قبل أن تتطور اللحظة السياسية التي يعيشها العالم الآن، يمكن أن نلتقط التطور الحاصل في مستوى تعاطي الغرب مع ظاهرة الحراك العربي الذي أطلق عليه إعلاميا “ربيعا عربيا”، وذلك ضمن تصورات تلك القوى التي تقودها الولايات المتحدة لمراكز النفوذ في العالم وكيفية الحفاظ على قوتها. ولعل الحراك العربي في سياق اللعبة الدولية، أضحى نقطة الارتكاز الأولى في هذه اللعبة، والتي يمثل “الإسلام السياسي” فيها القلب المحرك لدورة المواقف والقرارات بين الدول، فقد أصبحت “المحاور والتحالفات” الدولية هي اللاعب الرئيسي فوق المسرح السياسي العالمي، تحت عنوان “الحرب على الإرهاب” في نسخة ما بعد “الربيع العربي”.

يحاكي الغرب الآن بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لعبة فزاعة الإرهاب التي أطلقتها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وذلك “كي يتسنى للبيت الأبيض وحلفائه فرز المواقف التي ستشكل قطع الرقعة في اللعبة القادمة” حسب مراقبين. وهي الآن بصدد الاستفادة من واقع الفوضى في المنطقة، ليسهل على سياسيي أوروبا وأميركا تجميع وتقسيم العالم إلى محاور باستغلال غول الإرهاب الجهادي وجماعات الإسلام السياسي.

 

التطرف لديمومة الفوضى

لن تترك دوائر القرار السياسية الأوروبية والأميركية منطقة في العالم متكاملة وموحدة، بل إن الهدف الرئيسي لتلك الدوائر هو التجزئة إلى أقصى الحدود لتسهيل الهيمنة وفق الفهم الغربي المركزي للعالم.

فالتمعن في منطقة الخليج العربي منذ ثمانينات القرن الماضي (أي منذ تأسيس مجلس تعاون دول الخليج) يؤدي بنا إلى ملاحظة الشرخ الذي انتاب المنطقة منذ خروج قطر عن الصيغ السياسية المتفق عليها بين دول المنطقة، وذلك عبر تكفل قطر بدعم الجماعات الإسلامية المتطرفة في سوريا والعراق ودول أخرى، ناهيك عن تمويلها واحتضانها السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين في الأقطار التي صعدت فيها الجماعة إلى الحكم.

وحسب خبراء في السياسة الدولية، فإن تأجيج التطرف والقتل على الهوية ومحاربة الأقليات في المناطق العربية بشكل عام وخاصة تلك المتاخمة للخليج العربي ومصر، إنما الغرض الأساسي منها هي “كسر الامتداد السياسي الطبيعي في تلك المنطقة ومحاولة خلق مساحات جغرافية جديدة تسهل على الغرب التحكم في مصادر الطاقة التي تتميز بها المنقطة الشرقية من الأرض العربية”، والأداة الرئيسية في ذلك هي الميليشيات الإسلامية المتطرفة مثل القاعدة وما يسمى بـ”الدولة الإسلامية” الممولة إقليميا بالمال والسلاح والتوجيه الاستخباراتي.

ويقول عماد جاد الخبير في مركز الأهرام للبحوث والدراسات الاستراتيجية إن “الانتفاضات الشعبية التي أطلقتها ثورات الربيع العربي عام 2011، والتي ساهمت في صعود الجماعات المتطرفة مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس، والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في سوريا والعراق، وانتشار هذه الجماعات المسلحة بات يهدد وحدة وتماسك منطقة الخليج والعالم العربي".

 

الشرق الأوسط الجديد

تقوم الولايات المتحدة الأميركية في هذه الفترة بحملة دولية دعائية “لتشكل تحالف دولي واسع لمحاربة الإرهاب” وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وقد صرح كبار المسؤولين في البيت الأبيض أن الحشد الدولي الذي ستقوم به أميركا سوف يكون تحت غطاء الأمم المتحدة. وهو ما يؤكد عزم أميركا استصدار قرار من مجلس الأمن للقيام بضربة عسكرية في دولة ما على غرار ما حدث للعراق.

وبالتالي، فإن دور التنظيمات الإسلامية المسلحة في الشرق الأوسط قد بدأ في التكشف شيئا فشيئا، وهو “القيام باستجلاب تدخل عسكري ما في تلك المنطقة وإحلال نظام حليف للغرب على حساب المصالح العربية”. ويرجح محللون، أن التقارب بين إيران وأميركا ربما سوف يؤدي إلى استبدال نظام الحكم في سوريا بآخر يكون مزدوجا بين إيران والغرب تماما كما حدث في العراق. وكل ذلك يكون بزرع ميليشيات إرهابية تجد غطاءها السياسي في جماعات الإسلام السياسي وخاصة الإخوان المسلمين. ويؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة حلوان المصرية جهاد عودة، أن التعاون الخليجي المصري الذي تجمع حول الحراك الشعبي لإسقاط سلطة الإخوان “إنما كان خطوة رئيسية لا بد منها للتمكن من إزاحة أهم جزء من التهديد الوجودي لأمن وسلامة تراب دول الخليج والدول العربية بشكل عام”. إذ استشعرت تلك الدول الخطر الوجودي الذي يهددها من قبل الجماعات الإرهابية المتطرفة والتي تجد تمويلها من خلال أجهزة التنسيق مع الغرب بشكل غير مباشر وبتدخل قطري واضح.

ويشير جهاد عودة في سياق قراءته لضرورات التنسيق الأمني العربي، أن “الأمر يتطلب نهجا إقليمياً على مستوى أعلى من التعاون بين الجيوش العربية، فضلا عن تعاون بين وكالات مكافحة الإرهاب والاستخبارات العربية”، وذلك للإجابة عن تساؤل حول أفق التعاون العسكري العربي.

وفي الواقع فإن دول الخليج تعتمد تقريبا على الولايات المتحدة الأميركية في قيادة الجهود الأمنية ومكافحة الإرهاب وضمان النظام الإقليمي في منطقة الخليج، ولكن أميركا يبدو أنها غير مستعدة لمواصلة لعب هذا الدور، بعد التقارب مع إيران حول برنامجها النووي، وهو ما جعل دول الخليج تبحث عن شركاء آخرين على المستويين الإقليمي والدولي لمنع انهيار النظام الإقليمي ومحاربة الإرهاب بنفسها.

 

ضرورة المحور العربي

عامل الوقت كان ضروريا لفهم آلية التعاطي الأميركي مع الحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وذلك عبر استنتاج ازدواجية المعايير التي تتعامل بها إدارة البيت الأبيض مع تعاظم التنظيمات الإرهابية في المشرق. فقد سارعت الولايات المتحدة للتدخل عسكريا (بالقصف الجوي) على مناطق الشمال العراقي التي استحوذ تنظيم الدولة الإسلامية على مدن واسعة منه، لكن الأميركان لم يتدخلوا بهذه الصيغة في محاربة الامتداد السوري لهذا التنظيم، بل أعطت تلك التنظيمات حماية سياسية بالدفاع على ما تسميه أميركا “المعارضة المعتدلة في سوريا".

هذا المسار دفع دوائر التفكير العربية إلى البحث عن صيغة حمائية عربية ـ عربية لتأمين المنطقة من أي انزياح أميركي في التعامل مع الإرهاب. فقد خبر العالم سياسة الغرب وعلم أن المصلحة هي التي تحرك السياسيين في اتخاذ المواقف وشن الحروب.

ويقول طارق فهمي الأستاذ والخبير في العلاقات الدولية في الجامعة المصرية إن”واشنطن تمثل أحد عوامل تزايد الصراع والحرب الأهلية في سوريا، حيث فشلت في القيام بمسؤوليتها الدولية في تأمين منطقة الشرق الأوسط من الإسلاميين المتطرفين ".

وبالتالي، فعلى القوى الإقليمية العربية الآن أن تتنبه لرهانها على الأميركان وأن تتوجه نحو “صياغة مشروع أمني قومي عربي تكون مصر والسعودية والإمارات والكويت والجزائر ودول أخرى ركيزته” تماما كما فعل الغرب عند تشكيله لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

 

*نقلا عن العرب اللندنية