انطلقت مطلع العام الجديد 1 يناير/جانفي 2022 "عملية بيضاء" للاستشارة الشعبية الالكترونية التي دعا لإجرائها رئيس الجمهورية التونسية قيس سعّيد والتي تندرج وفق تصريحاته "في إطار صياغة تصوّر جديد يمكّن الشعب التونسي، صاحب السيادة، من التعبير عن إرادته بكلّ حرية".
وتتمثل مراحل هذا التصور الذي أعلن عنه الرئيس التونسي قيس سعيّد في 13 كانون الأول/ ديسمبر الفارط، في تنظيم استشارة شعبية تتبعها عملية تأليف لمختلف آراء المشاركين في الاستشارة لتجسيد تلك المقترحات في نصوص قانونية من قبل لجنة، على أن ينظم استفتاء حول الاصلاحات الدستورية والقانونية والقانون الانتخابي، تليها انتخابات تشريعية يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2022.
أثارت الإستشارة الشعبية الإلكترونية موجة جدل واسع بين معارض وداعم وفريق ثالث صامت يتمثل في الكثير من عامة الشعب. فلقد دخلت تونس في تطورات كثيرة منذ الـ25 من جويلية/ يوليو الماضي بدأت بتجميد البرلمان وإعفاء حكومة المشيشي من مهامها بتفعيل الفصل 80 من الدستور التونسي تبعتها قرارات تمديد التجميد "إلى إشعار آخر" ثم التجميد حتى إجراء انتخابات.
كان الشارع التونسي والإقليمي والعالمي ينتظر منذ ذلك التاريخ إعلان رئيس الجمهورية التونسية عن خارطة طريق تنهي الإجراءات الإستثنائية وتوضح ملامح المشهد السياسي الضبابي في ظل أزمات حادّة تعصف بالبلاد من كل جانب. فبعد تعديل تاريخ الثورة التونسية ليصبح 17 ديسمبر/كانون الأول عوضا عن 14 جانفي /يناير. كان التونسيون ينتظرون تصريحا للرئيس توضح خارطة طريق المرحلة المقبلة خاصة مع ما يشهده الشارع من غليان لكن قيس سعيد قرر الظهور مساء الـ 13 ديسمبر الماضي معلنا عن خارطته التي ستبدأ بالاستشارة الشعبية الإلكترونية.
أعلنت وزارة تكنولوجيات الاتصال التونسية في 1 يناير/جانفي 2022 إطلاق الاستشارة الشعبية الإلكترونية في "عملية بيضاء" ستقتصر كمرحلة أولى على تقييم المنظومة ليتم تعديلها لاحقا بناء على الملاحظات لتلافي النقائص والخلل. ومن المنتظر أن تفتح أبواب المشاركة الفعلية للعموم بداية من الـ 15 من يناير الجاري. وتكون المشاركة في هذه الاستشارة الإلكترونية وفق ما أفاد به وزير تكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي عبر هوية مخفية على المنصة التي تحتوي على 6 محاور كبرى (بكل محور 5 أسئلة) مع مساحة للتعبير الحر، وذلك من أجل تحفيز المواطنين على الاقبال بكثافة.
حيث يتوجب على كل راغب في المشاركة الضغط على الرمز التالي بهاتفه الجوال *1217*رقم بطاقة التعريف الوطنية# ليحصل على رمز سري يمكنه من الولوج إلى المنصة الالكترونية على العنوان التالي: http://www.e-istichara.tn/ وتهدف المنصة إلىرصد مقترحات التونسيين في محاور تتعلق أساسا بالشأن السياسي والانتخابي والشأن الاقتصادي والمالي والتنموي، فضلا عن التحول الرقمي والتعليم والثقافة والوضع الاجتماعي والصحة وجودة الحياة، كما يتضمن كل محور أسئلة مع مساحة للتعبير.
في جبهة مساندة حذرة، أعلنت حركة الشعب موافقتها من حيث المبدأ على الاستشارة الوطنية الالكترونية في شكل حوار مع الشباب ومختلف فئات الشعب التونسي، لكنها في نفس الوقت تطرح نقاط استفهام حول كيفية تشريك متساكني الأرياف لأن هناك جزءا كبيرا من التراب الوطني غير مغطى بشبكة الانترنيت كما أن هناك فئة من الشعب غير قادرة على التعاطي مع الوسائط الإلكترونية وفق ما أفاد به النائب عن الحركة حاتم البوبكري.
وأضاف البوبكري أن حركة الشعب ترى أن الحوار الأفقي عبر الوسائط الإلكترونية يجب أن يشفع بحوار عمودي، إذ هناك لجنة ستقوم بتأليف نتائج الاستشارة الإلكترونية ويجب أن تمرر تلك النتائج لنقاشها في إطار حوار مباشر تشارك فيه الأحزاب السياسية المؤمنة بإجراءات 25 جويلية وكذلك المنظمات الوطنية، ويقع خلاله بلورة الحلول العاجلة والآجلة الكفيلة بإخراج البلاد من الوضع الصعب الذي هي عليه.
كما أفاد الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي محسن النابتي، في تصريح لموقع"سبوتنيك"، أنه لا ضير من اعتماد الاستشارة الإلكترونية على اعتبار أنها قادرة على بسط رؤى شرائح مهمة من المجتمع التونسي ونقل اقتراحاتهم للإصلاحات المستوجبة في مختلف الميادين. مشيرا إلى أن نحو 45% من الشعب التونسي قادر على استخدام الوسائط الإلكترونية، وهو ما سيفتح المجال لشرائح متنوعة للتعبير عن آرائها، على غرار الطلبة وأصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل والتونسيين المقيمين بالخارج الذين بإمكانهم الولوج بسهولة إلى المنظومة الإلكترونية.
في المقابل أعلنت مجموعة مواطنون ضد الانقلاب عن مقاطعتها للاستفتاء الالكتروني الذي أطلقه الرئيس التونسي قيس سعيد وأعلن أنه سينطلق مفتتح السنة الجارية، وفي هذا السياق أشار عضو الهيئة التنفيذية للمبادرة الديمقراطية جوهر بن مبارك في لقاء صحفي بمقر إضراب الجوع الذي ينفذه عدد من معارضي ما وصفوه بالانقلاب إلى استئثار الرئيس سعيد بالسلطة التأسيسية التي تعتبر السلطة السيادية الأصلية، وقال إن المنقلب، ويقصد رئيس الجمهورية التونسية، يريد احتكار السلطة التأسيسية من خلال ما أسماه بالاستشارة الالكترونية.
وبين أنه يعتبر أن هذه العملية هي عملية تحيل إلكتروني على الشعب، ودعا بن مبارك الشعب التونسي بمختلف أطيافه بشبابه ونسائه ورجاله وشيوخه إلى مقاطعتها واصفا إياها بالاستشارة التحيلية وطالبهم بعدم المشاركة فيها والتصدي لها بكل الوسائل السلمية والديمقراطية.
وفي نفس السياق أشار غازي الشواشي الأمين العام للتيار الديمقراطي إلى أن روزنامة الاستفتاء التي أعلن عنها رئيس الجمهورية هي روزنامة مسقطة لمحاولة إضفاء شرعية على مشروعه المتمثل في البناء القاعدي وتغيير الدستور على مقاسه. وأضاف قائلا:" نحن غير معنيين بهذا الاستفتاء وهناك نقاط استفهام عديدة حوله وحول مدى شرعيته وقانونيته وشفافيته ومصداقيته وحوكمته، فهناك نقاط غموض كثيرة تحيط به."
وقال الشواشي أنه "مشروع متخلف لتأسيس جماهيرية في تونس والتيار الديمقراطي غير موافق على هذا التمشي ويرفضه ويعتبر الروزنامة التي تحدث عنها رئيس الجمهورية خارجة عن الأطر الدستورية والقانونية وهي عملية تحيل بأتم معنى الكلمة ولا يمكن أن تنجح، ثم أنها فضلا عن ذلك لا تمثل أولوية التونسيين، فالاستفتاء في الوقت الراهن ليس أولوية بالنسبة للتونسيين الذين يعانون من الفقر والبطالة والتهميش".
ومن جهتها قالت عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر،أن الاستشارة الالكترونية الشعبية تفتقد الى المصداقية والشفافية والديمقراطية كما ان انطلاقها كان متعثرا. وأضافت موسى في تصريح لإذاعة موزاييك أفم التونسية، أنه بعد ان أعلن رئيس سلطة تصريف الاعمال، وفق توصيفها، ان انطلاق الاستشارة سيكون بداية من غرة جانفي/يناير 2022 الا ان ذلك تعثر ولم تقم رئاسة الحكومة او وزارة تكنولوجيات الاتصال او وزارة الشباب والرياضة بالإعلان عن تأجيل انطلاق عمل المنصة للعموم مقابل علم مواطنين وصفتهم بأنهم درجة اولى وفوق العادة بفتح دور الشباب امامهم للقيام بعمليات بيضاء في هذه الاستشارة لا أحد يعلم محتواها.
وانتقدت منظمة "أنا يقظ "(منظمة مدنية رقابية) في تونس عدم جاهزية البوابة الإلكترونية للاستشارة الوطنية وعدم شفافية الإجراءات التي تم اتخاذها في الغرض. معتبرة أن وزارة تكنولوجيات الاتصال لم تحترم آجال إطلاق الاستشارة الوطنية بخصوص بث موعدها المحدد المقرر يوم 1 جانفي/يناير الجاري المعلن عنه من قبل رئيس الجمهورية.
وأبرزت المنظمة، في بيان لها أنه تم الانطلاق "بعمليات بيضاء" بدور الشباب وأن المشاركة للعموم تنطلق بداية من تاريخ 15 جانفي/يناير 2022 خلافا لما أعلن عنه سعيد. وأعربت عن رفضها لمسار إعداد المنصة الإلكترونية للاستشارة الوطنية، داعية كافة الأطراف المتداخلة إلى احترام حق المواطنين في المعلومة والتحلي بأكثر شفافية وتشاركية.
وأشارت "أنا يقظ" إلى وجود تعتيم تام في علاقة بالأطراف المتداخلة في إعداد المنصة، وخاصة بخصوص مشاركة شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا، مطالبة رئاسة الحكومة بتوضيح العلاقة مع هذه الشركة وكيف تم التعامل معها دون طلب عروض واحترام الأمر المنظم الصفقات.
رغم هذا الكم من النقد والإعتراض إلا أن الخبراء والمحللون يؤكدون إمكانية نجاح هذه التجربة الإلكترونية خاصة وأن الشعب التونسي قد خالف التوقعات في عديد المحافل السياسية الهامة خاصة منها الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة التي كانت نقطة بداية قلب الموازين بالبلاد التونسية. وحيث ينقسم الشارع التونسي إلى مساند لقرارات قيس سعيد ومعارض لها يبقى نجاح الإستشارة الشعبية الإلكترونية رهينا بإقبال التونسيين ونتائجها النهائية دون أن ننسى أن الشباب التونسي، الفئة الأكثر استعمالا للتكنولوجيا، هو من عدّل الكفة في محافل عدة.