غيرت السيطرة على مطار سرت، من قبل مسلحي "الدولة الإسلامية"، بشكل نوعي الصراع الفوضوي القائم في ليبيا.  لقد أصبحت داعش على مرمى حجر من السواحل الأوروبية. وبما أن الهدف المعلن للجماعة هو توسيع رقعة الخلافة لتصل إلى إسبانيا وإيطاليا، ومن خلال رحلة قصيرة على المتوسط، يجب اعتبار ذلك تهديدا خطيرا.
إن تدفق موجة المهاجرين غير الشرعيين من السواحل الليبية لَتُظهر بجلاء أن منطقة شمال أفريقيا أصبحت محورية بالنسبة لحلف شمال الأطلسي. فهناك قوات معادية تهدد طرابلس والغرب غير بعيد عن سواحله.
إن تركيز أوروبا على تدفق الهجرة كعامل مؤثر على الاستقرار جعلها تصرف الانتباه عن السبب الرئيسي لهذه الظاهرة، ألا وهو الانهيار المتسارع للدولة الليبية. حيث الحدود غير محمية والحكومة المركزية غائبة، مما أضحت معه ليبيا بوابة رئيسية للهجرة السرية نحو جنوب أوروبا، ليس فقط بالنسبة للمواطنين الليبيين اليائسين، لكن أيضا لشباب إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، الذي يعاني من الفقر والإحباط. أما مواجهة هذه المشكلة بتدمير زوارق المهربين، كما قرر الاتحاد الأوروبي مؤخرا، فيعني الزيغ عن الهدف الرئيسي. فكل ما يحدث هو أن المهربين اشتروا ثمن عبور غير قانوني نحو أوروبا.
تعود جذور المشكلة إلى الفراغ الأمني الذي أعقب تفكك الدولة الليبية. فالبلاد التي بها حكومتان متنافستان ومؤسساتها في حالة انهيار ليست سوى دولة فاشلة. حتى فكرة انقلاب عسكري أصبحت غير واردة، لأنها تستوجب في الأصل وجود دولة قائمة.
إن ما يجذب "الدولة الإسلامية" هو حالة الفوضى، فعلى الرغم من أن لا علاقة لليبيا بالجماعة الأم في العراق وسوريا، إلا أنها أصبحت هدفا سهلا لداعش، التي سيطرت على جزء من درنة، وهي أول مدينة تمكنت منها خارج حدودها في العراق وسوريا. وبإحكام قبضتها على مشروع الري الليبي الضخم، ستتمكن من السيطرة على إمدادات المياه الصالحة للشرب إلى المدن الليبية الأخرى. الآن، راية داعش السوداء ترفرف في سماء سرت، مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي.
يدعو القادة الليبيون الغرب التدخل بواسطة دعم جوي لاستعادة مدينة سرت. يقاتل تنظيم َداعش تحالفٌ تقوده الولايات المتحدة في أماكن أخرى، يقول هؤلاء المسؤولون: لماذا يقفون مكتوفي الأيدي عندما يسيطر "الإسلاميون" على مناطق ليبية الاستراتيجية؟ إن حملة جوية محتملة قد تضعف داعش بالتأكيد، لكن، سيكون لها تأثير على ميزان القوى في ليبيا، وستدفع الصراع في اتجاه المجهول. قد تحاول داعش استمالة الغرب للقيام بتدخل عسكري أوسع وأكبر كلفة من أي وقت مضى.
الهدف الأساسي إذن هو تحريك الآلة الدبلوماسية لجمع القبائل المتناحرة في ليبيا على مائدة حوار والضغط عليهم لقبول شكل من أشكال دولة فدرالية لكن موحدة قادرة على الدفاع عن حدودها. قد تبدو الأزمة الليبية مستعصية على الحل، لكن هناك أزمات، مثل تلك التي عرفتها دول البلقان، عرفت طريقها إلى الحل بواسطة التفاوض وإقناع الفرقاء أن السنوات الطويلة من الصراع تُفقر الصديق والعدو على حد سواء.
على الليبيين أنفسهم التحالف فيما بينهم لمواجهة داعش. وعليهم، ونحن معهم، أن يفهموا أن الصراعات المسلحة التي يركبونها ستؤدي بالبلاد إلى الهاوية. المواطن الليبي العادي لا يريد سوى العيش في أمن ورخاء، وكذلك الحال بالنسبة للمواطن الأوروبي العادي. يجب أن تتدخل الدبلوماسية بجدية لحل هذه الأزمة.