لا يمكن فصل التقارب الإخواني الليبي الإيراني، اليوم، عن سياق تاريخي وفكري يؤطر هذا التقارب ويرعاه منذ العام 1979، تاريخ اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الخميني. فقد وقت جماعة الإخوان المسلمين وجميع فروعها موقف الداعم والتابع لثورة الخميني، فقد فتحت الثورة الإسلامية باب الأمل واسعاً أمام جميع الحركات الإسلامية، بإمكانية الوصول إلى السلطة.
على الرغم من ذلك، فإن العلاقات الإيرانية الليبية الرسمية كانت جيدة إلى أبعد الحدود في عهد الراحل معمر القذافي، الذي وقف إلى جانب إيران في حربها ضد العراق وفي قضية ملفها النووي من منطلق عدائه التاريخي للتدخل الأمريكي في المنطقة العربية. لكن في فبراير 2011 سقط كل شيء. وقف الإيرانيون إلى جانب التمرد ضد القذافي وتشير تقارير حينذاك إلى أن أسلحة ومدربين تابعين لإيران ولمجموعات مسلحة تابعة لها وصلت إلى مصراته في إطار دعمها العسكري ضد القوات النظامية الليبية.
وخلال كل هذه السنوات من الفوضى في ليبيا حافظت إيران على مواقفها الداعمة للجماعة الإسلامية – على الرغم من الاختلافات المذهبية الجذرية – لكن هذا الدعم لم يكن في مستوى عال. إلا أن التحول الذي وقع في موازين القوى الإقليمية بعد 2017 وما جرى في الخليج من مقاطعة لدولة قطر، أدى إلى تحولات جذرية على الساحة الليبية.
شكلت مقاطعة قطر من طرف جيرانها، نقطة مفصلية لتشكل محاول سياسية جديدة في المنطقة. في المقلب الأخر كان الجنرال حفتر يزحف بسرعة لبسط سيطرت قوات الجيش الوطني على أجزاء واسعة من التراب الليبي، بما في ذلك المناطق الحيوية والنفطية. وحظي الجيش الليبي بمساندة من مصر والإمارات والمملكة السعودية وبدعم دولي فرنسي وأمريكي. في المقابل راهنت كل من قطر وتركيا على دعم الجماعات الإسلامية المسلحة، بما في ذلك بقايا من تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة.
هذه المعادلة الجديدة أدت إلى تقارب تركي قطري إيراني، يغذيه العداء المشترك للملكة السعودية والإمارات، على الرغم من الاختلافات الجوهرية بين تركيا وإيران في الملف السوري. التحالف الجديد القديم، تجلت مظاهره على الساحة الليبية، حيث الحضور التركي الطاغي اقتصاديا وعسكريا. لكن الخليط غير المتجانس، الذي تتشكل منه الجماعات الإسلامية المتطرفة في طرابلس، كشف عن دور إيراني في تسليح جزء من هذه الجماعات. فبعض هذه الجماعات ولأسباب مذهبية أذاعت سر سفينة إيرانية كانت وجهتها ليبيا وتحمل على ظهرها شحنة مجهولة لقوات مصراته.
ففي أواخر أبريل الماضي، أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني الليبية السبت احتجاز سفينة إيرانية تحمل اسم "سحر إي كورد" مدرجة على قوائم العقوبات الأميركية والأوروبية.وأضافت الوزارة أن النائب العام أمر بالتحفظ على السفينة واستكمال التحقيقات للتأكد من حمولتها.وطالب أحمد المسماري الناطق باسم قوات "الجيش الوطني الليبي" التابع لخليفة حفتر، مجلس الأمن الدولي باطلاعالليبيين على محتوى السفينة الذي ضبطت في ميناء مصراتة.وقال المسماري في مؤتمر صحافي إن "السفينة مملوكة لشركة تتبع الحرس الثوري الإيراني"، حسبما نقلت صحف محلية.
ووفق تحقيق مشترك أعدّه موقعا "بيفول" المتخصّص في شؤون الملاحة و"دي ري ميليتاري" المتخصّص في شؤون الأمن، تبيّن أنّ السفينة اتجهت من ميناء اللاذقية السوري إلى بلغاريا، حيث رست في ميناء بورغاس من 18 إلى 20 أبريل، من دون وجود معلومات رسمية عمّا نقلته إلى البلاد وما حُمّلت به هناك.ويظهر موقع "مارين ترافيك"، المتخصّص في رصد بيانات الملاحة البحرية العالمية، انطلاق "سحر إي كورد"، صباح السبت 20 أبريل، في اتجاه ميناء مصراتة في ليبيا، حيث تندلع اشتباكات بين قوات حكومة الوفاق، المعترف بها دولياً والمدعومة من تركيا وقطر، وقوات المشير خليفة حفتر، قائد "الجيش الوطني الليبي"، الذي أعلن هجوماً لتحرير العاصمة من "الإرهابيين".
وجاء في التحقيق أنّ محلّلين يرجّحون أن تكون الشحنة عبارة عن أسلحة خفيفة تنقلها إيران إلى حلفاء قطر في ليبيا، لاستخدامها من أجل منع "الجيش الوطني" من السيطرة على ميناء مصراتة. أمّا بلغاريا، "فتربطها علاقات وطيدة بالدوحة وإيران، وليس مستغرباً إرسالها حمولة من هذا النوع"، وفق ما قال رسلان طراد، الشريك المؤسّس في "دي ري ميليتاري". وكانت واشنطن أدرجت شركة "IRSL" للنقل والشحن البحري على قائمة العقوبات ضدّ إيران، بسبب تقديمها الخدمات اللوجستية لوزارة الدفاع الإيرانية وإسهامها في نقل أسلحة الحرس الثوري الإيراني، المدرج بدوره على قائمة العقوبات.