات القياديين في جماعة الإخوان المسلمين قبضة القيادة على الحركة، ومن ثم شكلت مخاطر على تماسكها في الوقت الذي تحتاج فيه الجماعة اتخاذ خيارات استراتيجية بخصوص مستقبلها وعلاقاتها بالنظام الحاكم الجديد في مصر بقيادة عبدالفتاح السيسي.

لقد أفرزت التطورات التي أعقبت ثورة 30 يناير وسقوط نظام الإخوان دينامية جديدة داخل الحركة الإخوانية إذ كانت القيادة تاريخيا تمارس السلطة الكاملة في تسيير الحركة والتخطيط لمستقبلها لكن هذه السيطرة ضعفت الآن.

 

سجن القيادات انتج سياسة مرتبكة

في حين ساعد لعب دور الضحية الإخوان على المحافظة على شيء من الوحدة، أدت اعتقالات القادة وغضب القواعد الى إضعاف ‘التحكم من أعلى إلى أسفل’ وشجعت أعضاء منفردين على تولي زمام الأمور ومن ثم تدعيم الانقسامات التنظيمية.

في هذا السياق تجد حركة الإخوان نفسها ممزقة بين المصالحة والمواجهة مع النظام السياسي الجديد في مصر، ويرتبط كل من الخيارين بتكاليف معتبرة. تبدو المصالحة في تناغم مع تاريخ الجماعة البراغماتي وهو الطريق الوحيد لإعادة إدماج المجموعة المحافظة سياسيا في السياسة الرسمية.

لكن الأعضاء المتجهين أكثر إلى المنهج الأصولي لا يرغبون في توجيه التنظيم في هذا الاتجاه، فهم يعتبرونه استسلاما بالنظر إلى الثمن الباهظ الذي دفعوه في السنة الماضية. ولن تقدر القيادة المنهكة على إجبار الحركة على النزول إلى ذلك المسار التصالحي، ومحاولة فعل ذلك قد تفضي إلى انقسامات كبرى.وقد ظهرت مؤخرا مسببات للانقسام عندما أطلقت القيادة التقليدية بيانا صحفيا في بداية شهر مايو الماضي تقول فيها إنها لم تقرر بعد ما إن كانت ستقدم مرشحين في الانتخابات البرلمانية القادمة. هذا الموقف المتجه أكثر نحو التسوية يتعارض مباشرة مع الموجة المتصاعدة للإخوان الأكثر تشددا ولم يتم سحب البلاغ من الموقع الإلكتروني لحركة الإخوان إلا بعد نشره بيومين.

لكن الإخوان لا يمكنهم البقاء مكتوفي الأيدي كذلك، فالحركة لم تتبن طريق المصالحة (وقد لا تكون قادرة على ذلك) وربما تتجه نحو المواجهة، خاصة وأن عددا مهما من الناشطين في الحركة متأثرون بخطابات حلفائهم من الجهاديين الذين لا يستبعدون استخدام العنف. وهذا التأثير يمثل تحديا أمام تقاليد التنظيم الذي رفع على مدى عقود شعار العمل السلمي.

وفي محاولة لعكس هذا التوجه عرّف الائتلاف الوطني لدعم الشرعية (وهو تكتل إسلامي معارض لإبعاد مرسي عن الحكم يسيطر عليه قادة من الإخوان) ‘المعارضة السلمية’ بأنها تلك التي تمنع المحتجين من استخدام الرصاص لكنها تسمح بالعنف الصغير في ردة الفعل مثل إلقاء الزجاجات الحارقة. وفي حين أن مثل هذه الاستراتيجية قد تساعد حركة الإخوان على التمسك ببعض الأعضاء المتشددين الذين كانوا سينضمون إلى تنظيمات متشددة كحل بديل، من الصعب جدا استمرارها مع تسارع الحملة الأمنية التي تقوم بها الدولة، وهي سياسة ستزيد من احتمال لجوء أعضاء الإخوان إلى استخدام العنف.

في الواقع على حركة الإخوان المسلمين أن تحجم عن العنف لضمان بقائها، إذ أن تبني العنف يؤدي آليا إلى تقويض استثمارات الحركة الاجتماعية بما في ذلك المستشفيات والمدارس والجمعيات غير الحكومية فضلا عن المصالح الاقتصادية لرجال الأعمال التابعين لها. زيادة على ذلك، تدرك القيادة الحاجة إلى النأي بالمجموعة عن الأعمال العدائية حتى لا تخسر المساندة الدولية (أي الغربية) التي يمكن أن تعمل ولو جزئيا كثقل مواز للضغط على الجماعة.

ومن المحتمل أن يؤدي الصراع المتواصل والتوترات داخل جماعة الإخوان المسلمين إلى مزيد من الانقسامات في صفوفها خاصة مع فقدان القيادة للسيطرة.

 

التنافس بين التيارات الإسلامية

من جهة أخرى تواجه حركة الإخوان المسلمين مشكل انخفاض القوة النسبية للإسلاميين وزيادة في التنافس بين الفاعلين الإسلاميين. أثناء الانتخابات البرلمانية 2011- 2012 ترشح الإسلاميون في قائمتين منفصلتين: قائمة يتزعمها الإخوان فازت بـ216 مقعدا، وقائمة بزعامة حزب النور السلفي فازت بـ112 مقعدا.

وفي المجموع سيطر الإسلاميون على أكثر من ثلثي البرلمان، ويستطيع الإخوان التسامح مع اسلاميين آخرين نظرا للقوة التي تملكها مختلف المجموعات عند تكتلها، وركزوا على المحافظة على تزعمهم للكتلة الإسلامية التي يمكنها السيطرة على البرلمان وصنع القرار.

لكن في سنة 2014 يجد التنظيم الإخواني نفسه يكافح من أجل إيجاد حيز له في خضم تنافس شديد. لقد وقف حزب النور في صف الجيش ضد الإخوان أملا في استثمار إقصاء هؤلاء ومن ثم وراثة أي نفوذ إسلامي بالاعتماد على كونه أقرب قوة إسلامية من النظام.

وساند حزب النور دستور ما بعد مرسي الأقل إسلامية في يناير الماضي ودعم المشير عبدالفتاح السيسي علنا في سباق الرئاسة. وكان ردة فعل الإخوان أن أدانوا مواقف حزب النور واتهموا قادته بالخيانة وبأنهم أضروا بشرعيتهم، وفي حين أن هذه الاستراتيجية قد تنجح في إدانة حزب النور إلا أنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية إذا ما جنح الإخوان إلى المصالحة.

كما نجد كذلك أن أعدادا متزايدة من الحركات والمفكرين الجهاديين (مثال يحيى الرفاعي سرور وإيمان بدوي وعبدالرحمان عز وأحمد المغير ووجدي غنيم) يتنافسون مع الإخوان (وحزب النور) على كسب الأصوات الإسلامية. وتعزو هذه الحركات إخفاقات الإسلاميين لمواقف الإخوان “المعتدلة” واستعدادهم التنازل.

وتجد هذه الحجة صدى لدى المواطنين ذوي الميول الإسلامية، خاصة عندما يبدي الإخوان استعدادهم للعمل مع النظام مثلما يبينه البيان الصحفي بخصوص الانتخابات البرلمانية قبل أن يتم سحبه في آخر المطاف. ويمثل موقف الجهاديين الدغمائي تهديدا لتماسك التنظيم المنهك أصلا.

(دراسة صدرت عن معهد الشرق الأوسط)

 

*نقلا عن العرب اللندنية